هدى المتقين الى شريعه سيد المرسلين

اشارة

نام كتاب: هدى المتقين إلى شريعة سيد المرسلين موضوع: فقه استدلالى نويسنده: نجفى، كاشف الغطاء، هادى بن عباس بن على بن جعفر تاريخ وفات مؤلف: 1361 ه ق زبان: عربى قطع: وزيرى تعداد جلد: 1 ناشر: مؤسسه كاشف الغطاء تاريخ نشر: 1423 ه ق نوبت چاپ: اول مكان چاپ: نجف اشرف- عراق ملاحظات: اين كتاب در سال 1342 ه ق در چاپخانه علوى چاپ شده است. اما فايل هاى اين كتاب را مؤسسه ى كاشف الغطاءى نجف اشرف در اختيار ما قرار داده است و شماره ى صفحات مطابق با آن است.

ص: 1

اشارة

هذا هو

الجزء الأول

من كتاب

هدى المتقين

إلى شريعة سيد المرسلين

قد لخص من كتاب

هداية الأنام

للشيخ العالم الفقيه الاتقى

الهادي بن العباس من آل الشيخ الأكبر

الشيخ جعفر كاشف الغطاء قدّس سِرُّه

المطبعة العلوية ..... النجف الأشرف

1342 ه ..... 1922 م

مكتبة كاشف الغطاء ..... النجف الأشرف

1423 ه ..... 2002 م

ص: 2

مقدمة الناشر

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

(يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ قَدْ جٰاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفٰاءٌ لِمٰا فِي الصُّدُورِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)

صدق الله العلي العظيم

(هدى المتقين)

يا طالب الحق بلا مرية و تابعاً شرع النبي الأمين كن واثقاً أنك لا تهتدي للحق إلا ب (هدى المتقين)

قد اختصر هذا من كتاب الهداية للفقير إلى عفو ربه

الراجي صون نفسه و مخالفة هواه و حفظ دينه

و إطاعة مولاه: الهادي بن العباس بن علي

نجل الشيخ الأكبر الشيخ جعفر

صاحب كشف الغطاء

نوّر الله مرقده

ص: 3

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

مقدمة المؤلف

بعد الحمد لوليه و مستحقه و الصلاة على اشرف خلقه و عترته الأمناء و آله الأصفياء، فاعلم أن هذه الرسالة قد تكفلت ببيان ما يهمك و يكثر به ابتلاؤك من الفرائض الدينية و الأحكام الشرعية و أرجو أنك إن أخذت بها و عملت عليها كنت إن شاء الله على ثقة من أمرك و يقين من فراغك و الله الموفق و المعين و بيان ذلك في مقدمة و مقاصد و خاتمة، أما المقدمة ففيما يجب عند البلوغ المتحقق بإنبات الشعر الخشن على العانة أو الاحتلام أو إكمال خمس عشرة سنة من العمر للذكر و إكمال تسع سنين للأنثى فإنهما إذا أكملا هذه المدة و دخلا في أو السادسة عشرة أو العاشرة أو تحقق بلوغهما قبل ذلك ببعض العلامات الأخر وجب عليهما أمور" الأول" تحصيل الاعتقاد و اليقين بأصول الدين و هو أهم التكاليف و تحصيله مقدم على جميع الواجبات و لا يكفى الظن عنه و لا التقليد و أصول الدين هي التوحيد و النبوة و المعاد الجسماني و يقال لهذه الثلاثة أصول الإسلام و العدل و الإمامة و يقال للجميع أصول الإيمان" الثاني" تقليد المجتهد العادل الجامع للشرائط فيما يجب فيه التقليد من أحكام الدين التي لا يجب فيها تحصيل العلم و اليقين و نحوها أو العمل بالاحتياط فيما يمكن فيه الاحتياط مع العلم بطريقه و عدم وقوعه في خلافه من جهة أخرى و أما طريق اخذ المسائل من المجتهد فهو أما بالسماع منه شفاها أو بنقل عادلين أو عدل واحد مع الاطمئنان و الوثوق بخبره أو بما يجده في إحدى رسائله العملية المصححة إذا كان ممن يفهمها" الثالث" يجب عليه ان يأتي بما عليه من الاغسال التي أوجد سببها قبل البلوغ كمسّ ميت أو جنابة إلا ان يكون مميّزاً أو قد أتى بها صحيحة و ان كان الاحوط الإعادة بعد البلوغ فلو لم يأتِ بالغسل أصلا لم تصح صلاته و لا غيرها من عباداته المشروطة بالطهارة حتى يغتسل و لو لمسّ آخر أو جنابة أخرى و يجب عليه الختان و تصح صلاته لو تركه و يأثم مع إمكانه و إن كان وليا وجب عليه ان يأتي بما تحمله من الصلاة و الصيام على الاحوط ان لم يكن أقوى على التفصيل المذكور في محله" الرابع" يجب عليه تفريغ ذمّته مما اشتغلت به من الحقوق التي تلزم بإيجاد سببها من غير دخل

ص: 4

فيها للبلوغ و العلم و الجهل و العمد و السهو و الاختيار و الاضطرار فإن ملاحظة ذلك من الأمور المهمة التي لم يلتفت إليها اكثر الناس بعد البلوغ و لا ينحصر أمر اشتغال الذمة بما سرقه أو غصبه أو أتلفه بأكل أو شرب أو إحراق أو نحوها فانه ربما رمى شيئا فاصاب إنسانا أو حيوانا محترماً أو إناءً أو زجاج نافذة أو غيرها و ربما جعل معاثر في الطريق فحصل بسببها إتلاف ما يجب ضمانه أو سبب إتلافه بغير ذلك بلا وجه مشروع و ان كان غفلة أو خطأ فإن جميع ذلك يجب عليه تفريغ ذمته منه كما انه يلزم عليه ملاحظة ما جرى بينه و بين الصبيان من الأخذ و العطاء و البيع و الشراء و نحوها" الخامس" يجب عليه تعلم كيفية الطهارة من الحدث و الخبث و كيفية الصلاة و معرفة أفعالها و حفظ أقوالها و أحكامها و شرائطها و معرفة أحكام ما يبتلى به من العبادات و المعاملات و غيرهما فالشخص العاقل الملتفت إذا بلغ بالسن أو بالاحتلام أو غيرهما بعد طلوع الشمس مثلا فبعد تحصيل الاعتقاد بأصول الدين و الإيمان و الولاء لأولياء الله الذي لا يقبل عمل من الأعمال بدونه يتعلم أحكام الطهارة و الصلاة بقدر الحاجة طبق فتوى مقلده إذا كان ذلك الشخص صحيحاً يظن بقاؤه على صفة المكلفين إلى الزوال و كان بحيث لو صبر إلى الزوال لم يتسع له الوقت للتعلم و العمل فإذا كان كذلك كان الاحوط ان لم يكن الأقوى وجوب المبادرة إلى التعلم و هكذا بالنسبة إلى بقية الصلوات فإذا بقي حيا إلى شهر رمضان وجب عليه تعلم أحكامه و هكذا بالنسبة إلى محل الابتلاء من أحكام جميع الأفعال التي هي فرض عين و أما التروك فتجب بحسب ما يتجدد من الأحوال و هي تختلف بحسب حال الأشخاص و ابتلائهم بها (أما) الاعتقادات فكلما خطر له شك في شي ء منها وجب عليه تعلم ما يتوصل به إلى إزالته و تحصيل الاعتقاد به باطنا و التدين ظاهراً (و أما) المعاملات فتلزمه أيضاً معرفة أحكام ما يحتاج إليه منها كما لو كان تاجراً فانه يجب عليه ان يتفقه في ذلك لتصح معاملاته و يسلم من الربا و نحوه و كما لو كان أجيراً فانه يجب عليه ان يتعلم ما يحتاجه من أحكام الإجارة و هكذا بقية المكاسب و المعاملات و العقود لا بد من اخذ أحكامها ممن يقلده فلا يوقع معاملة و لا عقد نكاح دائم أو منقطع بدون معرفة العقد و تعلم أحكامه فلا يدخل في شي ء من ذلك بدون مستند شرعي و ان صح لو بان مطابقاً للواقع و أما

ص: 5

بعض المعاملات و المكاسب المعلومة التي هي من الضرريات فلا يحتاج فيها إلى التقليد

(و أما) المقاصد فهي أربعة:

المقصد الأول في العبادات المعلومة بالضرورة من دين النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم

اشارة

و هي بدنية و مالية و ما جمعت الأمرين و شرائط التكليف بها البلوغ و العقل و القدرة و شرائط صحتها الإسلام و الإيمان و الإخلاص فيها ونية التقرب بها و يثبت الإيمان بعد الاعتقاد بالأصول الثلاثة بالاعتراف بالعدل و الإمامة و هي الرئاسة العامة لأمير المؤمنين عليه السلام و أبنائه المعصومين من الحسن عليه السلام إلى ابن الحسن إمام الزمان أرواح العالم فداه و لا يكفي التقليد و لا الظن و لا بد من معرفة صحة العمل أما بالاجتهاد أو بالتقليد للمجتهد الحي العدل الصائن لنفسه الحافظ لدينه المخالف لهواه المطيع لأمر مولاه الأعلم مع الإمكان و الاختلاف في الفتوى أو بالاحتياط مع إمكانه و معرفته اجتهاداً أو تقليداً أو الكلام على المهم من العبادات بأقسامها يذكر في كتب.

كتاب الصلاة

اشارة

و هي واجبة و مندوبة و الواجبة أقسام أهمها الصلاة اليومية و هي واجبة بالضرورة من الدين و مستحل تركها من الكافرين و هي أول ما يحاسب عليه العبد و أول ما يسأل عنه بعد المعرفة فإن قبلت قبل ما سواها و ان ردّت رد ما سواها و قد ورد انه ما بين المسلم و بين أن يكفر إلا أن يترك الصلاة الفريضة متعمداً أو يتهاون بها فلا يصليها و المفروض من الصلاة في اليوم و الليلة على كل بالغ عاقل متمكن من أحد الطهورين إلا المرأة في حال الحيض أو النفاس سبع عشرة ركعة في الحضر و عدم الخوف و إحدى عشرة ركعة في السفر أو الخوف الموجب لذلك فلكل من الظهر و العصر و العشاء أربع ركعات و في السفر و ما بحكمه ركعتان و للمغرب ثلاث ركعات مطلقاً و للصبح كذلك ركعتان (و أما النوافل الراتبة اليومية) فهي لمن لم يقصر الصلاة مثلًا عدد الفرائض أربع و ثلاثين مثنى مثنى إلا الوتر فواحدة من قيام و إلا الوتيرة فركعتان من جلوس تعدان بركعة واحدة فجملة الفرائض و النوافل في اليوم و

ص: 6

الليلة إحدى و خمسون للصبح من النوافل ركعتان قبلها و للمغرب أربع بعدها ثابتة حظراً و سفراً و كذا صلاة الليل و هي ثمان ركعات نافلة الليل و ركعتان للشفع و ركعة واحدة للوتر فهذه سبع عشرة ركعة لا تسقط في السفر و للظهر في الحظر ثمان ركعات قبلها و للعصر كذلك و للعشاء الركعتان. ثمّ ان استيفاء المرام مما يتعلق بالصلاة من شروطها و أحكامها و باقي أقسامها يقع في أبواب ثمانية:

الباب الأول في مقدمات الصلاة و شروطها

اشارة

في مقدمات الصلاة و شروطها بعد تحصيل المعارف الخمسة على النحو المعتبر و بعد معرفة ما يجب في الصلاة من الأقوال و الأفعال و الشروط بالاجتهاد إن كان من أهله أو بالتقليد لأهله و هي سبع:

[المقدمة] الأولى الطهارة من الحدثين الأصغر و الأكبر و من النجاسات العشر إلا ما يعفى عنه
اشارة

و تفصيل هذه الجملة في مقامين:

المقام الأول في الطهارة من الحدثين
اشارة

و هي استعمال طهور على وجه مخصوص مشروط بالنية و هي كبرى و صغرى و الكلام عليها يقع في مباحث و في كل من المباحث فصول:

المبحث الأول في الطهارة من الحدث الأصغر
(فصل) في الطهارة من الحدث الأصغر فقط

و هي تحصل بالوضوء أو التيمم و موجبات الوضوء هي البول و ما بحكمه و الغائط و الريح و النوم الغالب على السمع و البصر و لو تقديراً كما في الأصم و الأعمى و مزيل العقل و ما بحكمه كالجنون و الإغماء و السكر و قليل الاستحاضة و هو ما لا يغمس القطنة و موجباته مع الغسل هي موجبات الغسل الآتية إلا الجنابة فإنها من نواقضه و لا تجوز الصلاة مطلقاً و لا الطواف الواجب و لا مس كتابة المصحف و أسماء الله تعالى و الأسماء المحترمة إلا بالوضوء أو الغسل أو التيمم و لا تصح الصلاة و لا الطواف الواجب بغير طهارة و يحرم مس المصحف بدونها.

(فصل) في واجبات الوضوء
اشارة

و هي أمور

(الأول) النية

مقارنة لابتداء غسل الوجه بمعنى وقوعه عن النية التي هي القصد إلى الفعل المخصوص على وجه التقرب

ص: 7

إلى الله تعالى و يجب استمرار النية و لو حكماً إلى الفراغ.

(الثاني) غسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى منتهى الذقن طولًا و ما حواه الإبهام و الإصبع الوسطى عرضاً

و يجب البدأة من الأعلى و ما خرج عن العادة في كبر الوجه و صغره و طول الأصابع و قصرها يرجع إلى مستوى الخلقة و لا يجب غسل فاضل اللحية و لا تخليل الشعر الكثيف و لو منع الخفيف و هو الذي ترى البشرة من خلاله من وصول الماء وجب تخليله.

(الثالث) غسل اليدين من المرفقين إلى رءوس الأصابع مبتدئاً باليمنى

و لو كان عليهما ما يمنع من وصول الماء إلى البشرة وجب إيصال الماء إلى ما تحته من غير فرق في الشعر هنا بين الخفيف و الكثيف و كذا يجب غسل ما تحت المرفق من يد زائدة أو إصبع زائدة أو لحم نابت.

(الرابع) مسح بشرة شي ء من مقدم الرأس إلى شعره

الذي لا يخرج بمده عن حده ببقية بلل الوضوء بمسمى المسح بباطن الكف اليمنى على الاحوط و يستحب أن يكون بقدر ثلاث أصابع مضمومة عرضاً و يجزي المسح مقبلًا و مدبراً على كراهة و الاحوط الاقتصار على الأول.

(الخامس) مسح بشرة الرجلين بباطن الكفين من رءوس الأصابع إلى اصل الساق على الاحوط

بما صدق عليه الاسم و الاحوط أن لا يقدم اليسرى على اليمنى بل الأولى البدأة باليمنى احتياطاً و لا يجوز مسحهما بيد واحدة و يجوز مسح اليمنى باليد اليسرى و مسح اليسرى باليد اليمنى و يجب أن يكون المسح بالبلل المتخلف على أعضاء الوضوء و لا ينحصر على بلل اليدين بل يجوز أخذه من غيرهما من أعضاء الوضوء و إن كان الاحوط المسح بما بقي في يده من نداوة الوضوء و مع جفافه يأخذ من المتخلف على باقي الأعضاء فلو مسح بماء مستأنف بطل و كذا في مسح الرأس و لا يجوز النكس في مسح الرجلين.

(السادس) الترتيب

كما ذكر فيبدأ بالنية ثمّ بغسل الوجه تماماً ثمّ باليد اليمنى ثمّ باليسرى ثمّ بمسح الرأس ثمّ بمسح الرجل اليمنى ثمّ اليسرى.

(السابع) المتابعة بين هذه الأفعال

بحيث لا يجف البلل عن السابق من الأعضاء قبل غسل اللاحق منها و مع تعذرها أو تعذر المسح بالبلل المتخلف لشدة حرارة الهواء أو حرارة الأعضاء أو قلة الماء ينتقل إلى التيمم و الاحوط الجمع بينه و بين الوضوء مع تجديد ماء

ص: 8

للمسح لو تعذر المسح ببلة الوضوء.

(الثامن) مباشرة الغسل و المسح بنفسه مع الإمكان

فلو وضأه غيره بطل و لو تولى الغير بعض الأفعال بطل خاصة إلا مع فوات المتابعة المذكورة فيبطل الجميع أيضاً.

(التاسع) ان يكون الماء طاهراً في نفسه مطهراً لغيره.
(العاشر) ان يكون الماء مما يباح له استعماله

فلو كان مغصوباً بطل الوضوء مع العمل بالغصب و إن جهل التحريم و البطلان و لا يبطل مع الجهل بأصل الغصب و لو علم به بعد غسل الأعضاء فلا يبعد جواز المسح بما بقي من البلل كما انه لا يمنع من الصلاة مع مصاحبته و إن كان الاحوط خلاف ذلك فيهما و من المغصوب الماء المستخرج من ارض مغصوبة أو من بئر كذلك إلا مع عدم تابعيته لهما لا ما استخرج بآلة مغصوبة و لو كان مما لا يباح له استعماله لمرض أو خوف عطش على نفسه أو محترم فتوضأ به و الحالة هذه لم يصح.

(الحادي عشر) طهارة الأعضاء المغسولة و الممسوحة من النجاسة قبل الوضوء.
(الثاني عشر) إباحة المكان الذي يتوضأ فيه

فلو توضأ في مكان مغصوب عالماً بالغصب مختاراً بطل و كذا يعتبر إباحة استعمال الآنية التي يتوضأ منها شرعاً و متى استلزم وضوءه تصرفاً محرّماً بطل.

(فصل) مستدام الحدث كالمسلوس و المبطون و المستحاضة يتوضأ لكل صلاة بعد تطهير المحل

و وضع الحفيظة الطاهرة و يبادر إلى الصلاة بلا فصل و لو كانت لهم فترة تسع الطهارة و الصلاة انتظروها بل الاحوط لهم تحرّي الوقت الذي يكون خروج الحدث فيه اقل (و أما) الأقطع فإن بقي من محل الغسل أو المسح شي ء غسله أو مسحه و لو زال بتمامه كما لو قطعت يداه من فوق المرفق و قدماه من فوق الكعب سقط الغسل و المسح و الحاصل ان حكم الباقي من الأعضاء غسلًا كان أو مسحاً ان تمكن منه تولاه بنفسه و إلا التمس و لو بأجرة لا تضر بحاله من ينوب عنه فيما عجز عنه و لو كان في مواضع الغسل أو المسح جبيرة يعسر عليه إزالتها أو يضرّه حلها و لا يمكن إيصال الماء إلى ما تحتها لا بالإجراء و لا بالوضع في الماء لخوف الضرر أو تعسر إزالة النجاسة مسح برطوبة اليد عليها و لو كانت على الماسح مسح ببلتها و عصابة الجرح و القرح كالجبيرة و لو كانا مكشوفين و لا يتمكن من غسلهما أو مسحهما لذلك جعل

ص: 9

عليهما عصابة و صنع بها ما مرّ و أما الدواء و اللطوخ و ما التصق بالموضع مما لا يمكن إزالته فيجري عليه حكم الجبائر و إن كان الاحوط الجمع بينه و بين التيمم و لو كانت الجبيرة و نحوها نجسة و لا يمكن رفعها وضع خرقة على الموضع طاهرة و مسح عليها و لا يجري حكم الجبيرة في الرمد و وجع الأعضاء مع التضرر بالماء بل يتعين التيمم و الاحوط الجمع بينه و بين وضوء الجبائر.

(فصل) من شك في الوضوء بعد فراغه منه لم يلتفت

بل يبنى على وقوع ما شك فيه و لو عرض له الشك في شي ء من أفعاله و هو في أثنائه عاد على المشكوك فيه و ما بعده و يعمل على ما يتقنه من الطهارة أو الحدث فيما لو شك في أحدهما و تيقن الآخر.

المبحث الثاني في الطهارة من الحدث الأكبر
اشارة

و هي لا تحصل إلا بالغسل منفرداً أو منضماً إليه الوضوء و موجب الغسل وحده هي الجنابة و ما بحكمها لا غير و موجبه مع الوضوء أربعة الحيض و النفاس و الاستحاضة بقسميها الكبرى و الوسطى بالنسبة إلى كل صلاة يتقدمها الغسل و مس الأموات من الناس بعد البرد و قبل التطهير فهذه الأمور توجب الطهارتين الصغرى و الكبرى و ما تقدم ذكره من الأحداث في الوضوء ينقض الطهارة الصغرى و يوجبها عند وجوب مشروط بها و لا ناقض سواها و لا يحكم بشي ء منها إلا مع العلم فلو خرج ريح لا يعلم انه من المعدة أو خرج من أحد المخرجين شي ء من رطوبة أو دم أو حصاة و نحوها مما لا يسمى بولًا أو منيّاً أو غائطاً لم يكن ناقضاً ما لم يكن مستصحباً لشي ء من النواقض نعم البلل الخارج من الذكر قبل الاستبراء المشكوك أنه بول أو مني محكوم بكونه بولًا أو منيّاً.

(فصل) في واجبات الغسل

و هي النية كما مرّ مقارنة لجزء من الرأس في الغسل الترتيبي و لجزء من البدن في الغسل الارتماسي مستدامة الحكم إلى تمام الغسل و المباشرة بنفسه اختياراً و غير ذلك من الواجبات التي مر ذكرها في الوضوء عدا الترتيب فيما لو كان الغسل ارتماسياً وعدا الموالاة و المتابعة فإنها ليست بشرط في الغسل فيصح الغسل

ص: 10

ترتيباً بدونها و يجب تخليل الشعر المانع من وصول الماء إلى البشرة من غير فرق بين الشعر الخفيف و الكثيف و لا يجب غسل الشعر نفسه بالأصالة و لا نقض ضفائر الشعر إلا أن يتوقف عليه غسل البشرة و لو تخلل الحدث الأصغر في أثنائه فالاحوط إعادته و الوضوء بعده.

(فصل) و للغسل كيفيتان ترتيب و ارتماس

(أما الأول) فهو أن ينوي الغسل بعد تطهير بدنه من النجاسة ليجري ماء الغسل على محل طاهر و يغسل رأسه بتمامه إلى اسفل الرقبة مدخلًا معها شيئاً من البدن من باب المقدمة العلمية و لا يكتفي بغسل الشعر عن غسل البشرة ثمّ يغسل شقه الأيمن من الكتف إلى اسفل القدم و يغسل معه شيئاً مما اتصل به من الرقبة و الجانب الأيسر ثمّ يغسل شقه الأيسر كذلك و الاحوط غسل تمام السرة و العورة و هي القبل و حلقة الدبر مع الجانب الأيمن و الجانب الأيسر و لا بد من استيعاب بشرة كل عضو من الثلاثة بالغسل و الأفضل تثليث الغسلات و الترتيب افضل من الارتماس و له كيفيات مرجعها إلى غسل كل عضو من الأعضاء الثلاثة بعد الآخر. (و أما الثاني) فهو عبارة عن اشتمال الماء على تمام البدن دفعة واحدة عرفية بحيث يقال انه ارتمس في الماء دفعة واحدة و لا يجب خروجه من الماء لو كان إلى الساق أو إلى الركبة و إن كان الأولى خروج جميع البدن سيما إذا كان الماء إلى الصدر أو تحريك إحدى رجليه عند إرادة الارتماس و يتبعها بحركة ثانية بلا فصل معتد به و يمكن حصول الغسل الارتماسي لو كان جميع بدنه تحت الماء و حركه تحت الماء بقصد الغسل أو نواه بالخروج منه إلا ان الاحوط ما قدمناه أولًا.

(فصل) سبب الجنابة أمران خروج المني و ما بحكمه أو غيبوبة الحشفة و ما بحكمها في القبل أو الدبر

و لا يرتفع حدث الجنابة إلا بالغسل بإحدى الكيفيتين المتقدمتين و الذي يتوقف على الغسل المذكور أمور (الأول) الطواف الواجب و أما المستحب فلا يتوقف عليه إلا انه لا يمكن التوصل إليه إلا بالغسل فلو غفل عن كونه جنباً و دخل المسجد و طاف طوافاً مستحباً صحّ. (الثاني) الصلاة مطلقاً و أجزائها المنسية و ركعاتها الاحتياطية و سجود السهو، (و أما) صلاة الجنائز و سجود الشكر و

ص: 11

التلاوة فلا. (الثالث) الصوم و التفصيل في محله. (الرابع) مسّ أسمائه تعالى و كتابة المصحف الشريف و الأسماء المحترمة. (الخامس) اللبث في المساجد و المشاهد و لا بأس بالاجتياز إلا في المسجدين. (السادس) وضع شي ء فيها. (السابع) قراءة شي ء من سور العزائم الأربع مطلقاً على الاحوط و هي الم تنزيل و حم فصلت و النجم و اقرأ و في المشترك يتبع القصد.

(فصل) خروج دم الحيض حدث اكبر موجب للغسل

يحرم معه دخول الحائض في كل عبادة مشروطة بالطهارة كالصلاة و الصوم و لا تصح منها لو فعلتها و هو في الأغلب اسود أو احمر يخرج بقوة و لذع و قلّما يكون بخلاف ذلك و ما تراه المرأة قبل التسع مطلقاً أو بعد الخمسين إذا كانت غير قرشية و بعد الستين إذا كانت قرشية فليس بحيض و المرأة إذا رأت الدم مرتين في وقت واحد و عدد واحد كما لو رأته في أول شهر خمسة أيام ثمّ رأته في أول الشهر الثاني كذلك صارت ذات عادة وقتية عددية و إن اختلف في العدد فقط كانت ذات عادة وقتية لا غير و إن اتفق عدداً و اختلف وقتاً كأول الشهر و آخره كان ذات عادة عددية لا غير و لو حصلت لها عادة بخلاف الأولى كان المدار على الثانية و ذات العادة الوقتية مطلقاً تترك العبادة بمجرد رؤية الدم في المرة الثالثة. (و أما) صاحبة العادة العددية فلا تتركها إلا إذا رأته بصفة دم الحيض و لو لم يكن بصفة دم الحيض فلا تتحيض بمجرد رؤيته بل تحتاط بالجمع بين الإتيان بأعمال المستحاضة و بين تروك الحائض إلى أن تمضي ثلاثة أيام أو ينكشف لها الحال و اقل أيام الحيض ثلاثة و أكثرها عشرة لا ينقص و لا يزيد عن ذلك و يكفي في بقاء حدثيته وجوده في الباطن بمعنى إنها متى أرسلت قطنة و صبرت يسيراً و أخرجتها خرجت ملطخة بالدم و ان لم يبرز الدم إلى خارج الرحم و اقل الطهر عشرة أيام و يجتمع مع الحمل و لو رأت الدم ثلاثة أيام متفرقة في جملة العشرة فالاحوط مراعاة حكم الحيض في الجميع و يحرم على زوجها وطؤها في القبل و اجتناب الوطء مطلقاً و لو عصى فوطأها في القبل فعليه الكفارة و لا كفارة عليها و إنما تأثم لو طاوعته فإن كان الوطء في أول الحيض فعليه دينار و هو ثمانية عشر حبة من الذهب الخالص و ان

ص: 12

كان في وسطه فنصف دينار و إن كان في آخره فربعه و هو أربع حبات و نصف و تجزى القيمة و مصرفها الفقراء و لا تسقط الكفارة بالتوبة و العاجز عنها ينوي التوبة و يتوقع القدرة و السعة و يجوز وطأها بعد نقائها قبل الغسل على كراهة و تخف الكراهة بغسل القبل و هي مصدّقة لو أخبرت بحيضها أو نقائها و يحرم عليها ما يحرم على الجنب و يكره لها الخضاب.

(فصل) في دم النفاس

و هو الدم الخارج وقت الولادة مصاحباً لخروج المولود و لو كان علقة أو بعده إلى عشرة أيام أو في الوقتين معاً و ما تراه قبل الولادة حال الطلق فليس بنفاس فتجب معه الصلاة و لا حد لأقله و أكثره عشرة و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط إلى ثمانية عشر يوماً و يجب الغسل عليها عند النقاء أو بعد تجاوز العشرة و تقضي الصوم دون الصلاة و لا يصح طلاقها كالحائض و على زوجها لو وطأها في القبل عالماً عامداً كفارة الوطء في الحيض.

(فصل) في دم الاستحاضة

و هو في الغالب اصفر بارد رقيق لا حد لقليله و لا لكثيره و لا لأقل الطهر منه فيمكن أن يكون بين الاستحاضتين اقل من عشرة أيام و اكثر منها و هي أقسام ثلاثة قليلة و هي ما لوّث دمها القطنة و لو بمقدار قطرة أو اقل و متوسطة و هي التي يغمس دمها القطنة و لا يسيل فإن سال فهي الكثيرة و يلزمها في الأقسام الثلاثة الوضوء لكل صلاة فلا تجمع بين صلاتين بوضوء واحد و تبديل القطنة و الخرقة إذا أصابها الدم أو تطهيرها و في القسم الثاني يلزمها مع ذلك غسل لصلاة الصبح قبل الوضوء أو بعده و إن طرأ الدم بعد ذلك اغتسلت للظهرين و إن طرأ بعدهما اغتسلت للعشاءين و إلا فلا يلزمها إلا الغسل لصلاة الغداة و في القسم الثالث مع ذلك غسلان غسل للظهرين تجمع بينهما و غسل للعشاءين كذلك و غسلها كغسل الحائض و إذا فعلت ما قلنا صارت بحكم الطاهر.

(فصل) مس الميت من الناس بعد برده و قبل غسله

و مس القطنة المبانة منه أو من الحي مع اشتمالها على العظم موجب لغسل الماس مع صدق المس و لو بالأظفر إلا الشعر ماساً و ممسوساً و لو خلت القطنة من العظم أو كان الميت غير آدمي غسل يده مع

ص: 13

الرطوبة خاصة و لا غسل بمس الشهيد و لا بمس من قدم غسله قبل قتله و يجب الوضوء له مع الغسل للصلاة و الطواف الواجب و مس الكتاب الشريف و لا يتوقف عليه الصوم و لا المكث في المساجد و لا الجواز في المسجدين فالمس بمنزلة الحدث الأصغر في ذلك و بمنزلة الحدث الأكبر في عدم ارتفاعه إلا بالغسل و الوضوء.

(إكمال) إذا اجتمع على المكلف أغسال واجبة

كفى عنها غسل واحد ينويه عن الجميع إجمالًا أو تفصيلًا و لا يحتاج إلى الوضوء لو كان فيها جنابة و كذا لو نوى رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو كان فيها غسل جنابة و نواه و لو كانت الاغسال بعضها واجباً و بعضها مستحباً و نوى الجميع أجزأ عنها غسل واحد و لو كانت مستحبة فقط أجزأ عنها أيضاً غسل واحد ينويه عن الجميع و لو قصد البعض أجزأ عما قصده و لو اغتسل بقصد القربة من دون تعيين لأحدها لم يجزِه.

(تتمة) قيل بوجوب نوعين من الغسل

(الأول) غسل المولود ذكراً كان أو أنثى و الأصح استحبابه و وقته من حين الولادة إلى آخر أيامها عرفاً و ذلك بعد تطهير بدنه من الاخباث و يكفي فيه الغسل الارتماسي. (الثاني) في غسل الذّمية من الحيض بناء على اشتراطه في إباحة الوطء بأمر مولاها أو زوجها المسلم على القول بجواز نكاحها مطلقاً أو خصوص المنقطع منه و الأقوى عدم توقف وطئها على الطهارة بل يكفي فيه طهرها من الحيض كالمخالفة إذا قلنا ببطلان عباداتها و الجاهلة بكيفية الغسل و شرائطه حيث لا يمكن حمل فعلها على الصحة و لو قلنا بتوقف وطئها على الغسل فكفاية الغسل الصوري محل إشكال.

خاتمة في الاغسال المندوبة

و أهم الزمانية منها غسل يوم الجمعة و استحبابه مؤكد بل لا ينبغي تركه للرجال مطلقاً و للنساء في الحضر و قد ورد انه لا يتركه إلا فاسق و وقته من الفجر الثاني إلى الزوال و كلما قرب منه كان افضل و يستحب الدعاء عنده بالمأثور و يجوز تعجيله يوم الخميس لمن يخاف اعواز الماء بل لمن يخاف عدم المكنة منه يوم الجمعة و لو فاته قبل الزوال أتى به بعده بنية القربة المطلقة و لو لم يتمكن منه في يوم

ص: 14

الجمعة قضاه يوم السبت و الاغسال المكانية الفعلية تأتي جملة منها في كتاب الحج إن شاء الله و منها الغسل لدخول المشاهد الشريفة و الاغسال الفعلية قسم منها يكون قبل الفعل كالغسل للإحرام و الطواف و نحوهما و لزيارة النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و الأئمة عليهم السلام و للسفر و الاستخارة بنحو خاص و قسم يكون بعد الفعل و حصول السبب كالغسل للتوبة من المعصية فيغتسل بعدها بلا فصل و الغسل لقتل الوزغ و رؤية المصلوب بعد الثلاثة إذا كان بحق. (و أما الأحكام) فهي أمور (الأول) الاغسال المستحبة لا تكفي عن الوضوء. (الثاني) الاغسال الزمانية وقتها تمام الزمان إلا غسل الجمعة و الأولى فعلها في أوله و لا تنتقض بالحدث مطلقاً و لا قضاء لها إلا غسل يوم الجمعة و لا يبعد استحبابه للحائض و نحوها و استحباب التيمم بدلًا عنه عند تعذر الغسل بالماء. (الثالث) الأولى في الاغسال الفعلية مطلقاً وقوع الفعل بعدها أو وقوعها بعده بمقدار ما يصدق معه من الزمان أن يقال إن الغسل لذلك الفعل و الظاهر انه لا ينافي ذلك كون الغسل أول النهار و العمل في آخره و كذلك الليل بل لعل الغسل ليلًا للعمل نهاراً و بالعكس كذلك. (الرابع) الحدث الواقع بعد الغسل قبل الفعل الذي اغتسل له ناقض للغسل سواء كان نوماً أو غيره من الأحداث على الاحوط إن لم يكن أقوى. (الخامس) يجري فيها ما يجري في الاغسال الواجبة من اعتبار النية و المباشرة و غيرهما مما تقدم و يلزم فيها وجود السبب الباعث على رجحانها.

(إلحاق في الحمام و آدابه و ما يتعلق بذلك)

يستحب الاستحمام لدخولهم عليهم السلام فيه و قول أمير المؤمنين عليه السلام نعم البيت الحمام يذكر بالنار و يذهب بالدرن و يجب التستر فيه و لو ترك الستر حال الغسل فالأشبه صحة غسله و يجب حبس نظره عن عورة من لا يحل نظره إليها و اجتناب لمسها و يحرم المكث فيه زيادة على المتعارف إلا مع إحراز الرضا و صرف مائه كذلك و إفساده بالتخلي فيه أو غسل ما لا يتعارف غسله فيه و يحرم دخوله على من في بدنه بعض الأمراض المسرية و من يخفي ما لو علم به صاحبه لمنعه من دخوله و إيذاء من فيه برفع الصوت و اللعب في الماء و نحوهما و لو كان من قصد داخله عدم إعطاء الأجرة أو عدم المبادرة بها على المتعارف مع عدم العلم

ص: 15

برضاه أو إعطائه اقل من المرسوم كذلك أو من مال حرام فغسله باطل و لا يمنع من الغسل إسخان الماء بالحطب المغصوب و أجرة غسل الزوجة من الجنابة و الحيض و النفاس و نحوها على الزوج و كذا قيمة الماء و اسخانه و يستحب دخوله غباً و في يوم الأربعاء و يوم الجمعة و أن يدخله على الحالة الوسطى من الشبع و الجوع و وضع الماء الحار على هامته وصب الماء البارد على القدمين بعد الخروج منه و غسل الرأس بالسدر لدفع الهم و بالخطمى للأمن من الصداع و في غسله بهما فوائد أخر أيضاً و تستحب المداومة على طلي العانة بالنورة و هو افضل من الحلق و هو افضل من النتف فإن أخر فإلى خمسة عشر يوماً و لا ينبغي أن يؤخر ذلك إلى أربعين يوماً و المرأة إلى عشرين و يكره يوم الأربعاء و من المستحبات خضاب اللحية و افضله السواد فإن درهماً فيه افضل من ألف درهم في سبيل الله و يستحب خضاب الكفين و الأظفار للنساء بل و للرجال و يكره دخوله على الريق و على الجوع و البطنة و تسريح الشعر فيه و السواك و التدلك بخرقة من الحمام و شرب الماء البارد و صبه على نفسه و تستحب صلاة ركعتين بعد الخروج منه و أن يقال للخارج منه طاب حمامك فيجيب بقوله أنعم الله بالك أو غير ذلك.

المبحث الثالث في التيمم و موجباته و كيفيته و أحكامه
(فصل) إذا وجب على المكلف وضوء أو غسل بأحد الأسباب المتقدمة و لم يتمكن من الماء أو من استعماله
اشارة

لضرر أو مشقة أو خوف على محترم وجب عليه التيمم بتراب خالص من الخليط و إن كان نديّاً و كيفيته سواء كان بدلًا عن الوضوء أو عن الغسل أن يضرب على الأرض بكلتا يديه دفعة واحدة و يمسح بها جبهته من قصاص الشعر و حاجبيه إلى طرف أنفه الأعلى الذي يلي الجبهة ثمّ يمسح ظاهر كفه اليمنى بباطن اليسرى و ظاهر الكف اليسرى بباطن اليمنى ثمّ يضرب الأرض مرة ثانية و يمسح كفيه على النحو المذكور و يعتبر في التيمم ما اعتبر في الوضوء من النية و المتابعة عرفاً و الترتيب و المباشرة و إطلاق التراب و إباحته و طهارته و إباحة محل التيمم و رفع المانع عن البشرة و غير ذلك و لا يصح لفريضة قبل وقتها و يصح بعده و إن لم يتضيق إلا مع

ص: 16

العلم بزوال العذر قبل خروج الوقت و لا يصح معه إلا إذا ضاق الوقت و الاحوط التأخير مع الرجاء و المحدث بالأكبر إذا تيمم بدلًا عن الغسل ثمّ احدث بالأصغر جمع بين التيمم بدلًا عن الغسل و بين الوضوء أو التيمم بدلًا عنه مع عدم تمكنه منه و لو احدث بالأكبر أجزأه تيمم واحد يقصد به ما هو واجب عليه و ينتقض التيمم بالتمكن من استعمال الماء و لو بعد الدخول في الفريضة قبل أن يركع.

(مسائل)
الأولى: لا يجوز للمتطهر بعد دخول الوقت أبطال وضوئه بالحدث الأصغر اختياراً إذا علم بعدم تمكنه من الوضوء ثانياً

و يجوز له الجماع مع العلم بعدم التمكن من الغسل.

الثانية: لو لم يكن عنده من الماء إلا ما يكفي لإزالة الخبث أو رفع الحدث

استعمله في إزالة الخبث أولًا ثمّ تيمم.

الثالثة: إذا أمكن تتميم الماء بما لا يخرجه عن الاطلاق

فالأقرب الوجوب.

المقام الثاني في طهارة بدن المصلي و ثيابه و موضع سجوده من النجاسات
اشارة

و فيه مباحث:

المبحث الأول في النجاسات
و هي عشرة
(الأول و الثاني) البول و الغائط

من الإنسان و من كل حيوان ذي دم سائل يحرم أكله بالأصل أو بالعارض كالجلال و موطوء الإنسان و الأقوى طهارتهما من الطير مطلقاً و إن كان الاحوط الاجتناب في الحرام منه بل لا يترك في بول الخفاش.

(الثالث و الرابع) المني و الدم من الإنسان و من كل حيوان ذي نفس سائلة

سواء كان حلال اللحم أو حرامه عدا المتخلف بعد ذبح الحيوان الحلال بعد قذفه ما هو المتعارف من الدم وقت الذبح أو النحر فانه طاهر.

(الخامس و السادس) الكلب و الخنزير البرّيان

و جميع أجزائهما التي تحل فيها الحياة و غيرها و المتولد من أحدهما و طاهر يتبع الاسم و كذا المتولد منهما إلا ان الاحوط فيه و فيما لو كانت الأم غير طاهرة الاجتناب.

(السابع) ميتة الإنسان و الحيوان ذي النفس السائلة

حلالًا كان أو حراماً عدا ما لا تحله الحياة من غير نجس العين كالشعر و الصوف و نحوهما فانه طاهر.

(الثامن) الكافر

من غير فرق بين الذمي الحربي و الملي و الفطري و جميع أجزائه و فضلاته حتى شعره و ظفره.

(التاسع) الخمر و كل مسكر مائع

و إن جمد

ص: 17

بالعارض دون المسكر الجامد و لو صار مائعاً و بقي على إسكاره ففيه إشكال أحوطه الاجتناب و نجاسة العصير مطلقاً تدور مدار إسكاره و كذا الحرمة إلا العصير العنبي فإن غليانه موجب لحرمته أيضاً.

(العاشر) الفقاع

و هو شراب متخذ من الشعير و لو اتخذ من غيره وسمي فقاعاً فكذلك على الاحوط و يلحق بهذه العشرة على الاحوط عرق الجنب من الحرام رجلًا كان أو امرأة و من الحرام وطئ البهيمة و الاستمناء باليد، و عرق الابل الجلّالة بل مطلق الحيوان الجلّال على الاحوط.

(فصل) يجب تطهير الثياب و البدن و محل السجود للصلاة و أجزائها المنسية و ركعاتها الاحتياطية و سجود السهو على الاحوط للطواف

و لو أخلّ المصلي أو الطائف بإزالة النجاسة عن ذلك أعاد مطلقاً إلا من جهلها و لم يعلم بها أصلًا حتى فرغ من الصلاة و يجب تطهير الأواني للشرب و للأكل فيها مع الرطوبة المسرية، و إزالة النجاسة عن المساجد و المصاحف و الضرائح المقدسة و لا يحكم بزوالها إلا بيقين أو ما قام مقامه و عفى عن دم الجروح و القروح إذا لم ينقطع و مع المشقة في إزالتها و عن الدم إذا كان اقل من الدرهم عدا دم الحيض و النفاس و الاستحاضة و دم نجس العين فإنه لا يعفى عن قليله و عن نجاسة المحمول إذا كان مما لا تتم به الصلاة و عن نجاسة ثوب مربّية الصبيّ حيث لا غيره و إن وجب غسله مرة في اليوم و الليلة و عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه وحده و عن النجاسة الكائنة على البدن مع تعذر إزالتها و لو تعذرت إزالتها عن الثوب فالاحوط الجمع بين الصلاة فيه و الصلاة عارياً و لو لم يتمكن إلا مرة واحدة صلاها فيه و قضاها عارياً و لو خاف البرد و نحوه من نزعه تعينت الصلاة فيه و لا إعادة.

المبحث الثاني في المطهرات
و هي أمور:
(الأول) الماء

و هو طاهر في نفسه مطهر لكل ما يقبل التطهير به من جميع النجاسات فإن لاقته نجاسة فإن تغير لونه أو طعمه أو ريحه بها نجس بجميع أقسامه لأن التغيير المذكور مفسد عام و إلا فلا ينجس منه بمجرد الملاقاة إلا القليل من الواقف دون الكثير منه و هو ما كان بمقدار الكر و دون الجاري و ماء الغيث حين نزوله

ص: 18

و كل معتصم بمادة كمياه العيون و الآبار أو بقوّة و دفع و الكر بحسب الوزن مائتا حقة و اثنتان و تسعون حقة و نصف حقة بحقة الاسلامبول التي هي مائتان و ثمانون مثقالًا و كل عشر حقق اسلامبوليه ثلاث حقق بعيار النجف اليوم سنة 1342 ه فيبلغ المجموع ثمانياً و ثمانين حقة إلا أوقية عبارة عن ثلاث وزنات و نصف و ثلاث حقق إلا أوقية و بحسب المساحة ما بلغ سبعة و عشرين شبراً مكعباً بشبر مستوي الخلقة و الاحوط أن يبلغ ثلاثة و أربعين شبراً إلا ثمن شبر فلو كان الماء اقل من الكر و لو بمقدار نصف مثقال أو نصف شبر جرى عليه حكم القليل.

(الثاني) الأرض الطاهرة الجافة

و هي تطهر ما يمسها من باطن القدمين و اسفل النعلين و نحوهما مع زوال العين و لا يلزم قصر الحكم بالطهارة على ما إذا حصلت النجاسة من المشي على الأرض النجسة.

(الثالث) الشمس

و هي تطهر الأرض و الأبنية و ما أثبت فيها من الأخشاب و الأعتاب و الأوتاد و الأبواب و الأواني المثبتة و البواري من المنقولات بعد زوال عين النجاسة بإشراقها عليها على وجه تجفيفها تجفيفاً مستنداً إلى الإشراق لا إلى حرارتها مع كونها محجوبة بالسحاب مثلًا و لا بأس بحيلولة الأجسام الشفافة و مدخلية الريح مع عدم انتفاء الصدق فيهما و في إشراقها بواسطة المرآة إشكال.

(الرابع) الإسلام

بإظهار الشهادتين مع عدم العلم بمخالفة الجنان للسان و هو مطهر لبدن الكافر بأقسامه و الاحوط اجتناب المرتد الفطري و لو قلنا بقبول توبته.

(الخامس) التبعية كالطفل

فانه يطهر بإسلام أبيه أو جده تبعاً و يتبع المسلم السابي إذا لم يكن معه أحد آبائه.

(السادس) الانتقال و الصيرورة كالماء النجس يشربه الحيوان حلال اللحم و تسقى به الأشجار

فإن انتقاله و صيرورته جزء من الطاهر صيره طاهراً كدم الإنسان إذا انتقل إلى البعوض و البرغوث و العذرة إذا أكلها الدود أو الذباب و غير ذلك و أما الدم الذي يمتصه العلق و يقيئه فهو باقٍ على نجاسته.

(السابع) الاستحالة

فيطهر ما أحالته النار رماداً أو دخاناً أو بخاراً لا خزفاً أو آجراً أو فحماً على الاحوط من النجس و المتنجس و ما استحال حيواناً طاهراً أو تراباً أو ملحاً كالنطفة و العذرة و الميتة و غير ذلك و كما تكون الاستحالة مطهرة تكون منجسة.

(الثامن) انقلاب الخمر خلًا

و لو

ص: 19

بعلاج و يطهر إناؤه تبعاً إذا لم يتنجس بنجاسة خارجية على الأقرب و لو تنجست الخمر بنجاسة خارجية ثمّ انقلبت خلًا لم تطهر و إن استحالت خمراً ثمّ انقلب المجموع بناء على تضاعف نجاسة النجس كما هو غير بعيد.

(التاسع) النقص

فإن مطهر للعصير العنبي إذا ذهب ثلثاه بالنار أو بالشمس بناء على نجاسته بالغليان و لكن المختار العدم فتظهر الثمرة بالنسبة إلى الحرمة.

(العاشر) الغيبة

فإنها مطهّرة حكماً للإنسان و ثيابه و فرشه و أوانيه و غيرها و من توابعه إذا كان مكلفاً أو مميزاً معتقد الوجوب إزالتها أو استحبابها مستعملًا لذلك الشي ء عالماً باشتراط الطهارة في ذلك الاستعمال

مع قابلية زمن الغيبة لإزالة تلك النجاسة على الاحوط.

(الحادي عشر) زوال عين النجاسة أو المتنجس عن جسم الصامت

من الحيوان بنفسها أو بمزيل و عن بواطن الإنسان.

(الثاني عشر) استبراء الجلّال

و الاحوط مراعاة اكثر الأمرين من المدة المقدرة شرعاً و من الزمان الذي يحصل به الخروج عن الاسم.

(الثالث عشر) التمسح بالأحجار الثلاثة الطاهرة في الاستنجاء من الغائط غير المتعدى

و ما قام مقامها من الأجسام القالعة لعين النجاسة غير المحترم و العظم و الروث من الخزف و الخرق و غيرهما و مع التعدي أو استصحاب الغائط دماً و نحوه يتعين الماء و لو لم يحصل النقاء بالثلاثة وجب الزائدة عليها إلى حصوله و أما مخرج البول فيجب غسله مرّتين و يحرم على المتخلي استقبال القبلة و استدبارها و الجلوس في الشارع و المشارع مع الإضرار بالمارة. (الرابع عشر) غسل الميت و هو مطهر له من نجاسته الذاتية التي هي حديثة من وجه و خبثية من آخر و الواجب تغسيله ثلاث مرات الأولى بماء مصاحب للسدر و الثانية بماء مصاحب للكافور إلا إذا كان محرماً فلا يجعل فيه و الثالثة بماء قراح كغسل الجنابة الترتيبي و يجب تكفينه بمئزر و قميص و إزار و إمساس مساجده بالكافور إن لم يكن محرماً و السقط إذا تم له أربعة اشهر وجب تغسيله و تكفينه و دفنه و إن كان دونها لف في خرقة و دفن و الصلاة واجبة على المسلم و من بحكمه ممن بلغ ست سنين و تستحب على من نقص عنها إن ولد حيّاً و كيفيتها إن يكبر بعد النية و يتشهد الشهادتين ثمّ يكبر ثانياً و يصلي على النبي و آله ثمّ يكبر ثالثاً و يدعوا للمؤمنين بالمغفرة ثمّ يكبر

ص: 20

و يدعو للميت أو عليه ثمّ يكبر الخامسة و ينصرف و ليست الطهارة شرطاً فيها مطلقاً ثمّ يدفن بعد ذلك و الواجب ستره في الأرض عن هوام السباع و كتم رائحته عن الناس.

(فصل) في كيفية التطهير بالمطهر العام

و هو الماء و هو يختلف باختلاف المطهر بالكسر و المطهر بالفتح و لا بد في التطهير من قابلية المتنجس له و زوال عين النجاسة و استيلاء الماء على جميع أجزائه ثمّ إن كان المطهر بالكسر كراً أو جارياً أو ما بحكمه طهّر كل متنجس قابل للتطهير حتى الماء المتنجس و الاحوط اعتبار التعدد و العصر و لو تحت الماء أي خروج ما جذبه الثوب و نحوه حتى في الجاري بل لا ينبغي تركه في الكثير الراكد و أما ماء المطر فيكفي استيلاؤه بعد زوال العين و إن كان الماء المطهر قليلًا طهر سائر المتنجسات مع القابلية و ورود الماء على المغسول و انفصال ماء الغسالة و لا يترك تعدد الغسل حسا مطلقاً إلا في الجاري و أحوطه ثلاث مرات في الظروف و الأواني و أما المطهر بالفتح فهو أقسام (فمنه) ما يرسب فيه الماء و يقبل العصر و نحوه من الغمز و التثقيل و نحوهما مما يتمكن معه من إخراج الغسالة كالثياب و الفرش و يجب فيه العصر بعد كل غسلة و هو إخراج معظم الماء على الوجه المتعارف من النجاسات كلها عدا بول الصبي الذي لم يتغذى بالطعام فإنه يكفي صب الماء عليه و انفصال غسالته و الاحوط في غيره من النجاسات تعدد الغسل مرتين بعد إزالة العين (و منه) ما يرسب فيه الماء و لا يمكن فيه العصر فإن كان كالخشب و الخزف و نحوهما مما يجري عليه الماء طهر ظاهره بإجراء الماء القليل عليه مرتين بعد زوال العين و أما باطنه فيطهر بوضعه في الكثير أو الجاري حتى ينفذ إليه الماء الطاهر و إن كان كالسكر و الدبس و العجين بالماء النجس مما لا يصل إلى باطنه إلا مضافاً فلا يقبل باطنه الطهارة لا بالقليل و لا بالكثير و كذا المائعات المتنجسة لا تطهر إلا باستهلاكها في الكر و نحوه و أما ما يرسب فيه الماء و لا تنفصل عنه الغسالة كالتراب الناعم و بعض الأراضي المستوية فيطهر بوضعه في الكر أو بإلقاء الكر عليه أو بوقوع المطهر عليه أو بتجفيف عين الشمس له. (و منه) المصبوغ بنجس كالدم أو متنجس فلا يطهر الأول إلا بعد إزالة عين النجاسة بحيث لا يتغير الماء المستعمل فيه ثمّ يغسل بعد ذلك بالماء و الأثر الباقي

ص: 21

بعد الغسل غير قادح و أما الثاني فيعتبر فيه بقاء الماء المستعمل في تطهيره بصفة الإطلاق و عدم صيرورته مضافاً قبل غسله و إن تغير لونه تغيراً ما لا يصير به الماء مضافاً أو تخلف فيه من جرم الصبغ المتنجس ما لا يمنع من وصول الماء إليه. (و منه) الأواني و الاحوط إن لم يكن الأقوى هو التثليث فيها مطلقاً من سائر النجاسات إلا الولوغ و شرب الخنزير و موت الجرذ. (أما الأول) و هو ولوغ الكلب أي شربه بلسانه مما في الإناء من الماء و غيره من المائعات بلسانه على الاحوط و لا يلحق به مباشرته بسائر أعضائه و لو تكرر الولوغ تداخل فيغسل منه الإناء سواء كان من المعادن أو الجلود أو الخشب من ولوغه ثلاثاً أوليهن بالتراب و الاحوط في الغسل بالتراب مسحه بالتراب الخالص الطاهر أولًا ثمّ غسله بوضع ماء على التراب لا يخرجه عن اسم التراب ثمّ غسله بماء عليه تراب لا يخرجه عن اسم الماء و لو تعذر تعفير الآنية لضيق رأسها و نحوه

عفرها بما يمكن من إدخال التراب فيها و تحريكه بحيث تصيب جميع مواضع النجاسة و لو فرض تعذره أصلًا بقي الإناء على النجاسة و لا يسقط التعفير و لا العدد بالماء الكثير و الجاري و لا يجزي عن التراب غيره كالصابون و الأشنان و نحوهما مما هو ابلغ في التنظيف منه و لا يلحق بالإناء غيره بل يجري عليه حكم سائر النجاسات فلا يجب تعفيره إذا تنجس بلطع الكلب أو ماء ولوغه و لو شك في إنائية ما ولغ فيه جرى عليه حكم الإناء في التطهير على الاقوى و كذا فيما شك انه من الظروف يجري عليه حكمها من كيفية التطهير لا غير (و أما الثاني) فيغسل الإناء بشرب الخنزير سبعاً مع التعفير قبلها على الاحوط و كذا لموت الجرذ و هو الفأر الكبير بلا تعفير بل الأولى غسله كذلك لموت الفارة و لشرب النبيذ فيه و الخمر و المسكر و مباشرة الكلب و إن كان الواجب غسله ثلاثاً كغيرها من النجاسات و أما تطهير الأواني بالكثير فهو بأن توضع فيه حتى يستولي عليها الماء ثلاثاً على الاحوط و أما بالقليل فبأن يصب الماء فيها و يدار حتى يستوعب جميع أجزائها بإجراء الماء الذي يحقق به الغسل ثمّ يراق منها يفعل ذلك ثلاثاً و أما الأواني الكبار و المثبتة و الحياض و نحوها فتطهيرها بإجراء الماء عليها حتى يستوعب جميع أجزائها و ماء الغسالة إن أمكن إخراجه بثقب في أسفلها أو حفيرة في

ص: 22

وسطها كالتنانير كفى و إلا اخرج ماء الغسالة المجتمع في وسطها مثلًا بنزح و نحوه و الاحوط الفورية العرفية في ادارة الماء على أجزائها عقب الصب و الإفراغ عقيبها هنا و فيما تقدم بل لا ينبغي تركه.

(تتمة) الأعيان الطاهرة لا تتنجس إلا بملاقاة النجاسة مع الرطوبة المنتقلة

و لا تؤثر النداوة مع عدم الانتقال و المتنجس مائعاً كان أو غيره ينجس ما لاقاه مع الرطوبة و إن زالت عنه عين النجاسة.

خاتمة في أحكام الأواني
اشارة

يحرم استعمال الآنية إذا كانت من الذهب أو الفضة أو منهما لا من أحدهما و غيرهما و لا إذا كانت من معدن غيرهما و إن كان أغلى منهما في الأكل و الشرب و الوضوء و الغسل و غيرهما و لا يجوز اقتناءها لزينة أو ادخار و لا صياغتها و يجب إتلاف صورة الإناء كفايةً و لا ضمان للهيئة بل و لا للمادة لو توقف إتلافها على إتلافها و لا بأس بظروف العوذ و الإحراز. و ليس من الأواني ما يستعمل لشرب التتن بعد لفه في كاغد رقيق لا بأس باستعماله و لو كان كله ذهباً أو فضةً و كذا لا بأس باستعمال المطلي بأحدهما و المرجع في تشخيص الآنية هو العرف و يكره الأكل و الشرب في الإناء المفضض و يعزل فمه عن موضع الفضة و يدخل في المفضض المطلي و المضبب و ذو الحلق و نحوهما و لا يجوز استعمال شي ء من جلود ذوات الأنفس إلا ما كان طاهراً حال الحياة مذكى و تثبت التذكية بالبينة و قول صاحب اليد المسلم و يده و سوق المسلمين إذا لم يكن من جرت يده عليه معلوم الكفر.

(مسائل)
الأولى: الظاهر إن الآنية أخص عرفاً من الظرف و الوعاء

فالكفكير و المصفاة و الملعقة و إن كانت صغيرة من الأواني عرفاً و الاحوط الاجتناب عن المحابر و المجامر و ظروف المعجون و الأفيون و نحوها.

الثانية: ما يشك في كونه آنية لا تجري عليه أحكام آواني الذهب و الفضة

عدا التطهير من النجاسات.

الثالثة: إذا اضطر إلى استعمالها

جاز إلا في الوضوء و الغسل فإنه ينتقل إلى التيمم و لو دار الأمر في حال الضرورة بين استعمالها أو استعمال المغصوب استعملها.

ص: 23

المقدمة الثانية ستر العورتين للرجل

حتى نفسه على الاحوط ستراً مانعاً من النظر إلى البشرة. و العورتان هما القضيب و الانثيان و الدبر و هو المخرج دون الأليتين و ستر جميع البدن للمرأة الحرة عدا الوجه الذي يجب غسله في الوضوء أصالة و الكفين من الزندين و ظاهر القدمين و يجب ستر شي ء من حدود هذه المستثنيات من باب المقدمة و يعتبر في الساتر أن يكون طاهراً إلا ما سبق استثنائه. و أن يكون مباحاً فتبطل الصلاة فيه مع العلم بالغصبية و كذا تبطل بالصلاة فوق المغصوب بالسجود عليه بل حيث تستلزم التصرف فيه. و أن لا يكون حريراً محضاً للرجل و الخنثى في غير الحرب و الضرورة لبرد أو قمل أو نحوهما و لا بأس بالممتزج بالقطن و نحوه و إن كان قليلًا إذا لم يستهلك بحيث يطلق عليه الحرير عرفاً و الحرير و هو الإبريسم حرام في الصلاة و غيرها و استثنى من اللباس ما لا يزيد على أربع أصابع مضمومة و أن لا يكون الساتر بل مطلق الملبوس ذهباً للرجل و الخنثى من غير فرق بين الذهب المحض و غيره إلا إذا كان مستهلكاً في غيره و لا بأس بحمل الذهب على غير جهة اللبس و الزينة و لا بشد الأضراس به نعم قد يوضع الذهب على الأسنان في هذا الزمان للزينة و الاحتياط في تركه كما انه لا ينبغي لبس منظرة الذهب خصوصاً في الصلاة فلا يترك الاحتياط في ذلك و يعتبر في الساتر أيضاً أن لا يكون جلداً غير ما يؤكل لحمه و إن كان الحيوان طاهراً أو مذكى و لا صوفه و لا وبره و لا شعره إلا الخز و هو دابة ذات أربع تصاد من الماء و لا تعيش بدونه و إلا السنجاب و تجوز الصلاة في شعر الآدمي. و الاحوط عدم الصلاة فيما يستر ظهر القدم إلا أن يكون له ساق.

المقدمة الثالثة مكان الصلاة

و هو الفضاء الذي يشغله المصلي بالكون فيه أو يستقر عليه بواسطة أو وسائط و يعتبر العلم بكونه مباحاً بملكية أو إذن مالك و لو فحوى أو بشاهد حال يفيد الاطمئنان و بعدم تعدي نجاسته إلى الثوب و البدن و طهارة محل مسجد الجبهة من النجاسة مطلقاً و لو جهل الغصب فصلى ثمّ علم به لم تبطل صلاته و كالصلاة ما كان من العبادات التي من ضروراتها المكان و إن لم يعتبر فيها الاستقرار كالطهارة و أداء

ص: 24

الزكاة و قراءة القرآن على الاحوط بخلاف الصوم لعدم مدخل للكون فيه و يعتبر كون موضع الجهة أرضاً أو نباتاً غير مأكول أو ملبوس عادة.

المقدمة الرابعة دخول الوقت

يعتبر تحصيل العلم اليقيني بدخول الوقت للقادر و هو الفجر الصادق لصلاة الصبح و الزوال للظهر المعلوم بزيادة الظل بعد نقصه أو حدوثه بعد عدمه كما في بعض البلدان و الفراغ من الظهر و لو تقديراً للعصر و ذهاب الحمرة المشرقية للمغرب و الفراغ منها و لو تقديراً للعشاء و تختص هي و العصر من آخر الوقت بما لو بقي منه مقدار أربع ركعات كالظهر من أوله بأربع و المغرب بثلاث و يمتد وقت الصبح إلى طلوع الشمس و الظهران إلى غروبها و العشاء ان إلى انتصاف الليل.

المقدمة الخامسة القبلة

يجب تحصيل العلم باستقبالها بالوجه و مقاديم البدن مع الإمكان في اليومية و غيرها من الفرائض حتى صلاة الجنائز و في النافلة إذا صليت مع الاستقرار على الأرض لا إذا صليت حال المشي أو الركوب في سفينة و نحوها و مع تعذر العلم يبذل تمام الجهد و يعمل على ظنه و لو تعذر اكتفى بالجهة العرفية و يعوّل على قبلة المسلمين في صلاتهم و قبورهم و محاريبها إذا لم يعلم بناءها على الغلط و على العلامات و هي أن يجعل الجدي خلف المنكب الأيمن إذا كان في أواسط العراق كبغداد و الكوفة و ما والاهما في غاية ارتفاعه أو انخفاضه على الاحوط و جعله بين الكتفين إذا كان في أطراف العراق الغربية كالموصل و أما أطرافه الشرقية كالبصرة و ما والاها فيحتاج إلى زيادة انحراف نحو المغرب فيكون خلف الأذن اليمنى و علامة أهل الشام جعله خلف الكتف اليسرى و علامة أهل اليمن جعله بين العينين و لو ظهر له الخطأ في القبلة في أثناء الصلاة فإن كان إلى ما بين المشرق و المغرب انحرف إليها و صحت صلاته و إن كان إلى نفس المشرق أو المغرب أو مستدبر القبلة أعاد الصلاة و لكن الاحوط في غير الاستدبار الانحراف إلى القبلة و المضي فيها ثمّ الإعادة و كذا لو ظهر ذلك بعد الفراغ و من جهل القبلة و فقد الإمارات صلى إلى أربع جهات على الاحوط و إن كان الاكتفاء بأي جهة شاء غير بعيد و لو ضاق الوقت عن الجميع أتى بالممكن.

ص: 25

المقدمة السادسة التأهب

يستحب التأهب لها قبل الوقت بإيجاد ما يمكن تحصيله من الشرائط و المقدمات و ينبغي للمصلي التوجه بقلبه إلى الأقوال و الأفعال و الإقبال على الصلاة و عدم اشتغال فكره بأمر آخر و أن يتدبر الأقوال و يلتفت أنه بين يدي ذي الجلال و انه يناجي الملك المتعال.

المقدمة السابعة في الآذان و الإقامة

و هما مستحبان و مؤكدان في اليومية خصوصاً في الجهرية و لا سيما في الصبح و المغرب و الاحوط عدم ترك الإقامة و لا يشرعان لما عدا الخمس من الفرائض و يسقطان عمن انتهى إلى جماعة في المسجد يريد الصلاة معهم فوجدهم قد فرغوا منها و لم يتفرقوا و يستحب فيهما الطهارة و الاستقبال و القيام بل الاحوط عدم تركها في الإقامة كما إن الأولى إعادتها لو تكلم في أثنائها أو بينها و بين الصلاة (و فصوله) ثمانية عشر التكبير اربعاً ثمّ الشهادة بالتوحيد ثمّ الرسالة ثمّ الحيعلات الثلاث ثمّ التكبير ثمّ التهليل مثنى مثنى على النحو المعروف و كذلك الإقامة إلا ان جميع فصولها مثنى مثنى إلا التهليل في آخرها فمرة واحدة و إلا زيادة قد قامت الصلاة فيها مرتين بعد الحيعلات و يجوز الاقتصار في السفر بل مطلق العذر على المرة الواحدة في جميع فصولهما و يستحب التأني في الآذان و الحدر في الإقامة و الفصل بينهما بسجدة أو جلسة أو خطوة و لو تركهما ناسياً و ذكرهما قبل الركوع استحب له الرجوع إليهما و إن كان بعده مضى في صلاته و لا يرجع لو نسى أحدهما فقط.

الباب الثاني في أفعال الصلاة

اشارة

و الواجبات منها اثنا عشر و الأركان منها أربعة تكبيرة الإحرام و القيام في الجملة و الركوع و السجود و نعني بالركن الجزء الذي تبطل الصلاة بزيادته و نقصانه عمداً و سهوا.

(الأول) النية

و قد مرّ بيانها و إنها لا يعتبر فيها سوى تعيين المنوي و إيجاده امتثالًا لأمر الله مع الإخلاص و لا تصح الصلاة مع الإخلال بها عمداً و سهواً و لا بد من استدامتها و لو حكماً إلى الفراغ و لو نوى القطع ثمّ عاد إلى نيته و لم يفعل المنافي صحت صلاته على الأقرب.

(الثاني) تكبيرة الإحرام

و هي أن يقول الله اكبر محافظاً على العربية و الموالاة بين الكلمتين و الترتيب و على عدم المد في الحروف في

ص: 26

غير موضعه و قطع الهمزة منهما فلو فصل بين الكلمتين بما يعدّ فصلًا من سكوت أو كلام بان قال الله تعالى بطلت و كذا إذ مدّ الهمزة أو الباء أو عكس الترتيب و لا بد من مقارنتها للنية و إسماعها نفسه تحقيقاً أو تقديراً و هي ركن تبطل الصلاة بتركها عمداً و سهواً و بزيادتها عمداً و في بطلانها بزيادتها سهواً تردد أحوطه الإتمام ثمّ الإعادة كما لو نسى أنه كبّر فكبر ثانياً.

(الثالث) القيام

و هو واجب ركني في تكبيرة الإحرام و فيما قبل الركوع على معنى ركنية ما يقع الركوع عنه و أما في حال القراءة و حال رفع الرأس من الركوع فهو واجب غير ركن و إنما تبطل الصلاة لو أخل به عمداً لا سهواً و يجب فيه الاعتماد على القدمين و إن كان اعتماده على إحداهما اشد و الاستقرار و الانتصاب و الاستقلال كل ذلك مع الإمكان فلو ترك أحد هذه الأمور مختاراً بطلت صلاته و يقتصر مع التعذر على الممكن فيقوم و لو معتمداً أو مضطرباً أو منحنياً و لو تمكن منه حال التكبير و قبل الركوع قام لهما و جلس للقراءة فإن عجز عن القيام أصلًا صلى جالساً و إن عجز عن الجلوس صلى على جنبه الأيمن كالمدفون فإن عجز فعلى الأيسر فإن عجز صلى مستلقياً كالمحتضر فإن عجز صلى كيفما تمكن مومياً في هذه الحالات للركوع و السجود مع العجز عنهما و يستحب القنوت في قيام الركعة الثانية قبل الركوع فريضةً كانت أو نافلةً استحباباً مؤكداً بل قيل بوجوبه و لو نسيه أتى به بعد الركوع و لو ذكره بعد الفراغ أتى به جالساً مستقبل القبلة و يستحب الجهر به مطلقاً و الدعاء بالمأثور و إطالته فإن افضل الصلاة ما طال قنوتها.

(الرابع) القراءة

و هي واجبة تبطل الصلاة بتركها عمداً لا سهواً و لا قضاء لها مع تركها سهوا و الواجب في الركعة الأولى و الثانية من جميع الفرائض اليومية قراءة سورة الفاتحة و سورة تامة بعدها غير الفاتحة و غير سور العزائم الأربع و غير السور الطوال التي يفوت الوقت بقراءتها و له تركها لمرض و استعجال لحاجة شديدة و قد يجب لضيق وقت أو خوف أو نحوهما من الضرورات و لو قدمها على الفاتحة عمداً بطلت صلاته و يجب الاخفات بالقراءة عدا البسملة في الظهر و العصر على الرجل و المرأة و يجب الجهر على الرجل في الصبح و أوليي المغرب و العشاء و يعذر الناسي و الجاهل غير المتنبه للسؤال و لا

ص: 27

جهر على المرأة بل تتخير بين الاخفات و بينه مع عدم الأجنبي و تجب القراءة الصحيحة العربية مؤدياً للحروف على وجه يمتاز بعضها عن بعض فلو أخلّ بحرف أو حركة أو تشديد أو غيرها بطلت صلاته و يجب تعلم قراءة الفاتحة و السورة على من لم يعلمها و إن تمكن من الإتمام و المتابعة على الاحوط و يتخير المصلي فيما عدا الركعتين الأوليين من الفرائض بين الفاتحة و الذكر و هو افضل إلا للإمام و صورته (سبحان الله و الحمد لله و لا اله إلا الله و الله اكبر) محافظاً على العربية و التكرار ثلاثاً مضيفاً إليها الاستغفار على الاحوط و يلزم الاخفات حتى في البسملة لو اختار القراءة بل يجب على المأموم كذلك إذا اقتدى بالإمام في الركعة الثانية أو الثالثة.

(الخامس) الركوع

و هو ركن تبطل الصلاة بنقصه و زيادته عمدا و سهوا إلا للمأموم إذا رفع رأسه قبل الإمام سهواً فانه يجب عليه العود إلى الركوع للمتابعة و الواجب في كل ركعة من اليومية ركوع واحد و يلزم فيه الانحناء المتعارف بحيث تصل اليد إلى الركبة بل لا يترك الاحتياط في إيصال الراحة إليها و وضعها عليها و الذكر بالعربية مسمعاً نفسه و أحوطه التسبيح مخيراً بين أن يقول سبحان الله ثلاثاً أو سبحان ربي العظيم و بحمده مرة و لو كرّرها ثلاثاً فهو أولى فعن أبي جعفر عليه السلام انه قال: تقول سبحان ربي العظيم و بحمده ثلاثاً في الركوع و سبحان ربي الأعلى و بحمده ثلاثاً في السجود فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته و من نقص اثنتين نقص ثلثي صلاته و من لم يسبح فلا صلاة له و يجب فيه الاطمئنان حال الذكر الواجب مع الإمكان فلو تركه عامداً بطلت صلاته و رفع الرأس منه حتى ينتصب قائماً مطمئناً.

(السادس) السجود

الواجب في كل ركعة سجدتان و هما معاً ركن تبطل الصلاة بزيادتهما معاً في ركعة و نقصانهما كذلك منها عمداً و سهواً و يجب فيه الانحناء و وضع بشرة الجبهة على وجه يتحقق به مسماه على مسماها فلا يجب الاستيعاب فيها و الاحوط أن لا يكون ذلك انقص من الدرهم و قد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام انه لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين فلا ينبغي ترك الإرغام و يجب في السجود الاطمئنان بمقدار الذكر الواجب و هو كالذكر في الركوع إلا انه يبدل في التسبيحة الكبرى العظيم بالأعلى و السجود على باطني الكفين و على

ص: 28

الركبتين و طرفي ابهامي الرجلين و الطرف هو الحد المشترك بين الظاهر و الباطن و لا بأس بتعمد رفع ما عدا الجبهة لغرض إذا لم يكن فعلًا كثيراً قبل الشروع في الذكر ثمّ وضعه حاله و يجب رفع الرأس من السجدة الأولى معتدلًا مطمئناً و الاحوط ان لا يترك الجلوس مطمئناً بعد رفع الرأس من سجدة يتعقبها القيام و أن يساوي موضوع جبهته موقفه و لا يغتفر التفاوت بأكثر من قدر أربع أصابع مضمومة و لا يعتبر التساوي في باقي المساجد ما لم يخرج به السجود عن مسماه و لا يصح إلا على الأرض أو نباتها غير المأكول و الملبوس منه عادة و لا على ما لا يمكن منهما اعتماد الجبهة عليه.

(السابع) التشهد

و هو واجب في الثنائية مرة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة و في الثلاثية و الرباعية مرتين الأولى بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة في الركعة الثانية و الثانية بعد رفع الرأس منها في الركعة الأخيرة و يجب الجلوس له و الاطمئنان بقدرة و الترتيب فيه و الموالاة و الاحوط أن يقول فيه (اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له و اشهد أن محمداً عبده و رسوله اللهم صل على محمد و آل محمد) و يجب النطق به صحيحاً موافقاً للعربية و لو جهل ذلك وجب تعلمه و يكفي من كيفية النطق ان يسمع نفسه و لو تقديراً.

(الثامن) التسليم

و هو واجب في الصلاة يتوقف التحليل منها عليه و الاحوط الجمع بين صيغتيه بان يقول (السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته السلام علينا و على عباد الله الصالحين السلام عليكم و رحمة الله و بركاته) و يجب النطق به صحيحاً عربياً مسمعاً نفسه و الجلوس حالته مطمئناً و يستحب فيه الترك.

(التاسع) الذكر

و قد مر ذكره.

(العاشر) الاطمئنان

و قد تقدم بيان مواضع اعتباره.

(الحادي عشر) الترتيب

و هو واجب في أفعال الصلاة فلو قدم مؤخراً أو أخر مقدماً عمداً بطلت صلاته و لو خالف الترتيب سهواً فإن قدم ركناً على ركن بطلت صلاته و لو قدم ركناً كالركوع على ما ليس بركن كالقراءة فلا بأس و يمضي في صلاته و كذا غير الأركان لو قدم بعضها على بعض سهواً و لكن هنا يعود إلى إلى ما به يحصل الترتيب مع إمكانه و تصح صلاته.

(الثاني عشر) الموالاة

و هي واجبة بين أفعال

ص: 29

الصلاة فلا يجوز الفصل بينها على نحو يوجب محو صورة الصلاة و سلب اسمها فلو فصل كذلك بطلت الصلاة عمداً كان ذلك أو سهواً و كذلك تجب الموالاة في نفس الأفعال كالقراءة و التكبير و التسبيح و الذكر فلو تركها بين الآيات أو الكلمات أو حروفها عمداً على وجه يوجب المحو المذكور فيها بطلت الصلاة و لو كان سهواً بطلت الآية أو الكلمة و وجب إعادتها إلا إذا أوجب فوات الموالاة فيها محو اسم الصلاة فإنها تبطل بذلك و الاحوط مراعاة الموالاة العرفية و متابعة الأفعال بلا فصل معتد به مطلقاً ثمّ انك قد علمت ما يستحب أمام الصلاة من التأهب لها و غيره و ما يستحب فيها من القنوت و نحوه و بقي ما يستحب بعدها و هو التعقيب بعد الفريضة و النافلة الراتبة و ثوابه عظيم و أهمه تكبيرات ثلاث بعد التسليم يرفع يديه بها و تسبيح الزهراء عليها السلام الذي هو من افضل التعقيب و لا سيما بسبحة من طين القبر الشريف التي يستحب حملها لأن من كانت معه كتب مسبحاً و إن لم يسبح بها و لأنها تسبح بيد الرجل من غير أن يسبح و سجدتا الشكر و التعفير بينهما و المبالغة في الدعاء و الأفضل أن يكون بالمأثور.

الباب الثالث في أحكام الخلل

اشارة

في أحكام الخلل و أسبابه نقص أو زيادة أو حدوث أمر آخر و ذلك قد يكون عن عمد و قد يكون عن سهو و قد يكون عن شك و هي قد توجب بطلان الصلاة و قد لا توجبه سواء أوجبت شيئاً آخر أو لا

و التفصيل يعلم في مباحث:
المبحث الأول في نقص الأجزاء

من ترك جزءاً واجباً من الصلاة فإن كان عامداً بطلت صلاته عالما بالحكم أو جاهلا على الأقوى في الجاهل المقصّر و الاحوط في الجاهل مطلقاً إلا ما استثنى بل إلحاقه مطلقاً بالعامد لا بالناسي لا يخلو عن وجه و ان كان ناسياً فإن كان المنسي ركناً و لم يمكن تداركه في محله بطلت صلاته و ان لم يكن ركناً فإن كان محله باقياً بان لم يدخل في ركن آخر أتى به و بما بعده و سجد للسهو و ان لم يكن محله باقياً مضت صلاته و لا شي ء عليه سوى سجود السهو إلا في التشهد و السجدة الواحدة المنسيين فانه يقضيهما بعد الفراغ و لو نسي الركعة الأخيرة فذكرها بعد التشهد قبل التسليم قام و أتى

ص: 30

بها و سجد للسهو و كذا بعد التسليم قبل فعل ما ينافي الصلاة و لكنه يسجد للسهو مرتين بل ثلاثاً على الاحوط و لو ترك شرائط الأجزاء كالاستقرار و الاستقلال حين الاعتدال و الاطمئنان في الأفعال و الأقوال عامداً بطلت صلاته و لا تبطل مع النسيان و فوات المحل و ان كان الاحوط مع فوات الاستقرار في قيام تكبيرة الإحرام الإتمام ثمّ الإعادة و أما الجهر و الاخفات فلا تفسد بتركهما مع الجهل أو النسيان.

المبحث الثاني في نقص الشروط أو أجزائها أو شرائطها

أما الطهارة من الحدث فتركها أو ترك شيئاً من أجزائها أو شرائطها مبطل للصلاة سواء كان عن عمد أو جهل أو نسيان و كذا لو احدث في أثناء الصلاة و لو قبل آخر أجزائها و لو سهواً أو سبقاً أو اضطراراً (و أما الطهارة من الخبث) فقد سلف إن ترك غسل النجاسة التي لم يعف عنها في الثوب أو البدن إذا كان عن عمد أو جهل بالحكم أو نسيان وجبت الإعادة و إن كان عن جهل بعروضها و علم بها بعد الفراغ فلا إعادة (و أما ترك ستر العورة) فهو مفسد إلا مع الغفلة أو النسيان و إن كان الاحوط الإعادة و لو تستر بما لا يجوز لبسه في الصلاة فالحكم البطلان إلا مع الضرورة أو النسيان و أما ترك الاستقبال فهو مبطل مع العلم و الجهل بالقبلة من دون مظنة مع التمكن من الظن و لو انكشف الخلاف مع الاجتهاد فإن كان متوجهاً إلى ما بين المشرق و المغرب فصلاته صحيحة و إن كان مستدبراً أو إلى نفس المشرق أو المغرب أعادها و أما ترك مراعاة الوقت و الإتيان بالصلاة قبله فهو مفسد لها على ما سبق تفصيله.

المبحث الثالث في زيادة الأجزاء و حدوث أمور أخر خارجة تسمى منافيات الصلاة

(أما الأول) فالزيادة مبطلة مطلقاً إذا كانت عن عمد و قصد للجزئية و إن لم تكن بقصدها فإن كانت ذكراً أو قراءة أو دعاء فلا بأس ما لم يحصل المحو للصورة و إن كانت ركناً و فعلًا كثيراً كسجدة و نحوها بطلت الصلاة و لو رفع رأسه عمداً قبل الذكر فقد ابطل صلاته لنقصان الذكر و عدم إمكان تداركه إلا بزيادة السجدة و إن كان عن سهو فإن كان ركعة أو ركناً كتكبيرة إحرام أو ركوع أو سجدتين في ركعة فقد بطلت صلاته و إن كان غيرها فلا بأس به. (و أما الثاني) فمنها ما يبطل الصلاة مطلقاً

ص: 31

كالحدث و استدبار القبلة و لو بوجهه في بعض الصلاة و الالتفات بكل البدن إلى اليمين أو اليسار و القهقهة و لو اضطراراً و فعل كل ماح لها مذهب لصورتها و الأكل و الشرب و الشك في عدد غير الرباعيات من الفرائض و الأوليين منها على ما يأتي و عدم حفظ عدد الركعات و غير ذلك مما سبق و يأتي (و منها) ما يبطلها مع العمد و هو التكفير و قول آمين بعد الفاتحة لغير تقية و الكلام و لو بحرفين مهملين أو حرف واحد مفهم و البكاء بالصوت لأمر دنيوي فهذه جملة من منافيات الصلاة و موجبات قطعها الذي يحرم اختياراً إلا لخوف على نفس محترمة أو عرض كذلك أو مال معتد به نعم قد يجب قطعها في بعض الأحوال بل لو عصى و أتمها و كان الضرر الذي لا يجوز تحمله و يمكن دفعه مترتباً على نفس فعل الصلاة استأنفها.

المبحث الرابع في الشك و أحكامه
اشارة

و فيه مطالب:

(أولها) الشك في الشي ء هو التردد و عدم الجزم بوجود الشي ء أو عدمه

من غير ترجيح لأحدهما فإن حصل في نفسه ترجيح لأحد الطرفين بنى على الراجح عنده و اخذ به بالنسبة إلى أعداد الركعات مطلقاً و إن كان الاحتياط بالنسبة إلى الأوليين لا ينبغي أن يترك و أما بالنسبة إلى نفس الصلاة و شرائطها كان يظن انه صلى أو انه توضأ أو اغتسل فهو بمنزلة العدم على الاحوط و إن كان الأقرب كونه بمنزلة الشك فيجري فيه ما يأتي و يراعى الاحتياط في الظن بأفعال الصلاة.

(ثانيها) في أقسام الشك
اشارة

و أقسامه منها ما لا عبرة به و لا شي ء يترتب عليه و منها ما يترتب عليه بطلان الصلاة و منها ما تصح معه الصلاة و يترتب عليه بعض الآثار

(أما القسم الأول) [أي ما لا عبرة به]
اشارة

فهو أمور:

(أحدها) الشك في الصلاة بعد تمامها

و الفراغ منها و لا اعتبار به ظن الفعل أو الترك أو لا في أعداد الركعات كان أو في أفعال الصلاة أو في شرائطها كالشك في الوضوء أو في الغسل نعم عليه أن يأتي بطهارة متيقنة للصلاة المستقبلة و أما الصلاة السابقة فمحكوم بصحتها و لا اثر للشك المذكور بالنسبة إليها لكن يعتبر أن لا يكون كل من طرفي الشك قاضياً بالبطلان كما لو شك انه صلى الصبح ثلاثاً أو أربعاً و كذا لو شك في انه صلى

ص: 32

الظهر ثلاثاً أو خمساً بعد الفراغ و فعل ما يبطل الصلاة مطلقاً فلو كان كذلك أعاد الصلاة للعلم ببطلانها على كل تقدير و لو كان الشك المذكور بعد الفراغ و قبل فعل المنافي فالاحوط أن يبني على الثلاث و يأتي بالرابعة و يسجد للسهو و يعيد الصلاة و هكذا يجري الحال فيما كان على هذا المنوال.

(الثاني) الشك بعد تجاوز المحل

كمن شك و هو يقرأ الفاتحة في انه كبر للإحرام أم لا و من شك في الفاتحة و هو يقرأ السورة و هكذا في كل فعل شك فيه بعد الدخول في غيره أما لو شك في الشي ء و محله باق كمن شك في الحمد قبل قراءة السورة فانه يلزمه الإتيان به و هكذا.

(الثالث) الشك بعد الوقت

كمن شك بعد طلوع الشمس في انه صلى صلاة الصبح أم لا و بعد الغروب في انه صلى صلاة العصر أم لا فانه لا يلتفت إلى شكه و لو كان ذلك و الوقت باق أتى بما شك فيه.

(الرابع) ما تكرر من الشك على المصلي حتى صدق عليه انه كثير الشك عرفاً

فانه لا عبرة به في محل الكثرة فلو كثر شكه في فعل خاص كان كثير الشك فيه دون غيره.

(الخامس) شك الإمام و المأموم في عدد الركعات مع حفظ الآخر

و ضبطه فيرجع الشاك منهما إلى الضابط و لا يعتنى بشكه.

(و أما القسم الثاني) و هو ما يترتب عليه بطلان الصلاة
اشارة

فهو أقسام ثمانية و لا يحكم معها بالبطلان بمجرد حدوث الشك بل لا بد من الفكر و التروي إلى حد لا يخرج بذلك عن كونه مصلياً فإن تبدل شكه بعلم أو ظن يعوّل عليه اخذ به و إلا فصلاته باطلة.

(أحدها) الشك في ركعات الصلاة الثنائية الواجبة

كصلاة الصبح مطلقاً و صلاة الظهرين و العشاء للمسافر و صلاة الطواف و الآيات إلا صلاة الاحتياط فإن المحتاط يبني فيها على الأكثر إن لم يكن موجباً لفسادها و إلا بنى على الأقل.

(ثانيها) الشك في عدد صلاة المغرب

فمن شك و هو في التسبيحات إن هذه الثالثة أو الثانية تروى فإن حصل له العلم أو الظن بانها الثانية ترك التسبيح و اشتغل بالقراءة أو بانها الثالثة أتى بالتسبيحات و صلاته صحيحة و إن لم يتبدل شكه فصلاته باطلة مطلقاً.

(ثالثها) إذا لم يدر كم صلى اثنتين أم ثلاثاً أم أربعاً أم غيرها

فإذا شك كذلك فصلاته باطلة مع بقاء هذا الشك و عدم تبدله بعد التروي و الفكر.

ص: 33

(رابعها) الشك بين الثلاث و الست

و الصلاة معه باطلة ما بقي بحاله من غير فرق بين جميع أحوال الصلاة.

(خامسها) الشك بين الاثنتين و الخمسة بعد إكمال السجدتين و قبل إكمالها في القيام أو في غيره

و تبطل الصلاة معه كسابقه.

(سادسها) الشك في الرباعية إذا كانت الاثنتان قبل إكمال السجدتين أحد طرفي الشك

كما لو شك في الركعة التي بيده إنها ثانية أو رابعة مثلًا فإذا بقي شكه بعد التأمل و التروي و لم يتبدل فصلاته باطلة من غير فرق في عروض الشك في جميع أحوال الصلاة و لو في السجدة الثانية قبل رفع رأسه منها و إن كان الاحوط إلحاق الشك فيما بعد وضع الرأس بالشك بعد رفع الرأس فيعمل عمل هذا للشك الذي يأتي ثمّ يستأنف الصلاة.

(سابعها) الشك في الرباعية مع كون الواحدة أحد طرفي الشك

فإذا بقي هذا الشك بعد التروي فالصلاة باطلة في أي موضع كان من الصلاة.

(ثامنها) الشك بين الأربع و الست

و الصلاة معه باطلة في جميع الأحوال.

(و أما القسم الثالث) و هو الشكوك الصحيحة
اشارة

فهي ثمانية أيضاً منحصرة في الرباعية بعد إحراز الأوليين منها برفع الرأس من السجدة الأخيرة و الاحوط فيما لو كان الشك بعد الذكر الواجب و قبل رفع الرأس البناء على الأكثر فيما يأتي من الأقسام ثمّ الإعادة.

(الأول) الشك في الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين

فإن بقي شكه بعد التروي و لم يتبدل بعلم أو ظن بنى على الثلاث و أتى بالرابعة و بعد فراغه من دون ان يفعل ما ينافي الصلاة يقوم فيأتي بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس و قد تمت صلاته و الأول أحوط.

(الثاني) الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع بعد إكمال السجدتين

و يبني هنا على الأربع و يسلم و يحتاط بركعتين من قيام و ركعتين من جلوس.

(الثالث) الشك بين الاثنتين و الأربع بعد إكمال السجدتين

و يبني الشاك هنا على الأربع و يسلم و يحتاط بركعتين من قيام و قد تمت صلاته.

(الرابع) الشك بين الثلاث و الأربع في أي موضوع اتفق

و يبني فيه على الأربع و يتم صلاته ثمّ يحتاط بركعة من قيام و ركعتين من جلوس و الاحوط الجمع و تأخيرها عن ركعتي الجلوس.

(الخامس) الشك بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين

و رفع الرأس أو بعد إكمال الذكر الواجب و يبني في هذه الصورة على

ص: 34

الأربع و يتشهد و يسلم ثمّ يسجد سجدتي السهو وجوباً و لو كان الشك المذكور حال القيام قبل الركوع جلس و رجع شكه إلى ما بين الثلاث و الأربع فيبني على الأربع و يتم صلاته ثمّ يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس و الاقتصار عليهما أحوط و لو عرض بعد الركوع و قبل إكمال السجدتين فلا يبعد البطلان هنا و في القسمين الآتيين و الاحوط في الأقسام الثلاثة البناء على الأقل و الإتمام ثمّ الاستئناف.

(السادس) الشك بين الثلاث و الخمس حال القيام

فانه يجلس و يرجع شكه إلى ما بين الاثنتين و الأربع فيتم صلاته و يعمل عمله.

(السابع) الشك بين الثلاث و الأربع و الخمس حال القيام قبل الركوع

فإنه يجلس و يرجع شكه إلى ما بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فيتم صلاته و يعمل كما تقدم و يسجد للسهو عن القيام الزائد احتياطاً.

(الثامن) الشك بين الخمس و الست حال القيام قبل الركوع

فإنه يجلس و يتم صلاته و يسجد للسهو مرتين للشك و للقيام الزائد.

(تتمة) فيها فصلان
(الفصل الأول) في صلاة الاحتياط

و هي واجبة و كيفيتها أن يقوم بعد السلام و قبل أن يفعل ما ينافي الصلاة فينوي أن يصلي صلاة الاحتياط عما لعله قد نقص من صلاته قربةً إلى الله تعالى و يكبر و يقرأ الفاتحة وحدها سراً حتى البسملة ثمّ يركع و يأتي بذكر الركوع ثمّ يسجد سجدتين و يأتي بذكره فيهما ثمّ يجلس و يتشهد و يسلم و إذا كانت صلاة الاحتياط ركعتين قام إلى الثانية فقرأ الحمد فيها سراً كذلك من غير سورة و أتى بباقي الأفعال و لا قنوت فيها مطلقاً و الاحوط أن لا يفصل بينها و بين الصلاة بالمنافي فإن فعل ذلك أتى بها و أعاد الصلاة و كذا لو نسى ركناً منها أو زاد ركناً فيها و لو كان عليه أجزاء منسية يجب قضاؤها كالسجود و التشهد و ابعاضه خصوصاً الصلاة على النبي و آله عليهم السلام قدم ركعات الاحتياط عليها و لو اشتغلت ذمته بصلاة الاحتياط ثمّ مات قبل فعلها كان على الولي أن يأتي بها أولًا على الاحوط ثمّ يقضي الصلاة و كذا الأجزاء المنسية و أما سجدتا السهو فالاحوط قضاؤهما.

(الفصل الثاني) في سجود السهو

و تجب فيه النية و لا يجب فيه التكبير و إن

ص: 35

استحب فعله و يجب فيه جميع ما يجب في سجود الصلاة على الاحوط نعم لا يجزي فيه مطلق الذكر بل يجب ان يقول في كل من السجدتين بسم الله و بالله و صلى الله على

محمد و آل محمد أو يقول بدل (و صلى الله) اللهم صل على الخ و يقول بسم الله و بالله السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته و يجب بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة التشهد و التسليم و الواجب أن التشهد من التشهد الخفيف و هو الشهادتان و الصلاة على محمد و آل محمد و من التسليم أن يقول السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و يجوز فيه التشهد و التسليم المتعارف في الصلاة بقصد القربة المطلقة و تجب المبادرة إليه بعد الصلاة و لا يقدح التأخير بما لا ينافيها عرفاً و لا التأخير لتحصيل الشرائط كذلك و لو أخر عصى و لكن صلاته صحيحة و لا يسقط عنه الوجوب و لا الفورية و لو نسيه سجد حين الذكر مبادراً و يؤخره عن الأجزاء المنسية و عن الركعات الاحتياطية و يتعدد بتعدد سببه و لا ترتيب بين أفراده و إن كان الاحوط مراعاته و يجب لأمور (الأول) الكلام سهواً و لو لظن الخروج و ليس للكلام الواحد و إن طال غير سجدتين. (الثاني) السلام في غير محله. (الثالث) الشك بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين. (الرابع) كل زيادة و نقيصة غير مبطلتين إذا لم يتدارك النقيصة في محلها و إن تداركها بعد الصلاة كالسجدة و التشهد فلو تداركها في محلها فلا سجود و لا سجود في نسيان القنوت و نحوه من المستحبات التي كان عازماً على فعلها ثمّ نسيها.

الباب الرابع فيما يوجب قصر الصلاة

و هو أمران:
(الأول) الخوف

و هو موجب لقصر الصلاة بإسقاط الركعتين الأخيرتين من الرباعية سفراً و حضراً سواء كان الخوف من إنسان كاللص و العدو و نحوهما أو حيوان كالأسد و نحوه و مطلق الخوف مسوّغ لقصر الكيفية و الاقتصار على ما يمكنه منها و قد يكون الخوف موجباً لقصر الكمية و الكيفية معاً و لو عجز عن استيفاء الصلاة بالركوع و السجود أومأ لهما برأسه و يجعل سجوده اخفض و لو تعذر الإيماء اجتزأ عن الركعة بالتسبيحات الأربع مع النية و التحريمة أولًا و التشهد و التسليم أخيراً على الاحوط و مع رجاء حصول الأمن فالاحوط له التأخير إلى أن

ص: 36

يحصل اليأس منه.

(الثاني) السفر و هو موجب لقصر الرباعية بشروط
(الأول) قصد المسافر

مقداراً معلوماً فلا يقصر الهائم و طالب الآبق و الضالة إلا في العود مع حصول باقي الشرائط.

(الثاني) أن يكون المقصود مسافة مخصوصة

و هي ثمانية فراسخ و لو ملفقة من الذهاب و الإياب مع قصد العود في يومه أو في يوم آخر و لو قصد ان يذهب فرسخين و يرجع ستاً من طريق آخر أو بالعكس كفى و تثبت المسافة بالبينة أو العلم و نحوه فلو شك في بلوغها ذلك أو ظن به بقي على التمام و لا يترك الاحتياط في خبر العدل الواحد بالجمع و مبدأ الاحتساب سور البلد و آخر البيوت في صغار البلدان.

(الثالث) استمرار القصد

و لو حكماً فلو عدل عنه قبل بلوغ أربعة فراسخ أو تردداً تم و مضى ما صلاه قصراً و إن كانت الإعادة مع بقاء الوقت أحوط.

(الرابع) أن لا ينقطع سفره بما يوجب التمام

كإقامة عشرة أيام في أثناء الثمانية أو مرور بوطن فعلي له كما لو قصد أربع فراسخ و كان له على منتهاها وطن كذلك أو موضع قد عزم على الإقامة فيه و لو تردد على رأس الأربع بقي على التقصير إلى ثلاثين يوماً و كذا منتظر الرفقة في أثناء المسافة نعم لو كان الوطن على منتهى الثمانية قصر في طريقه خاصة.

(الخامس) التلبس بالسفر و الدخول فيه

فلا يكفيه مجرد القصد و العزم و هو في بلده.

(السادس) أن يتجاوز محل الترخص

بأن يخفى عليه سماع الآذان أو أشكال الجدران و المدار على السماع و الرؤيا المتعارفين في الوقت المتعارف.

(السابع) أن يكون السفر سائغاً شرعاً

فلا يترخص العاصي بسفره كالآبق و الناشز و الفار من الزحف و تارك وقوف عرفة و سالك ما يظن فيه العطب و نحوهم أو العاصي بقصده كذوي الغايات المحرمة كقطع الطريق و الصيد لهواً و نحوهما.

(الثامن) أن لا يكون عمله السفر كالمكاري و الملاح و الساعي و جميع من كان السفر عملًا له

كالبريد و الذي يدور بتجارته إذا سافروا في عملهم و لم يقيموا في منازلهم أو غيرها عشرة أيام منوية أو غير منوية و إن كان الاحوط الجمع مع عدم النية في غير منازلهم فلو سافر المكاري بغير دابته و الملاح بدون سفينته و التاجر بغير تجارته قصروا و إن كان الاحوط لهم الجمع.

(التاسع) شرط تعيين القصر أن لا يكون في أحد المواطن الأربع

و هي

ص: 37

المسجدان الحرميان و مسجد الكوفة و الحائر فإن المصلي مخير فيها بين القصر و الإتمام إلا أن ينوي الإقامة و الاحوط أن يقتصر في التخيير على المسجدين دون الزيادة الحادثة و على ما لا يزيد على خمسة و عشرين ذراعاً حول الضريح الشريف الحسيني على مشرفه افضل السلام.

(إكمال)

المدار في القصر على وقت الفعل و الأداء لا على وقت الوجوب و في القضاء على ما استقر عليه آخر وقت الفائتة لو أداها فمن دخل عليه الوقت مسافراً ثمّ دخل منزله أو محل إقامته عشراً قبل الصلاة صلى تماماً و لو سافر بعد أن دخل عليه الوقت حاضراً صلى قصراً و إن كان الاحوط الجمع في الصورتين.

الباب الخامس في جملة من الصلاة الواجبة غير اليومية

اشارة

سواء وجبت بالأصل أو بالعارض و هي أقسام و الجميع تشارك اليومية في جميع ما تقدم من الشرائط و الأركان إلا ما يستثنى هنا من خصوصيات كل قسم منها و فيها ما هو زائد على ما تقدم.

القسم الأول صلاة الجمعة

و الكلام هنا فيها و في بعض سننها أما صلاة الجمعة فهي ركعتان عوض الظهر و وقتها من الزوال إلى أن يصير ظل كل شي ء مثله و إنما تجب إذا اجتمعت شرائطها المقررة في محلها فلو لم تحصل أو فات وقتها تعينت الظهر و يحرم البيع بعد النداء حال الوجوب العيني. (و أما سنن يوم الجمعة) فهي كثيرة كالغسل و غسل الرأس بالسدر و الخطمى و المباكرة إلى المسجد و حلق الرأس واخذ الشارب وقص الأظفار و يستحب البدأة بخنصر اليسرى و الختم بخنصر اليمنى و تحسين القص و حكها بعده و دفنها و يكره القص بالأسنان و ليقل عند القلم و اخذ الشارب بسم الله و بالله و على سنة محمد و آل محمد صلوات الله عليهم. قال الشهيد في البيان فله بكل قلامة و جزازة عتق و لا يمرض إلا مرض الموت و كتسريح اللحية و التطيب و لبس الفاخر و الأنظف و الدعاء عند الخروج بالمأثور و المشي بسكينة و وقار و قراءة الصافات و الرحمن و الإكثار من العمل الصالح و من الدعاء فإن فيه ساعة الإجابة فقيل إنها إذا زاغت الشمس و قيل من آخر

ص: 38

النهار إلى غروب الشمس و قيل ما بين الطلوعين و قيل أخفيت كما أخفيت ليلة القدر ليتضرعوا بالدعاء في اليوم كله و يستحب أيضاً الصدقة و الإكثار من الصلاة على النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و زيارته و زيارة الأئمة عليهم السلام و قراءة الإخلاص بعد الفجر مائة مرة و الاستغفار مائة مرة و تطريف الأهل بالفاكهة و اللحم و تكره الحجامة فيه و إنشاد الشعر و غير ذلك من السنن المذكورة في الكتب المبسوطة.

القسم الثاني في صلاة الآيات

و هي تجب عند كسوف الشمس و خسوف القمر لا كسوف غيرهما من الكواكب بهما أو بغيرهما و زلزلة الأرض و هي رجفتها منطلقاً و كل آية مخوفة سماوية كانت أو أرضية كالخسف و نحوه و لا عبرة بغير المخوف و وقت أداء صلاة الكسوفين من ابتداء الحدوث إلى تمام الانجلاء و كل آية يسع وقتها الصلاة يكون وقتها من حين حدوثها إلى أن تزول و لو لم يسع وقتها الصلاة كالزلزلة غالباً و الهدة و الصيحة وجبت الصلاة حال حدوث الآية فإن عصى ففي غيره طول العمر و الكل أداء و هي ركعتان كصلاة الصبح في العدد و فيما يجب و يستحب إلا إنها تختص بأمور أربعة (الأول) تعدد الركوع فإن في كل ركعة منها خمس ركوعات. (الثاني) تعدد الفاتحة في الركعة الواحدة إذا أتم السورة. (الثالث) جواز تبعيض الصورة بان يقرأ آية آية منها في كل قيام قبل الركوع و في الخامس و العاشر يتمها. (الرابع) جواز الجهر و الاخفات فيها و الجهر افضل و إن كانت نهاراً و تستحب إعادتها لو فرغ منها قبل الانجلاء و إن يكبر عند كل هويّ للركوع و رفع منه إلا في الرفع من الخامس و العاشر فانه يقول سمع الله لمن حمده و البروز تحت السماء و لو شك في عدد ركعاتها بطلت و لو شك في عدد ركوعاتها بنى على الأقل إلا أن يرجع إلى الشك في عدد الركعات فتبطل كما لو شك انه الخامس أو السادس مثلًا و لو اتفقت وقت حاضرةٍ تخير ما لم تتضيق إحداهما فتقدم و لو تضيقتا قدم الحاضرة اليومية و قضى الأخرى و ذات السبب تقدم على اليومية مع سعة الوقت و الله العالم.

ص: 39

القسم الثالث الصلاة الواجبة لسبب من الأسباب

و هي أمور يجمعها أمران: (أحدهما) الفوات الموجب للقضاء على النفس أو التحمل عن الغير (أما الأول) فيجب القضاء و هو فعل مثل الفائت على من فاتته الصلاة مع بلوغه و عقله و إسلامه و خلوّه إن كان امرأة من الحيض و النفاس عمداً أو سهواً للنوم أو لغيره كالمسكر و المرقد مع قصد الاسكار و الرقاد و الاختيار و عدم الحاجة فانه يجب على السكران و شارب المرقد القضاء عند زوال العذر و أما عادم المطهر مطلقاً فيجب عليه القضاء على الاحوط إن لم يكن أقوى و كذا من استوعب إغماؤه أو سكره الوقت على الاحوط فلا قضاء على المجنون و المغمى عليه و الحائض و النفساء و الكافر الأصلي مع استيعاب أوصافهم تمام الوقت فلو لم يستوعب بان حصل من الوقت ما يسع الطهارة و الصلاة بتمامها و لم يصل وجب القضاء و إن كان مقدار ما يسع الطهارة و ركعة من آخره و ليس للقضاء وقت فيقضى ما فات نهاراً ليلًا و بالعكس نعم تجب فيه مراعاة العدد تماماً و قصراً و مراعاة الترتيب بين الفوائت مطلقاً على الاحوط فيبدأ بقضاء ما فات أولًا فأولًا فيبدأ بالعشاء و ينتهي بصلاة الصبح لو فاتته خمس فرائض من خمسة أيام و كان أول الفوائت العشاء و الثانية المغرب و هكذا و كذا يراعى الترتيب بين الفائتة القضائية و الحاضرة الأدائية إلا أن يتضيق وقت الحاضرة أو ينسى الفائتة و لم يتذكرها إلا بعد الفراغ من الحاضرة أو في أثنائها بعد فوات إمكان العدول و إلا عدل إليها و أتى بالحاضرة بعد الفراغ منها و الأقرب سقوطه مع جهله و تعسر التكرار المحصل له في ضمن الفرائض المكررة و عدم لزومه في الثنائية و أما هيئة الفائتة و كيفيتها الاختيارية و الاضطرارية فلا تجب مراعاتهما بل العبرة بوقت الفعل أداءً و قضاءً فإذا فاتته و هو قادر على تمام الأفعال و أراد قضاءها و هو على حال لا يتمكن معه من تمام الأفعال جاز له القضاء على تلك الحالة و لم يجب عليه تأخيرها إلى زوال العذر و لا إعادتها بعده و كذا يصح القضاء من فاقد الشرائط و إن كان واجداً لها حين الأداء إلا من فاقد الطهارة و إن لم يكن واجداً لها كذلك و قلنا بالوجوب على فاقد الطهورين فإن الواجب عليه التأخير إلى أن يتمكن من الطهارة و لو الترابية لأن الطهارة شرط مطلقاً.

ص: 40

(تتمة) لا قضاء على الصبي و إن كان مميزاً ثمّ يستحب تمرينه على القضاء كما يستحب على سائر العبادات حتى النوافل و عباداته شرعية يثاب عليها و يجب على الولي منعه مما يضر به أو بالناس بل يجب عليه منعه من كل محرم علم إرادة الشارع عدم وقوعه في الخارج و لا تقضى صلاة الآيات مع عدم العلم بها و عدم استيعاب الاحتراق و كذا لا قضاء لصلاة الطواف و لا لصلاة الجنازة و إن أطلق القضاء عليهما توسعا و كذا النذر المطلق لو تضيق بظن الوفاة.

(و أما الثاني) فهو تحمل الولد الذكر الذي ليس اكبر منه عن الأب و الأم ما فاتهما من الصلاة و الصيام من غير تقصير بل مطلقاً على الاحوط و إن كان الأظهر عدم وجوب قضاء ما تركاه عمداً مع تمكنهما منه كما لا يجب قضاء ما تحمله الأب باجرة أو عن أبيه و لا ما فات الجد و في وجوب القضاء عن الأب لو كان عبداً إشكال أحوطه الوجوب و لا يعتبر في الولدان يكون وارثاً فيقضي و إن كان محجوباً و لو تساوى الأولاد في السنّ تساووا في القضاء و الظاهر عدم وجوب المباشرة على الأكبر فيسقط القضاء عنه باستئجاره الغير عن أبيه لا عنه لعدم قبول الصلاة التحمل عن الحي و كذا لو أوصى الميت به و عمل بالوصية أو تبرع أجنبي أو وارث آخر بفعله أو الإجارة عنه و لو مات الوليّ فلا يتحملها وليه و لا الباقي من أولياء الميت الأول.

(ثانيهما) ما ألتزمه المكلف بأحد الأسباب الشرعية كالنذر و ما أشبهه من العهد و اليمين و شرائطه و واجباته كاليومية مع الإطلاق و مع تعيين بعض الصلوات كصلاة جعفر أو الكيفيات و الخصوصيات المشروعتين يجب عليه الإتيان بما عينه من ذلك كيفيةً زماناً و مكاناً و مهما نذر من ذلك ينعقد و يجب الوفاء به و لو عين زماناً للمنذور كالجمعة مثلًا فلم يفعله بذلك الزمان المعين متعمداً أثم و عليه الكفارة و القضاء على الاحوط و لو نذر صلاة الاستسقاء في وقتها وجبت و لو عين الوقت فمطر قبله أو فيه ففي سقوط النذر إشكال و لو نذر اليومية على صفة كمال و فعلها على غير ذلك الوجه وجبت إعادتها على تلك الصفة و لو فاتت الصفة كفعلها في أول الوقت و فعلها في غيره صحت و عليه الكفارة و لو نذر الواجبة على وجه مرجوح كفعلها في آخر الوقت أو في

ص: 41

أحد الأماكن المكروهة لغى النذر و لو نذر أن يصلي ركعتين فلا تجزي الواجبة بالأصل على الاحوط إن لم يكن أقوى و لو قيده بركعة غير الوتر ففي الانعقاد إشكال لما روي من نهيه صلّى الله عليه و آله و سلّم عن البتيراء و هي الركعة الواحدة و لو نذر الوتر الموظفة فالاحوط الإتيان بالثلاث و لو نذر ركوعاً و سجوداً قيل تجب عليه ركعة و لو نذر سجوداً انعقد و يدخل فيما أشبه النذر من حيث وجوبه على المكلف بسبب من قبله ما وجب على المكلف بالإجارة و نحوها من صلاة واجبة أو مندوبة عن ميت أو حي مما تصح فيه النيابة عنه و قد يجب بذلك غيرها كالصيام و الزيارات و تلاوة القرآن و نحوها و تصح نيابة الرجل عن الرجل و المرأة و المرأة عن المرأة و الرجل و يصلي كل منهما صلاته لا صلاة المنوب عنه و يعتبر في الأجير أن يكون عالماً بمسائل الصلاة الضرورية عادلًا غير عاجز عن واجبات الصلاة كالقيام و نحوه.

الباب السادس في صلاة الجماعة

و تجب في الجمعة و العيدين مع وجوبها و بالنذر و شبهه و على من تمكن منها مع جهله بالقراءة و ضيق وقته عن التعلم و عدم إمكان متابعة و قراءة في مصحف و تحرم النافلة إلا ما استثني و تستحب مؤكداً في الفرائض اليومية سيما الأدائية و سيما الصبح و المغرب و العشاء و مما ورد في فضلها ان صلاة الجماعة تعدل صلاة الفذ (1) بأربع و عشرين درجة و إن عدد الجماعة إذا بلغ عشرا فلو ان البحار مداد و الأشجار أقلام و الجن و الأنس و الملائكة كتاب لما قدروا أن يكتبوا ثواب ركعة منها و إن الصلاة خلف العالم بألف ركعة و خلف القرشي بمائة و خلف العربي خمسون و خلف المولى خمس و عشرون و المراد بالعالم صاحب العلم الذي يوجب القرب إلى الله تعالى و الخشية منه من العلوم الدينية مع استعمال ذلك على وجهه و القرشي هو المنسوب إلى النضر بن كنانة جد النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و الهاشميون العلويون أشراف هذه الطائفة و ساداتها و المولى له معان كثيرة منها غير العربي و إن كان حراً و الظاهر انه هو المراد هنا.


1- الفذ بالمعجمتين الواحد (منه سلمه الله تعالى).

ص: 42

إذا عرفت ذلك فأعلم انه يعتبر في الإمام الإيمان و العدالة و طهارة المولد و العقل و البلوغ و الذكورة إذا أمّ ذكراً أو خنثى و الختان مع إمكانه و القيام إذا أمّ قائماً و التقدم و لو بعقبة و قربه من المأموم عادة و لا يضر بعد الصفوف عنه غير الأول إذا كان بين كل صفين منها ما بينه و بين الصف الأول من البعد و قدّر بالخطوة المتعارفة و صحت صلاته ظاهراً أو كونه غير مؤتم و عدم علوّه بما يعتد به و هو ما لا يتخطى في العادة و أما علوّ المأموم فلا بأس به و نثبت العدالة بشهادة عادلين و بصلواتهما خلفه إذا كانا عالمين باعتبارها فيه و بالمعاشرة التامة و لا يقتدي الرجل بالمرأة و لا القائم بالجالس و لا الجالس بالنائم و يجوز العكس و لا تجب نية الإمامة إلا في الجماعة إذا وجبت و لكن حصول الثواب يتوقف عليها و يجب على المأموم بعد إحرازه الشرائط في الإمام أن ينوي الائتمام فلو تابع بغير نية و أخل بما يلزم المنفرد بطلت صلاته و إلا بطلت جماعته و يلزم تأخيرها و تأخير التحريمة عن نية الإمام و تحريمته فلا تصح مع المقارنة فضلا عن التقدم و لا يصح الاقتداء بأكثر من واحد في فرض واحد و لا بواحد بعينه بل يجب تعيينه و اتحاده و تصح نية الاقتداء بالإمام الحاضر فينوي الصلاة خلف هذا الشخص المعين و إن لم يعلمه بالاسم و الرسم و الخصوصيات الأخر و تجب مشاهدة الإمام أو مشاهدة من يشاهده من المأمومين فلا تصح مع حائل يمنع من المشاهدة و يغتفر الحائل في اقتداء المرأة بالرجل إذا لم يمنع من الاطلاع على أفعال الإمام و لا تمنع الظلمة و الغبار و لا ما يحول وقت الجلوس خاصة و يعتبر توافق صلاة الإمام و المأموم في النظم و الهيئة فلا يقتدى في اليومية بنحو الكسوف و لا العيد و لا يعتبر التوافق في العدد و لا في النوع و لا في القضاء و الأداء و يجوز الاقتداء في ركعتي الطواف بهما و باليومية و بالعكس و لكن الاحوط الترك و مع نقص صلاة المأموم يتخير بين التسليم و انتظار تسليم الإمام و هو افضل و لو زادت أتى بالزائد و تجب متابعة الإمام في جميع الأفعال و في تكبيرة الإحرام و يأثم لو تقدم عمداً و تبطل صلاته و لو ركع قبل فراغ الإمام من القراءة و إن سبقه في الركوع أو السجود سهواً رجع و تابع و إن زاد ركوعاً و لو تخلف عنه بركن لم تنقطع القدوة و اقل ما تنعقد به الجماعة في غير

ص: 43

الجمعة و نحوها اثنان أحدهما الإمام و يكفي في الثاني أن يكون امرأة أو صبياً مميزاً على الأصح و تدرك الركعة بالاقتداء بالإمام من قبل تلبسه بالركوع إلى أن يرفع رأسه منه و يستحب القنوت معه و التشهد و لو اقتدى في ثانية الإمام قرأ في الثالثة التي هي له ثانية سرّاً و لو ركع الإمام قبل أن يقرأ السورة تركها و ركع معه و لو ركع قبل أن يقرأ الحمد نوى الانفراد و أتى بالحمد و السورة و باقي الأفعال و يتحمل الإمام القراءة عمن اقتدى به في الركعة الأولى و الثانية في الجهرية و الاخفاتية.

الباب السابع في النوافل

اشارة

و هي قسمان:

راتبة في كل يوم و ليلة و هي أربع و ثلاثون حضراً و نصفها سفراً و مطلقة غير مقيدة بكل يوم و ليلة و هي أقسام منها مشروعة بسبب خاص كالاستسقاء و الزيارة و الحاجة و نحوها و منها المتعلقة بالأزمان كنافلة شهر رمضان و نحوها و منها المضافة إلى من يقتدي بهم كصلاة علي عليه السلام و صلاة جعفر عليه السلام و غيرهما و منها الصلاة المعادة جماعة و منها المبتدئة من غير سبب و النوافل كلها ركعتان بتسليم إلا الوتر و صلاة الإعرابي و إلا المعادة فإنها تابعة للسابقة و قد مرّت الإشارة إلى النوافل اليومية و الكلام هاهنا في بيان أقسام الصلوات المندوبة مطلقاً و جملة من أحكامها و ذلك يقع في مقامات:

المقام الأول في النوافل اليومية
اشارة

و هي قسمان تابع للواجب و غير تابع:

القسم الأول و هو النوافل اليومية التابعة للواجب

و هي ثلاث و عشرون ركعة ثمان للظهر قبلها و ثمان للعصر كذلك و أربع للمغرب بعدها و ركعتان من جلوس تعدان بركعة للعشاء بعدها و ركعتان للصبح قبلها و الوقت الإجزائي لنوافل الظهرين من أول الزوال إلى أن يبقى من الوقت ما يسع الظهر و العصر و لنافلة المغرب من بعد الفراغ من المغرب إلى أن يبقى من الوقت ما يسع العشاء و لنافلة العشاء من بعد الفراغ منها و يستحب أن يجعلها خاتمة صلاته إذا أراد أن يصلي بعد العشاء بعض الصلوات الموظفة في بعض

ص: 44

الليالي و وقت نافلة الصبح من طلوع الفجر الأول إلى ان يبقى من الوقت ما يسع صلاة الصبح و يجوز دسّها في صلاة الليل قبل ذلك.

القسم الثاني النوافل اليومية غير التابعة للواجب

و هي إحدى عشرة ركعة، ثمانية منها نافلة الليل و ركعتا الشفع و ركعة الوتر و يكفي في أدائها الاقتصار على قراءة الفاتحة و اقل المجزي من الأركان و الشرائط و إن لم يأت فيها بدعاء أو استغفار نعم لها آداب و سور و أدعية توجب مزيد فضلها و الثواب عليها مذكورة في كتب أصحابنا جزاهم الله خير الجزاء كمفتاح الفلاح و غيره و لقنوت الوتر أدعية كثيرة و الروايات في فضلها لا تحصى نكتفي منها بخبر واحد و هو ما روي عن الصادق عليه السلام عن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم أنه قال صلاة الليل مرضاة الرب و حب الملائكة و سنة الأنبياء و نور المعرفة و اصل الإيمان و راحة الأبدان و كراهة الشيطان و سلاح على الأعداء و إجابة للدعاء و قبول الأعمال و بركة في الرزق و شفيع بين صاحبها و بين ملك الموت و سراج في قبره و فراش تحت جنبه و جواب مع منكر و نكير و مؤنس و زائر في قبره إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة كانت ظلًّا فوقه و تاجاً على رأسه و لباساً على بدنه و نوراً و يسعى بين يديه و ستراً بينه و بين النار و حجة بين يدي الله تعالى و ثقلًا في الميزان و جوازاً على الصراط و مفتاحاً للجنة و قد ورد إنها تطيل العمر و توسع الرزق و وقتها من نصف الليل المعلوم ببعض النجوم أو غيره إلى الفجر الصادق و في السحر افضل و هو الثلث الأخير من الليل أو السدس و هو الأقرب و يجوز تقديمها للمسافر بل للمعذور و مطلقاً إلا أن قضاءها افضل من تعجيلها و لو تمكن بعد تقديمها من إعادتها في وقتها أعادها و لو انتبه و لم يبق إلى طلوع الفجر إلا مقدار ركعتي الشفع و ركعة الوتر أتى بها و لو لم يبق إلا مقدار ركعة الوتر اقتصر عليها و لو تخيل سعة الوقت لها فاشتغل بها ثمّ طلع الفجر فإن كان قد صلى منها أربعاً أتم الباقي مخففاً بالحمد وحدها و إن لم يكن قد أكملها أتم ما في يده و اشتغل بالفريضة و نافلتها.

ص: 45

المقام الثاني في الصلاة المستحبة غير اليومية
اشارة

و هي أنواع:

الأول ما له سبب خاص

و ليس له وقت خاص كصلاة الزيارة و صلاة الحاجة و نحوهما.

الثاني ما ليس له سبب خاص و لا وقت خاص

و هي كثيرة أهمها و أفضلها و اشهرها بين العامة و الخاصة صلاة الحبوة و هي صلاة جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليهما و تسمى صلاة التسبيح أيضاً و هي أربع ركعات بتسليمين يقرأ فيها بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة الزلزال و في الثانية و العاديات و في الثالثة إذا جاء نصر الله و في الرابعة التوحيد و بعد قراءة الفاتحة و السورة في كل ركعة يقول خمس عشرة مرة سبحان الله و الحمد لله و لا اله إلا الله و الله اكبر و في كل ركوع بعد ذكره يقولها عشراً أو بعد رفع الرأس منه عشراً و في كل سجدة بعد الذكر عشراً و بعد رفع الرأس من كل سجدة عشراً فيكون مجموع التسبيحات ثلاثمائة و يدعو في السجدة الأخيرة، و بعد الفراغ من الصلاة بالمأثور و ليس شرطاً بل هو مستحب في مستحب كما انه يمكن الاكتفاء عن السور المذكورة بالتوحيد و غيرها و المستعجل يصليها من غير تسبيح ثمّ يأتي بالتسبيحات بعد ذلك و هو ذاهب في حوائجه و من عرضت له حاجة بعد أن صلى ركعتين منها فلا بأس بان يقضي حاجته ثمّ يصلي الركعتين الأخيرتين و يمكن جعلها من نافلة الليل و من غيرها من النوافل فيحصل تأدي الوظيفتين و إدراك الفضيلتين و افضل أوقاتها يوم الجمعة صدر النهار و من هذا النوع صلاة الإعرابي و هي عشر ركعات كالصبح و الظهرين رواها الشيخ مرسلًا و ذكرها السيد في جمال الأسبوع و قال الشهيد لم أستثبت طريقها في أخبارنا.

الثالث ما له وقت خاص

كالصلاة الواردة في بعض الأيام و الشهور كرجب و شعبان و شهر رمضان.

ص: 46

الرابع ما ليس له سبب و لا وقت و لا اسم

و يقال لها النوافل المطلقة و المبتدئة و هي تكره في أوقات خمسة على المشهور و سيأتي ما له تعلق بها.

المقام الثالث في جملة من أحكام النوافل مطلقاً
اشارة

و هي أمور:

الأول شروط النافلة مطلقاً و أفعالها كالصلاة الواجبة

إلا ما يأتي.

الثاني ينوي في النافلة التقرب

و السبب المخصوص من كونها للتحية أو للزيارة أو نحوهما و يعين المنسوبة إليه كصلاة جعفر و الإعرابي و نافلة الليل أو شهر رمضان و نحو ذلك.

الثالث القيام و الاستقرار من مكملاتها

فتجوز جالساً و راكباً و القيام افضل حتى في الوتيرة و يحتسبان بركعة و لو قرأ من جلوس و ركع عن قيام احتسب له صلاة القائم تفضلًا و أما الاستقبال فالاحوط أن لا يترك في غير السفر و الركوب و المشي و يومئ للركوع و السجود برأسه.

الرابع يجوز الاقتصار فيها على الفاتحة إلا فيما نص منها على تعيين سورة معينة فيه معها

كصلاة ليلة عيد الفطر و صلاة الإعرابي و نحوهما و لا يكره القران فيها بل قد يستحب و يجوز فيها قراءة العزائم و يسجد لها فيها و يجوز الجهر و الاخفات في القراءة و إن كان الأولى الجهر في نوافل الليل و الاخفات في نوافل النهار و يجوز في جميع النوافل قراءة السور من المصحف و إن كان يحفظ غيرها أما الفرائض فالظاهر عدم الجواز إلا مع عدم الحفظ.

ص: 47

الخامس لا تشرع الجماعة فيها إلا في صلاة الاستسقاء

و إعادة المنفرد صلاته جماعة و في العيدين مع اختلال شرائط الوجوب.

السادس لا آذان فيها و لا إقامة

و يستحب فيها القنوت و الجهر به و لو في نوافل النهار و إطالته و لا بأس بالقنوت فيها بما يقرأ من كتاب و نحوه.

السابع يكره ابتداء النافلة عند طلوع الشمس و قيامها في وسط السماء

و عند ميلها إلى الغروب و لكن في التوقيع الشريف إنها لا تكره و انه ان كان كما يقول الناس ان الشمس تطلع بين قرني شيطان و تغرب بين قرني شيطان فما أرغم انف الشيطان بشي ء افضل من الصلاة فصلها و أرغم الشيطان.

الثامن يحرم قطع النافلة اختياراً على الاحوط إلا لفريضة مضيقة أو خوف ضرر على عرض أو نفس أو مال

و لو أمكن الإتمام ماشياً أو راكباً أتم و الظاهر جواز قطعها لخوف فوات الجماعة.

التاسع إذا صلى النافلة بالجلوس استحب أن يضاعفها

و يحتسب ركعتين بركعة.

العاشر لا يقضى من النوافل المؤقتة غير الرواتب اليومية

و لو فاتت بمرض استحب ان يتصدق عن كل ركعتين بمدّ فإن لم يتمكن فعن كل يوم و لو تمكن من القضاء فهو افضل.

الحادي عشر يحرم الإتيان بها و بكل تطوّع من العبادات

مع منع من له المنع شرعاً كالمولى و أحد الأبوين و نحوهما.

ص: 48

الثاني عشر لا يجوز النيابة فيها عن الأحياء

إلا ما استثني من صلاة الطواف منضمة إليه و منفردة و صلاة الزيارة و تجوز عن الأموات.

الثالث عشر لا يبطلها الشك في عدد الركعات كيف ما كان

و الشاك مخير فيها بين البناء على الأقل و الأكثر و الأول افضل و لا يلزم فيها سجدة السهو و لا صلاة الاحتياط و لا قضاء فيها للأجزاء المنسية التي يجب قضاؤها في الصلاة الواجبة و زيادة الركن فيها سهواً غير مبطلة. قيل و كذا نقصانه و لكن الاحوط في الأول و الأقوى في الثاني هو البطلان.

الرابع عشر الاحوط عدم الإتيان بالصلاة المستحبة و سائر المستحبات عن غير اجتهاد أو تقليد

و إن قيل بكفاية أخذها من كتاب معتبر إلا إن الأقوى أن الإتيان بها إن كان بداعي الأمر الاستحبابي و الخصوصية فلا بد فيه من ذلك و إن كان برجاء الأمر و احتمال المطلوبية فلا يحتاج.

الخامس عشر لا فرق بين الفرائض و النوافل في بطلانها و حرمتها لو فعلها في المكان أو الساتر المغصوبين

على الأصح.

السادس عشر لا يمنع من فعل النافلة اشتغال الذمة بالقضاء

سيما مع التشاغل به و عدم إهماله.

السابع عشر يصح فعل النوافل اليومية و صلاة الغفيلة في وقت الفريضة إذا كان موسعاً

بل يصح فعل النافلة مطلقاً في وقت الواجب إذا لم يتضيق.

ص: 49

الثامن عشر يكره الكلام بين المغرب و نافلتها

و ينبغي أن تكون سجدة الشكر بعد تمام النافلة و لو سجد بعد الفريضة فلا بأس.

التاسع عشر الإتيان بالنوافل اليومية مكمل لما نقص من قبول الفرائض

بسبب ترك الإقبال على جميع الفريضة أو بعضها و الأخبار بذلك مستفيضة منها صحيحة ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن العبد ليرفع له من صلاته ثلثها و نصفها و ربعها و خمسها فما يرفع له إلا ما اقبل منها بقلبه و إنما أمروا بالنوافل ليتم لهم ما نقصوا من الفريضة.

العشرون جواز صلاة النوافل المقصورة في أماكن التخيير الأربعة

و بقيت له أحكام أخر لا يتسع لها هذا المختصر.

الباب الثامن في شرائط القبول و شرائط الكمال

أما القبول

فهو أمر وراء مرحلة الأجزاء فإن المكلف إذا أتى بالفعل جامعاً لشرائط الصحة بحسب تكليفه لم تجب عليه إعادة في الوقت و لم تشتغل له ذمة بالقضاء في خارجه و أما القبول فله شرائط لا يحصل بدونها و له موانع لا يوجد بدون رفعها و ذلك بعد إحراز شرائط الصحة و رفع موانعها، أما شرائط القبول فأهمها الإقبال على الصلاة إلى تمامها فإن العبد لا يقبل منه صلاة إلا ما اقبل فيها و لا يحسب له منها إلا ما اقبل عليه و إن العبد ليصلي الصلاة و لا يكتب له سدسها و لا عشرها و إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها و يحصل الإقبال بحضور القلب و هو أن لا يشغله بفكر في أمر آخر غير ما هو فيه و بأن يفهم ما يقول و هو مقام تتفاوت فيه الناس و يتذكر عظمة من يخاطبه و يدعوه بحيث تحصل له هيبة في نفسه أي خوف مصدره الإجلال و الرجاء فرّب معظم سلطاناً يخاف سطوته و لكنه لا يرجو مبرّته فينبغي للعبد أن يكون راجياً بصلاته ثواب الله خائفاً بتقصيره سطوته و عقابه و إن يلتفت إلى تقصيراته و انه قد يخاطب اقل المخلوقين في حال التوجه و الالتفات و انه يخجل من الإساءة مع من احسن إليه ببعض النعم الباطلة الزائلة فيحصل له الحياء و هو أمر وراء

ص: 50

الجميع مصدره استشعار تقصير أو توهم ذنب و بهذه الأمور اعني حضور القلب و الفهم و التعظيم و الهيبة و الرجاء و الحياء يحصل الإقبال و الخشوع و السكينة و الخضوع و يكون العبد مقيماً للصلاة و لا يكون من الغافلين و بيان حقيقة هذه الأمور و أسباب تحصيلها و ما هو النافع من علاج فاقدها مذكور في كتب علمائنا رضوان الله عليهم و اكثر أهل زماننا المتسمين بالعلم فضلًا عن غيرهم في غفلة عنها و عن مراجعتها و مدارستها و مشتغلون في اغلب أحوالهم بما لا يجدي نفعاً و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا نسأل الله أن يوفقنا و إياهم لما هو خير و أبقى و الحاصل أنه ينبغي الجد في تحصيل إقبال القلب على العبادة فانه من أهم الأمور و لعل السبب في كراهة جملة من مكروهات المكان و الأفعال كما يشعر به جملة من الأخبار إنها تشغل الفكر و تفرق الحواس فتنافي الإقبال على الصلاة و التوجه لها بل لا يبعد مرجوحية الصلاة في بعض الأماكن الشريفة التي يكثر فيها اللغط و يعلو بها الضجيج و يتزاحم فيها الرجال و النساء حيث لا يضر بالمارة و إلا جاء الخطر من جهتين و ما ذاك إلا لمنافاته للإقبال على الصلاة و الخشوع فيها و الإخبات اللهم إلا لمن لا تشغله الأشغال عن التوجه و الإقبال و قليل ما هم و اقل مراتب الحضور و الإقبال أن يصرف نفسه و فكره عن الحديث بأمور الدنيا و يتصوّر وقوفه بين يدي مولاه و حديث النفس بأمور الدنيا له سببان سبب ظاهري و سبب باطني، أما الأول فيحصل من النظر إلى ما يراه من شواغل الحواس و من سماع ما يسمعه من الكلام و الأصوات و علاج هذا الأمر سهل واضح.

و أما الثاني فمنشؤه غلبة حب الدنيا و الإقبال عليها و شدة ميل النفس إليها بحيث كلما صرفها عنها رجعت و انصرفت إلى معشوقها و محبوبها و دواء هذه الداء و علاجه صعب يحتاج إلى الجهاد الأكبر و هو جهاد النفس و إلى الفكر و التأمل في أحوال الدنيا و زوالها و تبعات أموالها و وبالها و غير ذلك فعلى المصلي أن يصرف نفسه عن الاشتغال بغير ما هو فيه مهما استطاع فانه يرجى ان يكون من المقبولين إن شاء الله و لما كانت الصلاة ميزان الأعمال و عمود الدين و هي مناط قبول سائر

ص: 51

الأعمال و العبادات لأنها إن قبلت قبل ما سواها و إن ردّت ردّ ما سواها و شرط قبولها إقبال القلب عليها فإذا لم يقبل عليها لم تقبل و إذا لم تقبل لم تقبل بقية الأعمال و لم يترتب عليها اجر و لا ثواب و إن أسقطت عن المكلف الإثم و العقاب تفضّل المولى جلت آلاؤه على عباده لما علم أن أكثرهم ممن لا يحصل له الإقبال و لا يخلو فكره من الاشتغال بالأشغال و من حديث النفس و خواطر البال فجعل لهم النوافل سبباً لقبول الفرائض و تمامها كما ورد عن زين العابدين عليه السلام لما قال لأبي حمزة الثمالي: إن العبد لا تقبل منه صلاة إلا ما اقبل فيها و قال له أبو حمزة: جعلت فداك هلكنا قال عليه السلام: كلا إن الله يتم ذلك بالنوافل. و هل الإقبال شرط في قبول النوافل كالفرائض أم لا؟ توقف في ذلك بعض الفقهاء و جزم بالعدم بعض آخر و هو الأليق بسعة رحمته و الأوفق بتفضله و لطفه. و من شرائط القبول التقوى كما هو مقتضى قوله تعالى (إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) و التقوى على ما في البال من مضمون الخبر أن يجدك الله حيث أمرك و يفقدك حيث نهاك. و من شرائط القبول المحافظة على الصلوات و عدم تضيعها و التهاون بها.

و أما موانع القبول فمنها العُجب الذي هو أحد المهلكات الثلاث بل عن بعض بطلان الصلاة بالعجب المقارن. و منها الحسد و الكبر و الغيبة و أكل الحرام و شرب المسكر و اباق العبد و نشوز الزوجة و حبس الزكاة و منع الحقوق الواجبة مع التمكن من أدائها و غير ذلك من فعل المحرمات و ترك الواجبات بل بمقتضى الآية الشريفة انحصار القبول بصلاة المتقين و مقتضى جملة أخبار مستفيضة رواها الفريقان أنه لا بد مع ذلك من حصول الإقبال عليها و انه بمنزلة الروح للعبادة فإذا خلت منه كانت جسداً بلا روح.

و أما شرائط الكمال

فاعلم انه كما يكون للصلاة صحة و فساد و قبول و أجزاء يكون لها نقص و كمال أي أسباب توجب نقص الأجر و زيادته أما ما يوجب نقصان الصلاة فالعبث بالرأس و اللحية و التثاؤب و التمطي و فرقعة الأصابع و افتراش

ص: 52

الذراعين عند السجود و الاقعاء (1) بمعنييه، و في الصحيح إياك و القعود على قدميك و أن لا يقوم إلى الصلاة متكاسلًا و لا متناعساً و لا متثاقلًا و لا مدافعاً للبول و الغائط و الريح و نحوها من الخارج من أحد السبيلين و لو منع ذلك من الاستقرار بطل الصلاة و لا يتثأب زائداً على مقدار الاضطرار و لا يتنخم و لا يبصق في أثناء الصلاة و لا يتمطى و لا يتخصر و لا ينفخ موضع السجود و لا يتحرك بمقدار خطوة أو خطوتين إلا لسد الفرجة بين الجماعة و لا ينظر خلف المرأة فعنه عليه السلام انه من تأمل خلف امرأة فلا صلاة له قال الراوي يعني في الصلاة و لا يعقص شعره و لا يطبق إحدى راحتيه على الأخرى و غير ذلك.

و أما ما يوجب زيادة الأجر و الفضل فالتختم بالعقيق و التطيب و الاستياك و التمشط قبل الصلاة و غير ذلك من موجبات ارتفاع درجات الكمال التي منها أن يكون متزوجاً فإن صلاته افضل من صلاة العزب بسبعين مرة و منها أن ينظر قائماً إلى موضع السجود و راكعاً إلى ما بين القدمين و قانتاً إلى باطن الكفين و ساجداً إلى طرف الأنف و جالساً إلى باطن الحجر و منها بسط الكفين و ضم الأصابع إلا في الركوع فيفرجها و رفع اليدين لكل تكبير و نصب العنق في القيام و منها أن يصلي صلاة مودع إلى غير ذلك من السنن.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن أحيا السنن و أطاع مولاه في السر و العلن انه جواد كريم و صلى الله على سيدنا و نبينا محمد و آله الطيبين الطاهرين. جمادى الثانية سنة 1342 ه


1- الاقعاء عند أهل اللغة أن يجلس على وركيه و ينصب ركبتيه و عند أهل الحديث أن يجلس على ساقيه جاثياً و ليس على الأرض إلا رءوس أصابع الرجلين و الركبتين منه مدّ ظله.

ص: 53

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

(يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ كَمٰا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

كتاب الصيام من هدى المتقين

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي كتب علينا الصيام أيّاماً معدودات و جعله لنا سبيلا نهتدي به إلى الفوز بالنجاة و نزكّي به الأبدان من ادناس التبعات و نستعين به على رياضة الأنفس الطامحة إلى الشهوات و الصلاة و السلام على اشرف الكائنات و آله الغر الميامين الهداة (أما بعد) فهذا كتاب الصيام الذي هو من جملة الأركان التي بنى عليها الإسلام و الذي هو جنة من النيران و زكاة للأبدان به يكون النوم عبادة و النَّفس تسبيحا و العمل متقبلًا و الدعاء مستجاباً و له آداب كثيرة أهمها استعمال الجوارح في العبادات و صونها عن المعاصي و التبعات و كثرة الاستغفار و الصلاة و تلاوة القرآن و الدعاء فإن دعوة الصائم لا ترد و القيام بالأعمال الموظفة فيه من الأدعية و الأذكار المأثورة و النوافل و الاغسال و إحياء لياليه بالعبادة سيما ليالي الأفراد و خصوصاً الليالي الثلاث التي يرجى أن تكون إحداهن ليلة القدر و لا سيما الثالثة و الاعتكاف في العشرة الأخيرة و الصدقة فيه و تفطير الصائمين و التوسعة على العيال و التوسع في المطعم و المشرب فانه لا إسراف في ذلك و إظهار محاسن الأخلاق و تحمل الشتم و الأذى و التعاون على البر و التقوى فإن الحسنات تتضاعف فيه أجراً و ثواباً و السيئات تزداد وزراً و عقابا.

و من التطوع فيه الاستهلال و الدعاء عند رؤيته بالمأثور و أفضله دعاء الصحيفة الكاملة و يمتد وقت الدعاء بامتداد وقت التسمية و الأولى عدم تأخيره عن أول ليلة فإن لم يتيسر ففي الثانية فإن فاتت ففي الثالثة و ليقرأ الدعاء مستقبلًا للقبلة غير منتقل عن مكان الرؤية مخاطباً للهلال غير مشير إليه بشي ء من جوارحه.

و من المستحبات التسحر و لو بجرع الماء فإن صلوات الله على المتسحرين و هو مستحب للصائم و لو في غير شهر رمضان و كلما قرب من الفجر فهو افضل و يستحب الاستغفار و الدعاء في السحر الذي هو من افضل الأوقات و فيه يرجى استجابة الدعوات.

و منها تقديم الصلاة على الإفطار إلا مع شدة منازعة النفس إليه أو حصول الضعف أو عدم الإقبال على الصلاة أو انتظار إفطاره و يستحب أن يكون الإفطار

ص: 54

على الحلو كالتمر و الرطب و الزبيب و الماء الفاتر و الدعاء عنده بالمأثور و قراءة سورة القدر عند الفطور و السحور إلى غير ذلك من السنن و الآداب. و الصوم هو الكف عن جميع المفطرات و ان لم يعرفها تفصيلًا من طلوع الفجر الثاني إلى زوال الحمرة المشرقية بداعي امتثال أمره تعالى و وجوبه في شهر رمضان من ضروريات الدين و منكره من الكافرين و قد يجب الصوم في غيره لأسباب تأتي و قد يكون مستحباً و مكروهاً كراهة عبادة و محرماً فأقسامه أربعة و الكلام على شرائطه و أقسامه و بيان المهم من أحكامه يقع في فصول:

الفصل الأول في شرائطه

اشارة

و هي قسمان

الأول شروط الوجوب

و هي البلوغ و العقل و السلامة من خوف حدوث المرض به أو شدته أو زيادته أو طول مدته برئه و من مطلق ما أوجب مشقة لا تتحمل عادة أو ضرراً في نفس أو عرض محترمين و نحوهما من الشرائط الخلو من السفر الموجب للقصر عدا ما استثني و الخلو من الإغماء و لو في بعض النهار و من الحيض و النفاس كذلك و أما الطهارة منهما فهي من شرائط الصحة و لو عرض ما يسقط معه الوجوب بسبب اختياري من المكلف فالاحوط القضاء و إن كان الأقرب سقوط التكليف مع تأثيم الفاعل و من الشرائط حلول الوقت الذي يصح فيه الصوم و هو النهار غير العيدين و نحوهما فلا يشرع ليلًا و لا ملفقا منهما و لا إدخال شي ء من الليل إلا بقصد المقدمية.

الثاني شرائط الصحة

و هي شروط الوجوب المتقدمة إلا في المميز فيصح منه مع شروط آخر منها الإسلام و الإيمان فلا يصح من غير المؤمن و سقوط القضاء عن غيره إذا استبصر مع إتيانه بالصحيح على مذهبه لا يستلزم الصحة و منها عدم الاصباح على جنابة عمداً أو على حدث حيض أو نفاس على التفصيل الآتي و يصح من المستحاضة إذا أتت بما عليها من الاغسال الواجبة النهارية.

ص: 55

و منها اعتبار أموراً أخر كخلوّه من الرياء و أن لا يزاحمه واجب أهم و أن يكون الزمان قابلًا له و إذن المالك و نحوه في المندوب و فراغ ذمة من أراده من قضاء شهر رمضان لا من الواجب بإجارة و نحوها.

و من شرائط الصحة مطلقاً النية و هي القصد إليه مع القربة و الإخلاص و يعتبر فيها التعيين فيما عدا شهر رمضان تعدد الواجب و اتحد تعين وقته أو لم يتعين و الاحوط الجمع بين النية لكل يوم من شهر رمضان و نية واحدة لجميع الشهر و ايقاعها ليلًا أو ما بحكمه على وجه يتحقق سبقها على الفجر و لا يمضي جزء من النهار بغير نية نعم يجوز تجديدها فيه إلى الزوال إذا كان تأخير العذر كجهل و نسيان و نحوهما و كذا في غيره من المعين و في الواجب غير المعين يجوز التجديد إليه اختياراً مع عدم تناول المفطر و لا يجوز تأخيرها في شهر رمضان و غيره من المعين عمداً و لو أخرها إلى ما قبل الزوال كذلك ففي صحة صومه إشكال و يلزم الاستمرار عليها و لو حكماً و لا يقدح الذهول و لا النوم و إن اتصل إلى ما قبل الغروب و لو استوعبا النهار كله فالأقوى الصحة مع سبق النية في جزء من الزمان المتقدم و استدامتها و لو نوى الرياء من الليل أو في بعض النهار فسد صومه و في صحته لو جدد النية قبل الزوال إشكال و الاحتياط لا يترك و كذا لو عزم على الإفطار في أثناء النهار أو آخره أو تردد في الصوم و يجري هنا ما مر من الإشكال و الاحتياط في التجديد قبل الزوال و يجوز في قضائه تأخيرها عمداً إلى الزوال إذا كان غير متناول للمفطر ثمّ يفوت وقتها و في المندوب يمتد وقتها إلى الزوال بل إلى قبيل الغروب و يوم الشك يصام بنية الندب من شعبان و لو انكشف انه من شهر رمضان اجزأ و لو صامه بنية الوجوب إن كان من شهر رمضان و الندب إن لم يكن بحيث يكون الترديد في النية لم يجزه عن أحدهما بخلاف ما لو أتى به بقصد امتثال الأمر الواقعي و إن تردد في المنوي فانه يجزيه على كلا التقديرين و لو اصبح بنية الإفطار و لم يستعمل المفطر فبان انه من شهر رمضان نواه منه ما لم تزل الشمس و أجزأه و لو بان بعد الزوال امسك واجباً و إن كان متناولًا للمفطر و عليه قضاؤه و إن لم يتناوله.

ص: 56

الفصل الثاني فيما يمسك عنه الصائم

اشارة

و هو قسمان

قسم يجب الإمساك عنه و قسم يستحب و الأول منه ما هو مفسد للصوم و منه ما ليس بمفسد و المفسد منه ما يوجب القضاء فقط و منه ما يوجب القضاء و الكفارة فهاهنا مقامان:

المقام الأول فيما يجب الإمساك عنه
اشارة

و فيه مباحث:

المبحث الأول فيما يفسد الصوم و ينافيه
اشارة

و هو قد يكون منافياً للصحة و الأجزاء و قد يكون منافياً للقبول و الكمال

(أما ما ينافي الصحة)
اشارة

و يوجب البطلان فيه أمور تعرف بالمفطرات و هي التي يجب في النية قصد الإمساك عنها و لو إجمالًا

(أولها و ثانيها) الأكل و الشرب

أي ابتلاع أي شي ء كان معتاداً أو غير معتاد قليلًا أو كثيراً و لو من الأنف و نحوه و لا بأس بما لا يتعدى الحلق من ذوق مرق أو مضغ طعام أو زق طائر و نحو ذلك كما لا بأس بما يتعداه من الريق و لو بعد جمعه في الفم ما لم ينفصل عنه

(ثالثها) الجنابة عمداً

و تحصل بإنزال المني سواء كان باستمناء أو ملامسة أو استمتاع مع القصد أو العادة و بالجماع قبلًا أو دبراً واطئاً أو موطوءا حيّاً أو ميتاً إنساناً أو بهيمة على الاحوط و يتحقق بغيبوبة الحشفة أو ما بحكمها من الفاعل في الآخر و المكره زوجته صائمين يتحمل الكفارتين و يعزر و لا فساد بادخال غير الذكر و لا بادخاله في غير الفرجين و لا بالاحتلام في النهار و الاحوط المبادرة إلى الغسل.

(رابعها) إيصال الغبار الغليظ

بل مطلقاً على الاحوط إلى الجوف و كذا دخان التتن و نحوه على الأقرب و هو من الشرب بالمعنى المتقدم.

(خامسها) الكذب على الله و رسوله و خلفائه أئمة الهدى عليهم السلام

و كذا باقي الأنبياء و الأوصياء نطقاً أو كتباً أو إشارة في أمر ديني أو دنيوي رجع إلى الصدق فوراً أم لا.

(سادسها) رمس الرأس دفعة أو تدريجاً إلى أن حصل تمامه تحت الماء

سواء كان وحده أو مع باقي البدن في الماء المطلق بل و المضاف على الاحوط دون باقي المائعات و المراد من الرأس مجموع ما فوق الرقبة و لا يقدح غمس أجزائه على التعاقب بأن يغمس جزء منه بعد إخراج الآخر.

(سابعها) الاحتقان بالمائعات خاصة

و لا بأس بوصول الدواء إلى الجوف من جرح أو بواسطة إبرة و نحوهما.

(ثامنها) تعمد القي ء

ص: 57

و المدار على الاسم و لو اضطر إليه فلا أثم بل قد يجب و إن أفسد و لو سبقه قهراً و لم يرجع منه شي ء إلى الجوف اختياراً فلا شي ء عليه إلا إذا كان بواسطة استعماله ليلًا ما يعلم انه يبعث عليه نهاراً.

(تاسعها) تعمد البقاء على الجنابة من غير ضرورة

و لا فقد للطهورين حتى يطلع الفجر من يوم يجب صومه من شهر رمضان و قضائه بل الأقرب البطلان في قضائه بالإصباح جنباً و إن لم يكن عن عمد كما إن الأقرب إلحاق الواجب المعين بشهر رمضان و الموسع بقضائه و من أجنب في وقت يعلم انه لا يسع الغسل و لا

التيمم فهو كالمتعمد و لا فرق في تعمد البقاء بين أن يبقى مستيقظاً أو ينام عازماً على أن لا يغتسل و لو عاد إلى النوم بعد انتباهتين فهو كمتعمد البقاء مطلقاً على الأقوى و لو ظن السعة فأجنب أو أخر الغسل ثمّ بآن الضيق تيمم و صح صومه بل يصح بدونه لو فاجأه الفجر و إن كان القضاء مع عدم المراعاة لا يخلو عن وجه و لو لم يجد المجنب الماء أو ضاق الوقت عن استعماله تيمم و لو تركه كان كتارك الغسل و المتيمم لا يجب عليه البقاء مستيقظاً حتى يصبح و إن كان الأقرب أن لا ينقضه بالنوم كما لا يجوز له نقضه بغيره من النواقض و حدث الحيض و النفاس بعد النقاء كحدث الجنابة فيما ذكر و حصول نقائها في وقت لا يتسع لغسل و لا بد له أو العلم به كذلك كالجنابة أيضاً يصح معه الصوم المعين و أما المستحاضة فتتوقف صحة صومها على أغسالها النهارية بل الأولى لها تقديم غسل صلاة الصبح على الفجر و فعلها في أول وقتها و مع الفصل بغير نافلتها تعيد الغسل و لا تتوقف صحة صومها على غير ذلك من الأعمال التي تتوقف عليه صحة صلاتها.

إكمال

كل ما ذكر انه من المفطرات فإنما هو في حال العمد بأن يكون مختاراً متذكراً لصومه إلا البقاء على الجنابة فعلى ما مر و إلا سبق الماء في المضمضة لغير الصلاة و إن كان ذلك عن جهل أما لو كان عن نسيان أو عن غير قصد فلا فساد و المكره اكراهاً يرتفع معه الاختيار كالموجر في حلقه لا يبطل صومه بخلاف المكره على تناوله بنفسه بقتل أو جرح أو نحوهما فانه يفطر لو تناوله و يقضي و لا أثم عليه و لا كفارة و كذا فيما

ص: 58

لو تناوله تقية بخلاف ما لو افطر بالغروب قبل زوال الحمرة تقية و إن كان القضاء أيضاً هو الأقرب و من العمد ما لو أكل ناسياً ثمّ تناول المفطر لظنه فساد صومه.

و أما ما يجب الإمساك عنه لمنافاته القبول أو الكمال لا الصحة و الإجزاء

فهو جميع المحرمات و القبائح و المحضورات فانه يتأكد على الصائم سيما في شهر رمضان وجوب الكف عنها فقد استفاض عن أهل بيت العصمة عليهم السلام إن الصيام ليس من الطعام و الشراب وحده فإذا صمت فليصم سمعك و بصرك من الحرام و القبيح و في آخر و شعرك و جلدك و عدّ أشياء غير هذا و لا يكون يوم صومك كيوم فطرك و سمع صلّى الله عليه و آله و سلّم امرأة تسب جارية لها و هي صائمة فدعا بطعام فقال لها كلي فقالت: أني صائمة فقال: كيف تكونين صائمة و قد سببت جاريتك؟ ان الصوم ليس من الطعام و الشراب فقط. و عن أبي جعفر عليه السلام إن الكذبة لتفطر الصائم و النظرة بعد النظرة و الظلم قليله و كثيره إلى غير ذلك من الأخبار فيتأكد على الصائم وجوب كف لسانه و سمعه و بصره و سائر جوارحه عن المحرمات فإن الاقتصار على الإمساك عن المفطرات لا يجديه إلا في إسقاط القضاء فليتحرز الصائم الذي يرجو نجاح آماله و قبول أعماله من الغيبة و النميمة و الكذب و السب و الفحش و الجفاء و الخصومة و المراء و أذى الخادم و الجار و يجتنب المعاصي و السيئات فإنها إذا صدرت من الصائم عظمت وزره و أسقطت اجره و لم يكن له من صومه إلا الجوع و العطش و تأخير الطعام من وقت إلى وقت آخر.

المبحث الثاني فيما ليس بمفسد للصوم و لا موجب للقضاء و الكفارة

و هو أمور منها: الإفطار لقطع أو غلبة ظن بدخول الوقت و كانت في السماء علة ثمّ بان الخلاف فانه لا يبطل صومه.

و منها ما مرّ في فعل شي ء من المفطرات ناسياً.

و منها نوم المجنب ليلًا ناوياً للغسل حتى طلع الفجر في النومة الأولى.

و منها سبق الماء إلى الجوف في المضمضة للصلاة مطلقاً في الوضوء و الغسل بخلاف المضمضة لغيرها.

ص: 59

و منها تناول المفطر بعد مراعاة الفجر و عدم رؤيته فانه يصح صومه و لو صادف الفجر و لا قضاء عليه.

المبحث الثالث في المفسد الموجب للقضاء
اشارة

خاصة في شهر رمضان و نحوه من الواجب المعين و هو أمور

(أحدها) فعل المفطر قبل مراعاة الفجر

مع القدرة عليها و العجز عنها و المعرفة به و عدمها ثمّ يظهر سبق طلوعه.

(ثانيها) نسيان من جامع أول ليلة من شهر رمضان الغسل حتى مضت أيام

أو مضى الشهر كله فإن عليه أن يغتسل و يقضي صلاته و صومه إلا أن يكون و قد اغتسل لجنابة أخرى و نحوها فانه يقضي إلى ذلك اليوم.

(ثالثها) تناوله اعتماداً على خبر من اخبر بعدم الطلوع

و لو كان بينة ثمّ بان طلوعه.

(رابعها) الأذن في الإفطار شرعاً

كالارتماس لإخراج نفس محترمة و نحوه.

(خامسها) الإفطار لظلمة موهمة

قطع معها بدخول الليل فبان الخطأ و لم تكن في السماء علة.

(سادسها) الإفطار لمن اخبر بدخول الليل مع جواز العمل بقوله لعذر

كالعمى أو لأنه عدل أو عدلان.

(سابعها) ترك العمل بقول من اخبر بطلوع الفجر

لزعمه سخريته أو كذبه ثمّ بان صدقه و لو كان المخبر عدلين لم يتوقف القضاء على تحقق سبق الطلوع بل يكفي فيه عدم تبين خلافه.

(ثامنها) إدخال الماء إلى الفم بمضمضة أو غيرها لا للصلاة

بل للتبرد و نحوه فسبقه و دخل الجوف و لا يلحق غير الماء به في ذلك فلا يجب القضاء فيه كما لا يلحق الاستنشاق للتبرد بالمضمضة له.

(تاسعها) ان ينتبه من نومه مجنباً ثمّ ينام ثانياً

ناوياً للغسل حتى يطلع الفجر فإن عليه القضاء.

المبحث الرابع فيما يوجب القضاء و الكفارة معا

و هو تعمد أحد المفطرات السابقة اختياراً عدا النومة الثالثة فإن من نام مجنباً و نوى الغسل ثمّ انتبه فنام ثانياً كذلك ثمّ انتبه فنام ثالثاً كذلك حتى طلع الفجر كان عليه القضاء و الكفارة على المشهور و الأقوى وجوبهما مع نية العدم أو مع الجزم بعدم الانتباه أو اعتياده و لا تجب الكفارة في شي ء من الصيام عدا شهر رمضان و قضائه بعد الزوال و النذر المعين وصوم الاعتكاف إذا وجب.

ص: 60

المقام الثاني فيما يستحب الإمساك عنه

و لو فعله لم يكن مفطراً و لا منافياً للصحة نعم لا يبعد منافاته لكمال الصوم و إن كان من المحتمل كراهته في الصوم مع عدم تأثيره نقصاً في كماله أو قبوله و على أي حال فالذي يستحب الإمساك عنه في الصوم و يكره فعله فيه أمور (منها) السعوط و الكحل الذي فيه مسك أو صبر و شم الرياحين سيما النرجس و استدخال الأشياء الجامدة و الفتائل و الاحوط التجنب و تقطير الدهن في الأذن و صبه في الاحليل و استعمال ما يوجب ضعفاً أو اغماءً كدخول الحمام و نزع الضرس و إخراج الدم المؤدية إلى ذلك و لو لم يخش ضعفاً و لا ثوران مرة فلا بأس و كما يكره للصائم أن يحتجم يكره له أن يحجم و لا بأس بها ليلًا. (و منها) بل الثوب على الجسد بخلاف بله بالماء و جلوسه فيه و أما المرأة فالاحوط لها ترك الجلوس فيه. (و منها) القبلة و ملاعبة النساء و مباشرتهن لمساً و تقبيلًا إذا لم يقصد الإنزال بذلك و لم يكن من عادته حصوله بها و الإجابة حرام. (و منها) المضمضة و الاستنشاق لغير الصلاة. (و منها) إنشاد الشعر و روايته في شهر رمضان و في مطلق الصوم و لا سيما في الليل و في يوم الجمعة و إن كان شعر حق و في رواية أخرى و إن كان فينا و حمل على التقية و عليه فلا تكره روايته و إنشاده في أهل البيت عليهم السلام.

الفصل الثالث في أقسامه

اشارة

و هي أربعة

نذكرها في أربعة مقامات:

المقام الأول في الصوم الواجب
اشارة

و هو أقسام نذكر منها ثلاثة (الأول) صوم شهر رمضان. (و الثاني) صوم القضاء الواجب و لو تحملًا عن القرابة. (و الثالث) صوم ما وجب لعارض كنذر و نحوه مما ألتزمه بعهد أو يمين أو إجارة أو نحوها. و أما صوم الاعتكاف الواجب وصوم الكفارات وصوم دم المتعة فيأتي ذكرها إن شاء الله في مواضعها. (أما الأول) و هو

ص: 61

صوم شهر رمضان فيجب عند حلوله و يتحقق بأحد أمرين (الأول) رؤية هلاله و لو انفرد بها رؤية متعارفة فلو كان ممن يرى النجم في النهار أو كانت رؤيته بآلة يبصر بها ما لا يرى عادة ففي اعتبار رؤيته و قبول شهادته إشكال و الاحتياط لا يترك و تثبت الرؤية بالشياع المفيد لليقين و بشهادة الرجلين العدلين و لا يترك الاحتياط في أخبار العدل الواحد و بحكم الحاكم إلا مع العلم بخطئه في بعض مقدمات الحكم و لا عبرة بالتنجيم و غيره إلا إذا حصل منها القطع به و لا برؤيته قبل الزوال على المشهور للمستقبلة و بعده لليلة الماضية و يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان. (و الثاني) مضي ثلاثين يوماً من شعبان فإذا مضى منه ثلاثون يوماً أو تحققت الرؤية على النحو

المتقدم وجب الإمساك على من جمع الشرائط السابقة من الفجر الثاني إلى زوال الحمرة المشرقية عن جميع المفطرات مع النية كل يوم من الشهر المذكور حتى يرى هلال شوال أو يمضي منه ثلاثون يوماً و يستحب للمسافر المتناول للمفطر تأدباً إذا قدم بلده أو بلداً يعزم على الإقامة فيه عشراً و للمريض كذلك إذا برأ و للحائض و النفساء و الكافر و الصبي و المجنون و المغمى عليه إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار و لا يجب عليهم الصوم إلا مع زوال العذر قبل الفجر و لا يجب على المريض مع خوف الضرر المعتد به بل يلزمه الإفطار و لو تكفله لم يجزه و كذلك المسافر الجامع للشرائط المعتبرة في قصر الصلاة إلا إذا صامه جهلًا بالحكم أو سافر بعد الزوال و يشترط في قصر الصوم مضافاً إلى اجتماع شرائط قصر الصلاة خروجه قبل الزوال و لا يلزم تبيت نية السفر و لا يتناول المفطر حتى تتوارى عنه جدران البلد الذي خرج منه أو يخفى عليه آذانه و العبرة بالرؤية و السماع المتعارفين في الوقت المتعارف و يكره السفر الموجب للإفطار في شهر رمضان حتى تمضي ليلة ثلاث و عشرين إلا لضرورة أو طاعة كقضاء حاجة مؤمن أو تشييعه أو استقباله و للحج و العمرة و زيارة الأئمة الطاهرين و صالحي مواليهم و لا يقع في شهر رمضان غيره حتى من مسافر نذر الصوم في السفر.

إلحاق الشيخ و العجوز مع العجز أو المشقة الشديدة يفطران و يفديان عن كل يوم بمد من طعام و لا قضاء عليهما و يقضيان مع القدرة على الاحوط و ذو العطاش و

ص: 62

ذاته كذلك و الاحوط أن يقتصرا على ما تندفع به الضرورة و يقضيان لو برءا و كذا الحامل و المرضعة إذا خافتا على النفس أو الولد و عليهما القضاء مع زوال العذر.

(و أما الثاني) و هو الصوم قضاءً عن النفس و تحملًا عن القرابة ففيه مبحثان (الأول) يشترط في وجوب القضاء عن النفس مع الفوات مطلقاً حال التكليف و الإسلام الصحة فيما بين شهر رمضان الذي فاته الصوم فيه و بين شهر رمضان الذي بعده بقدر ما فات فلو استمر المرض إلى الثاني فلا قضاء و لكن عليه لكل يوم مدّ من طعام و الأفضل مدّان و لا يلحق بالمرض غيره مع الأعذار الموجبة للفوت لو استمر فيجب القضاء و إن استمرت و في إلحاق استمرار خوف المرض و نحوه بذلك إشكال و لو قارنت أيام الصحة سفراً واجباً لا تمكنه الإقامة في أثنائه أو حيضاً أو نفاساً و استوعب المرض باقي الأيام فالاحوط القضاء و كذا لو كان يصح ليلًا و يمرض نهاراً تمام السنة أو صح بقدر بعض ما عليه من الأيام الفائتة أو صح في شهر رمضان الثاني ثمّ مرض ثاني العيد و استمر مرضه و لو امكنه القضاء فيما بين شهر رمضان الماضي و الحاضر فلم يفعل صام الحاضر و قضى ما عليه و كفر سواء ترك القضاء تهاوناً أو تسويفاً لظنه استمرار الصحة فعرض له المرض أو عذر آخر و يجوز الإفطار في قضاء شهر رمضان ما لم يتضيق حتى تزول الشمس فإذا زالت لزمه المضي مطلقاً فلو افطر لغير عذر اطعم عشرة مساكين و لو عجز صام ثلاثة أيام و الاحوط اختيار اطعام الستين و لا تجب المبادرة في القضاء و لا التتابع و إن استحب و لا الترتيب نعم قد يجب خصوص ما فات من شهر رمضان عند التضيق بل لا يجوز التطوع بشي ء من الصيام لمن عليه شي ء من قضائه.

(المبحث الثاني) يقضى عن الميت من لا ذكر من ولده اكبر منه

و إن لم يكن له سواه ما فاته من صوم واجب من شهر رمضان و غيره لمرض و غيره مما تمكن من قضائه و لم يقضه إلا إذا مات في سفره فانه يجب قضاؤه و إن لم يتمكن منه و لو مات في مرضه استحب القضاء عنه و لو كان له وليان أو اكثر فالقضاء بالحصص و اليوم الزائد لو اتفق يجب قضاؤه على أحدهما أو أحدهم كفاية و لو قام به غير الولي تبرعاً

ص: 63

صح و سقط عن الولي و كذا لو استأجره الولي أو غيره و ينويه الأجير عن الميت لا عن الولي أو أوصى الميت بالقضاء عنه و لا يسقط إلا بأداء الأجير و لو تبرع الولي هنا صح و صرف المال المعين لذلك في وجوه البر و لو كان على الميت شهران متتابعان تعيناً إلا إذا كان من كفارة مخيرة و يجوز أن يقضي الولي شهراً و يتصدق من مال الميت عن كل يوم من الشهر الآخر بمدّ على إشكال.

(و أما الثالث) و هو صوم ما وجب بالعارض لنذر و شبهة و إجارة و نحوها ففيه مبحثان: (الأول) في النذر و شبهه و يجب الوفاء به و بالعهد و اليمين مع حصول الشرائط المقررة في محلها فلو عيّن عدداً تعين أو زماناً أو مكاناً راجحين تعيناً و لو نذر صوماً مكروهاً انعقد و وجب الوفاء به و يجري في المعين كنذر يوم بعينه أو أيام كذلك ما يجري في صيام شهر رمضان من الأحكام و لو كان الملتزم به يوماً خاصاً فانكشف انه أحد العيدين أو صادف حيضاً و نحوه سقط وجوبه و كذا لو علقه على شرط فلم يحصل و لو التزم بصوم شي ء من شهر كذا من غير تعيين للمقدار أو بصوم مطلقاً أو أجزأه اليوم الواحد و لو نذر أياماً كفت الثلاثة و لا تلزم المتابعة إلا مع نذرها فتلزم و لو أخل بها لا لعذر استأنف إلا إذا نذرها في القضاء.

(المبحث الثاني) في صوم النيابة بالإجارة و قد تقدم صومها في القرابة و يشترط في النائب العقل و الإيمان و البلوغ أو التمييز مع استئجاره من الولي و لكن الاحوط عدم استنابته لعدم الاعتماد عليه في أداء الواجب و تجوز نيابة الرجل عن الرجل و المرأة و كذلك المرأة و يستحق النائب تمام الأجرة بعد تمام العمل و لو تعارف تقديمها أو بعضها جرى عليها حكم المشترط قبل العمل و تجب عليه المباشرة بنفسه مع اشتراطها عليه و لا تلزم مع الإطلاق و العلم بإرادة حصول الفعل في الخارج من أي مباشر كان و لو استناب الأجير حيث يجوز له ذلك فلا يستأجر بأقل مما استؤجر به على الاحوط إلا مع إتيانه ببعض العمل و لو اشترط المؤجر زماناً أو مكاناً معينين راجحين أو مرجوحين تعيناً و لو استؤجر على صيام شهر غير معين و نحوه صح و لا يجب البدار إليه و لا المتابعة بين أيامه إلا مع الشرط و نحوه و لا تفرغ ذمة المنوب عنه بمجرد الاستئجار و

ص: 64

تصح الإجارة بطريق المعاطاة و يلزم تعيين المنوب عنه بوجه من وجوهه و لا تلزم التسمية بخصوصها و الواجب استئجار الشخص المؤدي و إن لم يكن عادلًا بالأجرة المتوسطة و لا يجب طلب الأقل و لا الأفضل و يجوز للنائب أن يؤجر نفسه لواحد و اكثر و إن اشتغلت ذمته بقضاء عن نفسه أو عن غيره واحداً أو اكثر و لا يجب الترتيب بين ما عليه من المتقدم و المتأخر نعم يجب التعيين مع اتحاد المنوب عنه و تعدده ونية النيابة كما سبق و تصح استنابة جماعة عن واحد من غير ترتيب بينهم في ذلك و لا تجوز النيابة عن الأحياء في الصيام نعم يجوز إهداء ثوابه لهم و للأموات و لا يمنع صوم الإجارة عن المستحب.

المقام الثاني في الصوم المندوب
اشارة

يستحب صوم جميع أيام السنة إلا العيدين و أيام التشريق لمن كان بمنى و قد ورد الترغيب في الصيام عموماً و محبوبيته و مزيد الثواب و الأجر عليه و الفوائد الدينية و البدنية فيه ما لا يحصى من الأخبار مضافا إلى ما ورد في بعض أفراده بالخصوص من الأخبار و النصوص مما يدل على تأكد الاستحباب فيها و زيادة الأجر عليها و المهم أن نذكر شيئاً من أحكام الصوم المندوب و بعض ما يتأكد فيه الاستحباب من أفراده و ذلك في مبحثين:

المبحث الأول يعتبر فيه ما يعتبر في الصوم الواجب من الشرائط

و تجري فيه ما تجري فيه من الأحكام إلا ما استثنى و يشترط فيه مضافاً إلى تلك الشرائط أمور (الأول) فراغ الذمة من قضاء شهر رمضان و لو نذره زال المنع و لا يمنع منه اشتغال الذمة بصوم الإجارة و إن قلنا إن الاشتغال بمطلق الصوم الواجب مانع منه. (الثاني) أن لا يكون الوقت معيناً لغيره. (الثالث) عدم حصول منع ممن له المنع منه كأحد الأبوين و المولى و نحوهما و لا يصح شي ء منه في السفر إلا بنذره فيه و إلا ثلاثة أيام لصوم الحاجة في المدينة و يجوز الإفطار فيه و لو بعد الزوال على كراهة إلا إذا دعاه الأخ المؤمن فانه يستحب له الإفطار و يستحب كتم الصوم المندوب.

ص: 65

المبحث الثاني قد أشرنا إلى إن من الصوم المندوب ما لا يختص بوقت معين و لا بسبب خاص

و هو جميع الأيام إلا ما استثنى و أما ما يختص بأوقات معينة يتأكد فيها الاستحباب و يتضاعف الرجحان فضروبه كثيرة (منها) صوم ثلاثة أيام من الشهر و هي من افضل أفراد الصيام إن لم تكن أفضلها و عليها كان عمله صلّى الله عليه و آله و سلّم حتى قبض و هي أول خميس من الشهر و آخر خميس منه و أول أربعاء من العشرة الثانية و المواظبة عليها يعدل صوم الدهر و تختص باستحباب قضائها لمن فاتته بمرض دون باقي أفراده فلا يقضى شي ء منها و لو قضاها في مثلها نال فضيلتهما و لو عجز عنها لكبر أو عطش استحب أن يتصدق عن كل يوم بمدّ من طعام أو بدراهم. (و منها) صوم أيام الليالي البيض و صوم ثلاثة من الشهر وصوم ثلاثة أيام للحاجة سيما في المدينة المنورة و لو للمسافر و منها صوم رجب كله أو بعضه و صوم شعبان كذلك و صلة صومه بصوم شهر رمضان. (و منها) الصوم عند الشدة و النازلة و عند ضيق اليد لما روي من ان بعضهم شكا إلى الكاظم عليه السلام ضيق يده فقال له صم و تصدق. (و منها) صوم يوم و يوم لا. (و منها) صوم يوم الغدير و هو عيد الله الأكبر فانه صومه يعدل صوم ستين سنة و في رواية صوم الدنيا و يوم المبعث و هو السابع و العشرون من رجب و يوم المولد الشريف و هو السابع عشر من شهر ربيع الأول و يوم الدحو و هو بسط الأرض و هو الخامس و العشرون من ذي القعدة. وصوم يوم المباهلة الرابع و العشرون من ذي الحجة و غير ذلك مما هو مذكور في المصباح و الإقبال و غيرهما.

المقام الثالث في الصوم المكروه

أي قليل الثواب و هو صوم يوم عاشور تامّاً منويّاً وصوم يوم عرفة لمن خاف أن يضعفه عن الدعاء و لمن شك في هلال ذي الحجة وصوم الضيف بدون إذن من مضيفه و كذا العكس لقوله صلّى الله عليه و آله و سلّم لا ينبغي لمن عنده ضيف أن يصوم إلا بإذنه بناء على عود الضمير إلى الموصول لا إلى الضيف كما هو الظاهر. (و منها) صوم الولد بدون إذن والده بل الاحوط تركه مع نهيه بل يحرم إذا كان إيذاءً له و يجري الحكم في ابن الأب بالنسبة إلى الجد و كذا يحرم مع كونه إيذاء للأم. (و منها) صوم ثلاثة أيام بعد عيد الفطر و بعد عيد الأضحى و أما ما في قواعد الشهيد من إنه روي عن النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم انه من صام رمضان و اتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر فينبغي تأخيرها عن الثلاثة

ص: 66

و يبقى الاستحباب لشمول اللفظ و إن قال رحمه الله في القواعد إن الأفضل عندنا أن تلي العيد بلا فصل فإن ما ذكرناه هو مقتضى الجمع في الأخبار و يظهر من زاد المعاد إن تركها أجود و لكن الأظهر ما ذكرناه.

المقام الرابع في الصوم المحرم

و أفراده كثيرة منها صوم عيدي الفطر و الأضحى. (و منها) صوم أيام التشريق لمن كان بمنى أو في مكة و هي الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر من ذي الحجة و لا بأس بصيامها لمن كان في غيرهما. (و منها) صوم اليوم الذي يشك في انه من شهر رمضان بنية انه منه. (و منها) صوم الوصال بأن يصوم إلى السحر أو يومين و الليلة التي بينهما. (و منها) صوم الصمت بأن يصوم صامتاً إلى الليل متقرباً بصمته كذلك. (و منها) صوم الدهر مع إدخال العيد و صوم المتضرر بصومه كالمريض و الحامل و المرضعة و المسافر الذي يتعين عليه الإفطار و الزوج الواجب عليه الجماع في النهار بعد أربعة اشهر و صوم وفاء نذر المعصية بأن ينذر الصوم إذا تمكن من الحرام أو ترك الواجب و صوم العبد و الزوجة و الولد مع نهي المالك و الزوج و الأب و غير ذلك مما يعرض له التحريم.

الخاتمة في أمور

(الأول) يستحب وداع شهر رمضان في وقتين

(الأول) في آخر جمعة منه و يجزيه أن يقول اللهم لا تجعله آخر العهد من صيامنا إياه فإن جعلته فاجعلني مرحوما و لا تجعلني محروماً.

(و الثاني) في آخر ليلة منه فإن خاف أن ينقص الشهر جعله في ليلتين.

(الثاني) من تمام الصوم إعطاء زكاة الفطر

فعن الصادق عليه السلام إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني الفطرة كما ان الصلاة على النبي من تمام الصلاة لأنه من صام و لم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمداً و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي إن الله قد بدأ بها قبل الصلاة فقال قد افلح من تزكى و ذكر اسم ربه فصلى و في خبر آخر من ختم صيامه بعمل صالح تقبل الله منه صيامه و إن العمل الصالح إخراج الفطرة.

ص: 67

(الثالث) ليلة العيد من الليالي الشريفة

فيستحب إحياءها بالعبادة و الغسل فيها عند الغروب و صلاة ركعتين بالفاتحة و التوحيد ألف مرة في الأولى و مرة واحدة في الثانية ثمّ يسجد و يقول ما هو الماثور و تستحب زيارة الحسين عليه السلام و الأولى أن لا يترك التكبير عقيب المغرب و العشاء و صلاة الصبح و صلاة العيد و هو أن يقول الله اكبر الله اكبر لا اله إلا الله و الله اكبر الله اكبر و لله الحمد على ما هدانا. (و أما أعمال يوم العيد) فأهمها إخراج الفطرة على ما يأتي بيانه إن شاء الله و له أعمال و داعية تطلب من مظانها و الله الموفق و المعين و الحمد لله رب العالمين و الصلاة على محمد و آله الطاهرين.

قال تعالى

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

(وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْقٰائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ)

كتاب الاعتكاف

و هو اللبث في أحد المساجد يقصد العبادة و يصح في كل وقت يصح فيه الصوم و افضل أوقاته شهر رمضان و أفضله العشر الأواخر فإن اعتكافها يعدل حجتين و عمرتين و لا بد فيه من نية القربة و محلها قبل الفجر أو الغروب من ليلة اليوم الأول و الصوم و لو لغيره عن غيره فلا يصح في زمان لا يصح فيه الصوم و لا ممن لا يصح منه و العدد و اقله ثلاثة أيام متوالية و يدخل فيها الليلتان بينهما و الاحوط ضم السابقة و المكان و الاحوط الاقتصار منه على المسجدين الحرمين دون الزيادتين فيهما و مسجد

ص: 68

الكوفة و مسجد البصرة و استدامة الإقامة في موضع الاعتكاف فلو خرج منه أبطله إلا لقضاء حاجة أو ضرورة أو طاعة و يتحرى اقرب الطرق و لا يجلس لو خرج و لا يمشي تحت ظل اختياراً و لا يبطل لو خرج ناسياً أو مكرها و إذن من يعتبر اذنه كالمولى و الزوج و نحوهما و لا يجب بأصل الشرع و إنما يجب بنذر و شبهة و بمضي يومين من المندوب و بإجارة و نحوها و المحرم منه ما ابتدع بزيادة أو نقصان أو كيفية غير مشروعة و يحرم على المعتكف الاستمتاع بالنساء و استدعاء المني و البيع و الشراء و الممارات إلا لإظهار الحق و الإرشاد إليه و شم الطيب و الرياحين ليلًا و نهاراً أو يفسده ما يفسد الصوم نهاراً و لو جامع فعليه كفارة شهر رمضان ليلًا كان أو نهاراً إذا كان الصوم للاعتكاف و قد مضى منه يومان إلا فإن كان الصوم في نفسه ذا كفارة وجبت كفارته و إن لم يمض اليومان فلو مضيا وجبت كفارته و كفارة الاعتكاف فلو كان الصوم منذوراً في يوم معين أو كان الاعتكاف منذوراً في أيام معينة وجبت كفارة خلف النذر وحدها إن لم يمض اليومان و كفارته و كفارة الاعتكاف إن مضيا و لو كان الصوم في نفسه ذا كفارة كشهر رمضان أو قضائه بعد الزوال و قد عينه بالنذر و مضى يومان لزمته ثلاث كفارات و لو افطر قبل الثالث بعد الزوال فعليه كفارتان و إن كان قبله فواحدة و قد يجتمع عليه اكثر من ثلاث كفارات كما لو اكره زوجته في شهر رمضان فظهر ان المعتكف إذا جامع فقد لا تكون عليه كفارة و قد تكون واحدة و قد تتعدد مثنى و ثلاث و رباع و لو عممنا التحمل بإكراه الزوجة كانت ستاً و في وجوب كفارة الاعتكاف بغير الجماع تردداً أقواه العدم و يستحب للمعتكف اشتراط الاحلال إن عرض له عارض كالمحرم فإن شرط و عرض عارض جاز له الرجوع و لو بعد يومين و لا قضاء إلا إذا كان لم يشترط و لو زاد على الثلاثة يومين وجب الثالث و كذا كل ثالث و لو نذر اعتكاف يوم بنفي الزائد بطل و لو نذره لا بشرط ضم إليه يومين آخرين و لو مرض المعتكف أو حاضت المرأة خرجا و يقضيان إذا كان واجباً و المطلقة رجعياً مع عدم كون الاعتكاف واجباً معيناً تخرج إلى منزلها للعدة ثمّ تقضي مع وجوبه و الله تعالى هو العالم.

ص: 69

كتاب العبادات

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله الطاهرين.

(أما بعد) فهذا كتاب العبادات اللسانية و أهمها التلاوة و الذكر و الدعاء التي هي من اعظم العبادات و أجل الطاعات و فيها فصول:

الفصل الأول في المهم من الأمور المتعلقة بالقرآن الشريف

اشارة

الذي هو افضل من جميع الكتب السماوية و فيه مباحث:

المبحث الأول في جملة مما يتعلق به من الواجبات

يجب تعليم القرآن و تعلمه كفاية و يجوز اخذ الأجرة عليه و يجب تعلم قدر الواجب عيناً و إكرام القرآن و تعظيمه و قراءته بإحدى القراءات المشهورة على المشهور و تجنب اللحن فيه بقدر الإمكان و سجود التلاوة للعزائم الأربع على القارئ و المستمع و إن تكرر ذلك في مجلس واحد قيل و يجب إصلاحه على الكفاية و قد يجب عيناً كما هو شأن كل واجب كفائي عند الانحصار فيجب المس عند توقفه عليه و تجب له الطهارة و لكن الظاهر أن الإصلاح إنما يجب إذا توقف عليه صون المعجزة أو مست الحاجة إليه في التلاوة أو الاستدلال و نحوهما و انحصر الأمر في قران واحد و قد يجب المس لرفعه من المحل النجس و استنقاذه من يد الكافر و لنذر المس تبرّكا فتجب الطهارة و لو مسه محدثاً سهواً سقط به الفرض بخلاف ما لو تعمد المس محدثاً لعدم حصول الامتثال بذلك و لا يحرم المس على الصبي مطلقاً و هل يجب على الولي منعه منه و عن اللعب به و أصابته بالنجاسة المتعدية و عما يقضي بإهانته الاحوط إن لم يكن الأقوى هو الوجوب.

المبحث الثاني في جملة مما يتعلق به من المحرمات و المكروهات

يحرم الغناء بالقرآن و الرياء بقراءته و ما يكون منها مؤذياً للمصلين و مزعجاً للنائمين و ما يفضي إلى فساد نظم الصلاة كقراءة العزائم فيها أو فوات وقتها كالسور الطوال و ما يكون في وقت واجب مضيق و ما يكون بلسان مغصوب أو في مكان مغصوب على الاحوط و ما يرفع زائد على العادة بحيث لا تبقى للقرآن حرمة و ما يكون من العزائم على المجنب و نحوه و يحرم على المحدث مسّ كتابته و لا يختص بباطن

ص: 70

الكف و لا بظاهر البشرة و يعم التحريم ما كتب في المصحف و الكتب و الألواح و الدراهم و غيرها و المكتوب قد يتعين كونه قرآناً فلا يتوقف على العلم بقصد الكاتب و قد لا يتعين فيتوقف عليه و لا يترك الاحتياط فيما يؤتى به منه في الكتب و الرسائل و العهود لا على جهة الاستشهاد بل لفصاحته و حسن تأديته و فيما يقتبس منه في الشعر و النثر و لا تحرم على المحدث كتابة القرآن على الأقوى و إن كان الاحوط له الترك سيما بإصبعه و لا يحرم مس جلده و هامشه و نحوهما و يكره له حمله و تعليقه و في جواز مسه بالعضو النجس مع عدم التعدي إشكال أحوطه إن لم يكن أقواه العدم و يحرم بيعه على المسلم فضلًا عن الكافر بل لا يجوز رهنه و لا إثبات السبيل له عليه إذا نافى ذلك احترامه و تعظيمه أو استوجب إهانته أو ترتب على بيعه فساد بل مطلقاً و إنما يحل بيع الورق و الجلد و ما فيه من حلية و عمل يد و لا يجوز ان يجعل الثمن بازاء ما على الورق من القرآن مستقلًا أو بالانضمام إلى المجموع فإن الخط لا يدخل في الملك و كما يحرم البيع يحرم الشراء و الأولى لمن أراد استكتابه ان لا يستكتبه بأجرة بل بلا شرط ثمّ يعطيه ما يرضيه و إن جاز ذلك و يستحب تحسين الكتابة و تبيينها و لا بأس بالتشكيل كما هو المتعارف و أن تكون الكتابة بالسواد لما في الكافي بإسناده عن محمد الورّاق قال: عرضت على أبي عبد الله عليه السلام كتاباً فيه قرآن مختّم معشّر بالذهب و كتبت في آخره سورة بالذهب فأريته إياه فلم يعب به شيئاً إلا كتابة القرآن بالذهب و قال: لا يعجبني أن يكتب القرآن بالذهب و قال لا يعجبني أن يكتب القرآن إلا بالسواد كما كتب أول مرة و نهى عن السفر به إلى ارض العدو مخافة أن يناله العدو و المراد به الكفار و الظاهر ان الحكم دائر مدار خوف ذلك مطلقاً و يكره ترك القراءة قال عليه السلام: ثلاثة يشكون إلى الله تعالى مسجد خراب لا يصلي فيه أهله و عالم بين جهال و مصحف معلق قد وقع عليه الغبار و لا يقرأ فيه و تكره القراءة من سبعة من الراكع و الساجد و في الكنيف و الحمام و من الجنب و النفساء و الحائض.

ص: 71

المبحث الثالث في جملة مما يتعلق به من المستحبات

يستحب تعلمه و تعليمه عيناً مباشرةً و تسبيباً فعنه صلّى الله عليه و آله و سلّم خياركم من تعلّم القرآن و علمه و عن الصادق عليه السلام ما من رجل علّم ولده القرآن إلا توج الله أبويه يوم القيامة بتاج الملك الخبر. و يستحب أن يكون في البيت و أن يعلق فيه فإن كلا منهما يطرد الشياطين و تستحب تلاوته و الإكثار منها في جميع الأزمان و الأحوال إلا ما استثنى فإنها قسم من أقسام الذكر يشملها ما ورد فيه من الحثّ و الترغيب و نحوهما بل افضل من الذكر كما في الخبر و يستحب ختمه ففي الخبران من ختم القرآن فكأنما أدرجت النبوة بين جنبيه و لكنه لا يوحى إليه و عن الإمام زين العابدين عليه السلام إن افضل الأعمال الحالّ المرتحل فقيل له ما الحالّ المرتحل فقال فتح القرآن و ختمه و عن الإمام الكاظم عليه السلام إن درجات الجنة على قدر آيات القرآن و روى بعض أصحابنا عن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم انه قال افضل عبادة أمتي تلاوة القرآن نظراً و يتأكد استحباب تلاوته في شهر رمضان فإن لكل شي ء ربيعاً و ربيع القرآن شهر رمضان و اقل ما ينبغي ان يقرأ منه في كل يوم خمسون آية و في كل ليلة عشر آيات فإن من قرأ في كل ليلة عشر آيات لم يكتب من الغافلين و من قرأ خمسين كتب من الذاكرين و من قرأ مائة كتب من القانتين و من قرأ مائتين كتب من الخاشعين و من قرأ ثلاثمائة كتب من الفائزين و الأولى ان يكون زيادة على ما هو الموظف في الصلوات و لا يبعد أن تلاوته افضل من تلاوة الدعاء و الأذكار و الأحاديث القدسية و غيرها و هي سنة في نفسها لا تتوقف على فهم المعاني إجمالًا و لا تفصيلًا بعد فهم القرآنية فإن الأظهر اعتباره فيها و الاحوط عدم الاكتفاء عن ذلك بمجرد العلم بأنه مما يتقرب به و تتحقق التلاوة للقادر عليها بالنطق بالكلمات على النحو العربي المألوف مادة و هيئة و لا ينافيها القليل من اللحن الجلي فضلًا عن الخفي و لا تقطيع الكلمات ما دام صدق القرآنية على المتلو و صدق التلاوة له باقياً عرفاً فإن الأمر هنا أوسع منه في الصلاة فلا بأس هنا بالفصل و السكوت بين الكلمات و الآيات و نحوهما إلا أن يكون ذلك مخرجاً عن اسم القرآن و القراءة له كالقراءة المقلوبة و إدخال كلمات من غيره بين كلماته و لو على جهة التفسير و البيان لها فإن ذلك مما يخرجه عن كونه قرآنا كما لا يجزئ في القراءة حديث النفس بل لا بد من التلفظ و اقله ان يسمع نفسه و تلزم المحافظة على الحروف بالإتيان بما يدخل تحت

ص: 72

اسمها بأن يخرجها من مخارجها الطبيعية و المحافظة على الحركات و السكنات و لا بأس لو ترك ما يعد تركه لحناً خفياً من المحسنات كالإمالة و الترقيق و الإشباع و التفخيم و المدّ و الإدغام و الوقف و غيرها و إن استحب ذلك و نحوه كما انه لا تجب معرفة قراءات السبعة و لا العشرة و لا الفحص عنها و إنما اللازم هو القراءة على نحو ما هو في المصاحف التي تقرأها الناس و يجوز حيث لا تقية ان يقرأ بما صح من قراءة أهل البيت عليهم السلام بل لعلها افضل من غيرها ثمّ انه لا يبعد وجوب الترتيب بين آيات كل سورة و بين كلمات كل آية لا بين السور و نحوها و إذا انقطع النفس على كلمة لا يلزم الوقف عليها و النطق بها ساكنة و لا إعادة الآية من أولها و تتأدى القراءة بالتلاوة عن ظهر القلب و بالتلاوة في المصحف و هي افضل من الأولى و إن كان لا يجزي غيرها في الصلاة إلا مع العجز عن المتابعة على ما فصل في محله و لا تجب تلاوة شي ء تلاوة شي ء من القرآن إلا ما قرر منه في الفرائض نعم قد تجب لعارض كالنذر و ما أشبهه و كالإجارة عليها و اشتراطها في ضمن عقد و نحو ذلك فيأتي بما ألتزمه على نحو ما ألتزمه زماناً و مكاناً و مقداراً بأي كيفية من الكيفيات المشروعة و في المصحف أو مطلقاً و إن كان المنصرف إليه فيما لو أوصى بختمه أو استؤجر عليها أن يكون ذلك في المصحف مبتدئاً بالفاتحة منتهياً بسورة الناس و لو نذر أن يقرأ القرآن أو سورة منه بقراءة عاصم مثلًا فلا يبعد الانعقاد و يتخير في القراءة بين قراءتي راوييه بين الملفق منهما و لا تجب الطهارة للتلاوة الواجبة إلا مع الشرط أو ملزم آخر و تمتاز القراءة في المصحف عن القراءة عن ظهر قلب بأمور أربعة:

(الأول) أن فيها نظراً في المصحف و النظر في المصحف عبادة. (الثاني) أن من قرأ فيه متع ببصره. (الثالث) أن من قرأ فيه يخفف عن والديه و إن كانا كافرين. (الرابع) انه ليس شي ء اشد على الشيطان من القراءة في المصحف نظراً و تستحب أيضاً قراءته نظراً من غير صوت فتكتب له بكل حرف حسنة و تمحى عنه سيئة و ترفع له درجة و يستحب مؤكداً استماعه و الإنصات إليه فعن أبي عبد الله عليه السلام انه قال من استمع حرفاً من كتاب الله من غير قراءة كتب الله له به حسنة و محا عنه سيئة و رفع

ص: 73

له درجة و أما قوله تعالى (وَ إِذٰا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا) فعن الصادق عليه السلام إن المراد استحباب الاستماع في الصلاة و غيرها (ثمّ اعلم إن للتلاوة آدابا و سننا:

منها أن يكون القارئ على طهارة متطيباً في ثياب طاهرة على هيئة الأدب و السكون قائماً أو جالساً مستقبل القبلة غير متربع و لا متكئ في مسجد أو مشهد أو في بيته فانه ابعد من الرياء و في الخبر نوّروا بيوتكم بتلاوة القرآن إلى أن قال فإن البيت إذا كثرت فيه تلاوة القرآن كثر خيره و اتسع أهله و أضاء لأهل السماء كما تضي ء النجوم لأهل الدنيا و قريب منه أخبار أخر و في بعضها اجعلوا لبيوتكم نصيباً من القرآن و يظهر من الأخبار أن القراءة في البيت لها خواص: (الأولى) إنها توجد فيه نوراً حتى يكون البيت كالكواكب الدرية. (الثانية) إنها تكثّر فيه البركة و الخير و اليسر على أهله. (الثالثة) إنها توجب الزيادة في سكانه عدداً أي تكثر النسل و الذرية و إذا لم يقرأ فيه القرآن ضيق على أهله و قل خيره و كان سكانه في نقصان ثمّ ان افضل أحوال التلاوة ان يقرأ قائماً في الصلاة فإن له بكل حرف مائة حسنة كما في الخبر و فيه أيضاً ان من قرأه و هو جالس في الصلاة فله بكل حرف خمسون حسنة و من قرأه في غير صلاة و هو على وضوء فخمس و عشرون و على غير وضوء عشر حسنات.

و منها ترتيله كما قال (وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) و الترتيل هو التأني في القراءة و تبيين الحروف و توفيتها حقها بحيث يتمكن السامع من عدّها من قولهم ثغر مرتل أي مفلج لا يركب بعضه بعضاً و عن أمير المؤمنين عليه السلام بينه بياناً و لا تهذّه (1) هذّ الشعر و لا تنثره نثر الرمل و لكن اقرع به القلوب القاسية و لا يكوننّ هم أحدكم آخر السورة و روي أيضاً ان الترتيل حفظ الوقوف و بيان الحروف و الظاهر انه مستحب لذاته تعبداً لا لأجل تدبر القرآن و التفكر في معانيه و لا لأنه اقرب إلى التوقير و الاحترام و اشد تأثيراً في القلب من الهذرمة و الاستعجال و إن كان لا يبعد ان تكون هذه و أمثالها حكمة في استحبابه.


1- الهذّ بالذال المعجمة المشددة سرعة القطع ثمّ استعير لسرعة القراءة. (مجمع البحرين).

ص: 74

و منها الاستعاذة قبل القراءة فيقول (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) بل الاحوط عدم تركها قبلها و نقل عن بعض علمائنا وجوبها و لو أضاف إلى ذلك (رب أعوذ بك من همزات الشياطين و أعوذ بك رب أن يحضرون) فلا بأس و ليدع عند أخذه القرآن للقراءة و بعد فراغه منها بالمأثور و إذا مرّ بيا أيها الناس و يا أيها الذين آمنوا قال لبيك ربنا و كذلك يقول ما ورد عند قراءة غيرها من الآيات و يقول بعد فراغه من الإخلاص كذلك الله ربي و لختم القرآن دعوات مشهورة و اكملها ما في الصحيفة السجادية.

و منها تحسين القراءة فإن لكل شي ء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن و عنه صلّى الله عليه و آله و سلّم انه قال اقرءوا القرآن بالحان العرب و أصواتها و إياكم و لحون أهل الفسق و الكبائر فانه سيجي ء بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة و قلوب من يعجبه شأنهم و يروى مفتونة.

و منها استحباب الحزن عند القراءة بالبكاء و التباكي و الكابة لقوله عليه السلام ان القرآن نزل بالحزن فاقرءوه بالحزن و عن حفص بن غياث ان قراءة موسى بن جعفر عليهما السلام كانت حزناً.

و منها إسرار القراءة و يدل على استحبابه ما روي عنه صلّى الله عليه و آله و سلّم انه قال فضل قراءة السر على قراءة العلانية كفضل صدقة السر على صدقة العلانية و في رواية أخرى الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة و المسرّ به بالصدقة و في الخبر العام يفضل عمل السر على عمل العلانية سبعين ضعفاً و لا ينافي ذلك ما روي عنه صلّى الله عليه و آله و سلّم من انه سمع جماعة من أصحابه يجهرون في صلاة الليل فصوّب ذلك و انه قال إذا قام أحدكم من الليل يصلي فليجهر بقراءته فإن الملائكة و عمّار الدار يستمعون إلى قراءته و يصلون بصلاته مما يدل على استحباب الجهر لأن المراد بالجهر ما قابل الاخفات و بقراءة السر ما قابل العلانية كما إن المراد بالجاهر بالقرآن المتجاهر به المتظاهر بقراءته و إن اخفت في القراءة و الحاصل ان المراد بالإسرار التكتم بالعبادة و عدم التجاهر بها بين الناس في المجتمعات و المحافل و لا دخل للأخبار هنا بكيفية القراءة جهراً و اخفاتاً بل لا يبعد أن

ص: 75

الجهر بها افضل من الاخفات لاستحباب الاستماع و استحباب تحسين الصورة و لما روي من ان علي بن الحسين عليه السلام كان احسن الناس صوتاً بالقرآن و كان السقاءون يمرّون فيقفون ببابه يستمعون قراءته و غيره من الأخبار نعم قد يعرض للجهر في القراءة ما يزيل رجحانه من إيذاء لمصل أو ازعاج لنائم و نحوهما و هو أمر آخر فما يظهر من المنافاة بين أخبار استحباب الإسرار و استحباب الجهر كما جزم به في إحياء الأحياء و لا وجه له قال فالوجه في الجمع بين هذه الأحاديث ان الإسرار ابعد عن الرياء و التصنع فهو افضل في حق من يخاف ذلك على نفسه فإن لم يخف و لم يكن في الجهر ما يشوش الوقت على مصل آخر فالجهر افضل لأن العمل فيه اكثر إلى آخر ما ذكره من مرجحات الجهر الاعتبارية و منها مراعاة ما يجب و يستحب قولًا و فعلًا من حق الآيات فيسجد وجوباً على الفور لقراءة كل من آيات العزائم الأربع عند قوله تعالى (و لٰا يَسْتَكْبِرُونَ) في الم تنزيل و قوله تعبدون في حم فصلت و عند ختم سورتي و النجم و العلق و لاستماعها بل و لسماعها على الاحوط و لا يجب على من كتبها أو تصورها أو نظرها مكتوبة أو أخطرها بالبال و يقول في سجوده (سجدت لك تعبداً و رقاً لا مستكبراً عن عبادتك و لا مستنكفاً و لا متعاظماً بل أنا عبد ذليل خائف مستجير) فإذا رفع رأسه قال الله اكبر و يجزي غير ذلك من الذكر لاستحبابه و الواجب مجرد السجود و إن كان الأولى ان يأتي بالمأثور من الذكر و أما التكبير للرفع فلا ينبغي تركه و لا يحتاج بعد إباحة محل السجود عدم علو المسجد بما يزيد على أربعة أصابع و بعد النية إلى طهارة و لا استقبال و لا إلى ما يصح السجود عليه فيسجد المحدث بالأصغر و الأكبر كالجنب و الحائض و لو نسيها سجد متى ذكر وجوباً و يستحب السجود في أحد عشر موضعاً من القرآن: (في الأعراف) عند قوله (وَ لَهُ يَسْجُدُونَ) (و في الرعد) عند قوله (وَ ظِلٰالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ) (و في النحل) عند قوله (وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ) (و في بني إسرائيل عند قوله (وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) (و في سورة مريم) عند قوله (خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا) (و في الحج) في موضعين عند قوله (يَفْعَلُ مٰا يَشٰاءُ) و عند قوله

ص: 76

(وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ) (و في الفرقان) عند قوله (وَ زٰادَهُمْ نُفُوراً) (و في النمل) عند قوله (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (و في ص) عند قوله (وَ خَرَّ رٰاكِعاً وَ أَنٰابَ) (و في الانشقاق) عند قوله (وَ إِذٰا قُرِئَ) و الأولى السجود عند كل آية أمر فيه بالسجود و عن الصادق عليه السلام انه ينبغي لمن قرأ القرآن إذا مرّ بآية فيها مسألة أو تخويف أن يسأل الله عند ذلك خير ما يرجو و يسأله العافية من النار و من العذاب.

و منها مراعاة مقدار ما تكون فيه القراءة من الزمان أما اقل ما ينبغي أن يقرأ في كل يوم و ليلة فقد مرّ ذكره و أما مقدار الزمان الذي ينبغي ان يختم فيه فقد قدر في مكة المشرفة بأسبوع أو اقل أو اكثر فعن أبي جعفر عليه السلام قال من ختم القرآن بمكة من جمعة إلى جمعة أو اقل من ذلك أو اكثر و ختمه في يوم جمعة كتب له من الأجر و الحسنات من أول جمعة كانت في الدنيا إلى آخر جمعة تكون فيها و إن ختمه في سائر الأيام فكذلك و أما في غير مكة فعن الصادق عليه السلام انه قال لمن قال له: اقرا القرآن في ليلة لا يعجبني ان يقرأ القرآن في اقل من شهر و قال له أبو بصير: جعلت فداك اقرأ القرآن في شهر رمضان في ليلة فقال لا قال: ففي ليلتين قال لا: قال: ففي ثلاث قال: ها و أشار بيده ثمّ قال: يا أيا محمد إن لرمضان حقاً و حرمة و لا يشبهه شي ء من الشهور و كان أصحاب محمد صلّى الله عليه و آله و سلّم يقرأ أحدهم القرآن في شهر و اقل إن القرآن لا يقرأ هذرمة و لكن يرتل ترتيلًا و إذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها و تعوذ بالله من النار و أما تجزية القرآن و قسمته أجزاء و أحزاباً و غير ذلك فلم نقف في أخبارنا على ما يتعلق بذلك و لا على خصوصية للأجزاء و الأحزاب المعروفة في المصاحف التي في الأيدي و يقال ان تجزئته إلى ثلاثين جزءا للقراء الذين كانوا في عصر الحجاج و انه أحضرهم فعدوا الكلمات و الحروف و قسموه إلى الأجزاء نعم في أخبارنا ما يظهر منه ان التعشير و التختيم كانا في زمن الأئمة عليهم السلام كما مر في خبر الورّاق انه عرض على أبي عبد الله عليه السلام كتاباً فيه قرآن مختم معشر بالذهب الخ. و في خبر آخر قال قلت في كم اقرأ

ص: 77

القرآن قال اقرأه أخماساً اقرأه أسباعاً أما ان عندي مصحفاً مجزئاً أربعة عشر جزءا اً و الحاصل ان لتالي القرآن ان يقرأ بلا تجزئة و له أن يجزئه بحسب ما يتهيأ له و يتسع له و هو قد يكون نافذ الفكر في معاني القرآن سريع التدبر فيها طلق اللسان كثير المزاولة له فيكتفي في ختمه بالمدة القليلة و قد لا يكون كذلك فيحتاج إلى الشهر و نحوه ثمّ ان هناك آداباً باطنية ينبغي لتالي القرآن ان لا يخلو منها و نعني بها فهم عظمة الكلام و علوه و عظمة المتكلم فيحضر في قلبه ذلك و يترك حديث النفس فيكون متجرداً من كل شاغل مقبلًا على ما يقرأه منصرفاً عن غيره إليه متدبراً لمعانيه أي متفكراً متأملًا فيها (و اصله من تدبر الأمر و النظر في أدباره و عواقبه) فعنه عليه السلام لا خير في عبادة لا فقه فيها و لا في قراءة لا تدبر فيها و لو احتاج التدبر إلى ترديد الآية أو السورة رددهما و إن يستوضح من كل آية ما يليق بها فيستوضح من بعضها قدرته تعالى و عظمته و شدة بأسه و سطوته و سعة رحمته و نحو ذلك و أن يتخلى عن موانع الفهم فلا يكون همه منصرفاً إلى تحقيق إخراج الحروف من مخارجها مشغولًا بذلك عن تدبر المعاني و لا معتقد الأمر ركزته في نفسه عصبية الاتباع أو تقليد المفسرين من غير دليل عليه و لا برهان و ان ما وراءه من التفسير بالرأي و لا مصراً على ذنب و متصفاً بكبر و نحوه مما يوجب ظلمة القلب و غشاوته فإن جميع ذلك من موانع الفهم و حجبه و أستاره و ينبغي للتالي ان يتأثر بحسب اختلاف الآيات فعند ذكر صفاته و نعوت جلاله يتصاغر لعظمته و يتطأطأ خضوعاً لجلاله و عند الوعيد و التهديد يتضاءل من الخيفة و عند ذكر المغفرة و الرحمة يظهر الاستبشار و المسرة و نحو ذلك.

تكملة روى بعض علمائنا العارفين عن الصادق عليه السلام فصلًا يتعلق بما نحن فيه و الأقرب ان الفصل بتمامه من قول الصادق عليه السلام و صادق القول قال عليه السلام: من قرأ القرآن و لم يخضع له و لم يرق عليه و لم ينشأ حزناً و وجلًا في سره فقد استهان بعظم شأن الله و خسر خسراناً مبيناً فقارئ القرآن يحتاج إلى ثلاثة أشياء قلب خاشع و بدن فارغ و موضع خال فإذا خشع لله فرّ منه الشيطان الرجيم و إذا تفرغت نفسه من الأسباب تجرد قلبه للقراءة فلا يعرضه عارض فيحرمه نور القرآن و فوائده و إذا اتخذ

ص: 78

مسجداً خالياً و اعتزل من الخلق بعد ان أتى بالخصلتين الأوليين استأنس سره و روحه و وجد حلاوة مخاطبات الله عباده الصالحين و علم لطفه بهم و مقام اختصاصه لهم بقبول كرامته و بدائع إشاراته فإذا شرب كأساً من هذا المشرب فحينئذ لا يختار على ذلك الحال حالًا و لا على ذلك الوقت وقتاً بل يؤثره على كل طاعة و عبادة لأن فيه المناجاة مع الرب بلا واسطة فأنظر كيف كتاب ربك و منشور ولايتك و كيف تجيب أوامره و نواهيه و كيف تمتثل حدوده فانه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يدي و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فرتله ترتيلًا وقف عند وعده و وعيده و تفكر في أمثاله و مواعظه و احذر ان تقع من اقامتك حروفه في اضاعة حدوده و هذا آخر الفصل للكلام.

المبحث الرابع في جملة من الأمور المتعلقة بالقرآن المجيد

و هي كثيرة:

(منها) الاستشفاء به و الاسترقاء و الاستكفاء ففي الخبر انه شكا إليه رجل وجعاً في صدره فقال عليه السلام استشف بالقرآن فإن الله عز و جل يقول و شفاء لما في الصدور و قال عليه السلام شفاء أمتي في ثلاث و عدّ منها آية من كتاب الله العزيز إلى غير ذلك و كيفية الاستشفاء على ما يظهر من الأخبار قد تكون بقراءة الآية و قد يكون بكتابة آية على العضو السقيم و لا بدّ قبل الكتابة من الوضوء أو الغسل أو التيمم و قد تكون بكتابة الآية في إناء أو في قرطاس ثمّ تغسل بماء فيشرب كما ورد فيمن في بطنه ماء اصفر ان تكتب على بطنه آية الكرسي و يشربها و يجعلها ذخيرة في بطنه فيبرأ بإذن الله تعالى و أما الاستكفاء و الاحتجاب فيحصل ذلك بالحمل و التعليق و بقراءة التوحيد عن اليمين و الشمال و الامام و الخلف و التحت و الفوق و عند الدخول على سلطان جائر يقرأها ثلاث مرات حين ينظر إليه و يعقد بيده اليسرى ثمّ لا يفارقها حتى يخرج من عنده و هناك آيات تقرأ للحفظ و نحوه تطلب من مظانها كعدة الداعي و غيرها و منها الاستخارة بأن يفتح المصحف و ينظر إلى أول ما يرى فيه فيأخذ به و لها كيفيات أخر و أما التفاؤل به فهو و إن كان مما لا بأس به للرواية و عدم اعتبار ما يعارضها إلا إن

ص: 79

الأولى تركه و منها استحباب إهداء ثواب القراءة إلى النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و الأئمة و الزهراء عليها السلام و المؤمنين ليكون معهم في الجنة و منها استحباب قراءة بعض السور بخصوصه مطلقاً أو في أوقات خاصة أو في الصلاة خاصة و هي كثيرة تطلب من مواضعها.

الفصل الثاني في الذكر

اشارة

و هو بجميع أقسامه من افضل العبادات و اعظم الطاعات و يكفي فيه من القرآن الشريف قوله تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) و من السنّة ما روي عن الصادق عليه السلام قال قال الله تعالى من ذكرني في ملأ من الناس ذكرته في ملأ من الملائكة و عنه عليه السلام إن شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيرا و روي ان موسى عليه السلام سأل ربه فقال يا رب أ قريب أنت مني فأناجيك أم بعيد فأناديك فأوحى الله إليه يا موسى أنا جليس من ذكرني و بالاسناد إلى ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال ان الله تعالى يقول من شغل بذكري عن مسألتي أعطيته افضل ما أعطي من سألني إلى غير ذلك من الأخبار التي لا يسعها هذا المضمار و الكلام هاهنا في أمور

(الأول) الذكر مستحب في كل وقت و في كل حال

فقد روي انه لا بأس بذكر الله و أنت تبول فإن ذكر الله حسن على كل حال و روي ان موسى عليه السلام قال الهي تأتي عليّ مجالس أعزك و أجلك أن أذكرك فيها فقال يا موسى إن ذكري حسن على كل حال و يتأكد استحبابه بين الغافلين فعنه صلّى الله عليه و آله و سلّم ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل في الفارين و المقاتل في الفارين له الجنة.

(الثاني) افضل الأوقات عند الإصباح و الامساء

و بعد الصبح و العصر ففي الحديث القدسي يا ابن آدم اذكرني بعد الصبح ساعة و بعد العصر ساعة أكفك ما أهمك.

(الثالث) الإسرار بالذكر مستحب

لأنه اقرب إلى الإخلاص و ابعد من الرياء ففي الحديث القدسي من ذكرني سراً ذكرته علانية و قال صلّى الله عليه و آله و سلّم لأبي ذر اذكر الله ذكراً خاملًا فقال له ما الخامل قال الخفي و قال تعالى (وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ).

(الرابع) أقسام الذكر كثيرة

منها التحميد و له كيفيات مروية فعن الصادق عليه السلام انه من قال إذا اصبح أربع مرات الحمد لله رب العالمين فقد أدى شكر يومه و من قالها إذا أمسى فقد أدى شكر ليله و إن من قال الحمد لله كما هو أهله فعلى الله ثوابها. و منها التمجيد و

ص: 80

التعظيم من نفي الشريك و وصفه تعالى بما أهله من صفات الجلال و الكمال. و منها التهليل و التكبير فإن قول لا اله إلا الله خير العبادة و انه ليس شي ء احب إلى الله من التكبير و التهليل. و منها التسبيح فمن قال سبحان الله مائة مرة كان ممن ذكر الله كثيراً. و منها أن يقول اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحداً أحداً فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة و لا ولداً خمساً و أربعين مرة. و منها الكلمات الخمس الخفيفة على اللسان الثقيلات في الميزان اللواتي يرضين الرحمن و يطردن الشيطان و هُنّ من كنوز الجنة و من تحت العرش و من الباقيات الصالحات و هي (سبحان الله و الحمد لله و لا اله إلا الله و الله اكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم). و منها أن يقول بعد الفراغ من الفريضة ثلاثين مرة (سبحان الله و الحمد لله و لا اله إلا الله و الله اكبر) فإن أصلهن في الأرض و فرعهن في السماء وهن يدفعن الهم و الهدم و الحرق و الغرق و التردي في البئر و أكل السبع و ميتة السوء و البلية التي تنزل من السماء في ذلك اليوم على العبد و هن الباقيات الصالحات. و منها الاستغفار فإن من اكثر منه رفعت صحيفته و هي تتلألأ و كان صلّى الله عليه و آله و سلّم يستغفر الله غداة كل يوم سبعين مرة و يتوب إلى الله سبعين مرة و افضل أوقات الاستغفار أوقات الأسحار قال تعالى (كٰانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مٰا يَهْجَعُونَ وَ بِالْأَسْحٰارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) و قال تعالى (وَ بِالْأَسْحٰارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) و الاستغفار طلب المغفرة و الغفر بمعنى الستر و المراد منه طلب العبد غفران الذنب من الرب و هو حقيقة في القول دون غيره من أسباب المغفرة و في الصحيح في قوله تعالى (وَ بِالْأَسْحٰارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) في الوتر سبعين مرة و الظاهر انه الفرد الأكمل فتتأدى وظيفته بقول استغفر الله و ربي اغفر لي مع التكرار و عدمه في صلاة الوتر و غيرها و يستحب الإكثار منه في جميع الأوقات و الأصل فيه الندم و التوبة و إصلاح الباطن فالمستغفر من الذنب المصر عليه كالمستهزئ بربه نعوذ بالله من ذلك.

(الخامس) للذكر أوقات خاصة يتأكد استحبابه فيها

منها ما تقدم و منها السحر و هو السدس الأخير من الليل و آخره متصل بالصبح و ربما قيل انه أوسع من ذلك و هو من الأوقات الشريفة لجملة من

ص: 81

الطاعات كالايتار و الاستغفار طول العام و السحور و الدعاء المأثور في شهر الصيام. و منها الزوال و أول ما تفعله عند تحقق الزوال ان تقول ما علمه الباقر عليه السلام لمحمد بن مسلم و قال له حافظ عليه كما تحافظ على عينيك و هو (سبحان الله و لا اله إلا الله و الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة و لا ولداً و لم يكن له شريك في الملك و لم يكن له ولي من الذل و كبره تكبيرا) ثمّ بادر إلى الوضوء. و منها إذا احمرّت الشمس. و منها

عشر ذي الحجة و لها تهليل معروف و منها عند النوم و من أهم الأذكار عنده تسبيح سيدتنا الزهراء عليها السلام و هو أحد الوقتين الذين يستحب فيهما و الثاني بعد الصلاة و قد وردت أذكار خاصة لجملة من الأفعال و الأحوال و المخاوف و الأمراض و وردت أدعية و أذكار كذلك للقيام إلى الصلاة و التوجه إلى القبلة و بعد التكبيرات الافتتاحية و في باقي أحوال الصلاة كالركوع و السجود تطلب من مظانها كخلاصة الأذكار و غيرها.

(السادس) لا ينبغي ترك الذكر
اشارة

بل ربما حرم لأن الشكر قسم من الذكر و شكر المنعم واجب و في الخبر ما من قوم اجتمعوا في مجلس و لم يذكروا الله و لم يصلوا على نبيهم إلا كان ذلك المجلس حسرةً و وبالًا عليهم يوم القيامة و عنه عليه السلام فيما أوحى إلى موسى عليه السلام يا موسى لا تفرح بكثرة المال و لا تدع ذكري على كل حال فإن كثرة المال تنشئ الذنوب و إن ترك ذكري يقسي القلوب فلا ينبغي للإنسان أن يخلي مجلساً من ذكر الله و يقوم منه بغير ذكر و ليقل إذا أراد القيام من مجلسه سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين.

خاتمة

قد يكون الذكر جهراً و قد يكون سراً و هناك قسم ثالث و هو الذكر الذي يكون في نفس الرجل لا يعلمه غير الله و قد أشار عليه السلام إليه فيما رواه زرارة قال عليه السلام فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير الله لعظمته و هناك قسم رابع قيا انه افضل منها بأجمعها و هو ذكر الله سبحانه عند أوامره فيفعلها و عند نواهيه فيتركها خوفاً و مراقبة فعنه صلّى الله عليه و آله و سلّم من أطاع الله فقد ذكر الله كثيراً و إن قلّتْ صلاته و صيامه و تلاوته القرآن الخبر و على هذا الذكر مدار قبول الأعمال و هو التقوى و لما سئل الصادق عليه السلام

ص: 82

عن تفسير التقوى قال أن لا يفقدك الله حيث أمرك و لا يراك حيث نهاك و الحاصل أن الكثير من الذكر اللساني و من جميع العبادات مع عدم التقوى و عدم اجتناب النواهي غير مجدٍ و لا مقبول.

الفصل الثالث في الدعاء
اشارة

الذي هو سلاح المؤمن و ترسه و مفتاح كل رحمة و نجاح كل حاجة إذا صدر من قلب تقي و صدر نقي و قد ورد من الترغيب فيه و الحث عليه و بيان فضله ما لا يحصى و قد أمر به الله تعالى في كتابه المجيد فقال (وَ قٰالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبٰادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰاخِرِينَ) فجعله عبادة و جعل المستكبر عنه بمنزلة الكافر يدخل جهنم ذليلًا صاغراً و قال تعالى (وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً) و قال (قُلْ مٰا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لٰا دُعٰاؤُكُمْ) إلى غير ذلك مما في بعضه كفاية و إتمام حجة و سبب منع الإجابة من كثير الداعين الإخلال بشروط الدعاء و آدابه أو عدم الوفاء بعهد الله قال تعالى (وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) و يخطر في البال ان ذلك مروي عنهم عليهم السلام و ان الإجابة خلاف مصلحة الداعي أو غير ذلك فينبغي للداعي إذا تأخرت عنه الإجابة أن يرضى بقضاء الله و يجعل عدم الإجابة عين الصلاح له فعنه صلّى الله عليه و آله و سلّم انه قال: يا عباد الله انتم كالمرضى و رب العالمين كالطبيب و صلاح المرضى فيما يعلم الطبيب و يدبره لا فيما تشتهيه المرضى و تقترحه إلا فسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين و أما ما دل من الأخبار على فضل الدعاء و تأكد استحبابه فمما يفضي استقصاءه إلى إطناب لا يسعه المجال و الغرض بيان ما ينبغي للداعي رعايته و ملاحظته من أسباب الإجابة و هو أمور:

(الأول) رعاية أوقات الإجابة

كليلة الجمعة فإن الدعاء فيها لا سيما سحرها مستجاب و يوم الجمعة الذي هو سيد الأيام بل في بعض الأخبار انه اعظم من يومي الفطر و الأضحى و كشهر رمضان و ليلة القدر و ليالي الإحياء الأربع و يوم عرفة و عند هبوب الرياح و زوال النهار و زوال الليل و نزول الأمطار و نحو ذلك.

(الثاني) ما يرجع إلى المكان

كعرفة و المشعر الحرام و الحطيم و المستجار و الكعبة و المساجد و

ص: 83

المشاهد و من اشرف أماكن الدعاء عند قبر سيدنا سيد الشهداء الحسين عليه السلام فإن الله عوضه عن قتله بخصال (منها) أن إجابة الدعاء تحت قبته و يروى أن الصادق عليه السلام أصابه وجع فأمر أن يستأجروا له اجيراً يدعو له عند قبر الحسين عليه السلام فقال الرجل أنا امضي و لكن الحسين إمام مفترض الطاعة و هو إمام مفترض الطاعة فعرّفوه عليه السلام قوله فقال عليه السلام هو كما قال لكن ما عرف ان لله تعالى بقاعا يستجاب فيها الدعاء فتلك البقعة من تلك البقاع.

(الثالث) ما يتعلق بالأفعال و الأحوال

كوقوعه بعد الصلاة و عن الصادق عليه السلام انه يستجاب الدعاء في أربعة مواطن في الوتر و بعد الفجر و بعد الظهر و بعد المغرب و كوقوعه حال السجود و عقيب قراءة مائة آية منه و بين الآذان و الإقامة و عند رقة القلب و جريان الدمع و في حال الصيام فإن دعاء الصائم مستجاب و دعوته لا ترد و في حال التختم بالفيروز أو العقيق فإن الله يستحي من عبد يرفع يده و فيها خاتم فيروز أن يردها خائبة و انه لم ترفع كف إلى الله احب من كف فيه عقيق و ممن يستجاب دعاءه الحاج و المعتمر و الغازي و المريض و المظلوم و الولد الصالح لوالديه و الوالد الصالح لولده و دعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب.

(الرابع) في آداب الدعاء
اشارة

و هي أقسام:

(الأول) ما يكون قبل الدعاء

كالطهارة و شم الطيب و استقبال القبلة و الصدقة و الاعتراف بالذنب و رد المظالم و التوبة و الاعتقاد بقدرته تعالى على فعل مطلوبه و حسن الظن به قال صلّى الله عليه و آله و سلّم ادعوا الله و انتم موقنون بالإجابة و من الشروط أن لا يسأل محرّما و لا قطيعة رحم و لا ما يتضمن قلة الحياء و سوء الأدب.

(الثاني) ما يقارن حال الدعاء من التلبث به و ترك الاستعجال فيه و من الإلحاح بالدعاء و تسمية الحاجة و الإسرار به

و التعميم و الاجتماع من أربعة إلى أربعين و إظهار الخشوع و تقديم المدحة لله و الثناء عليه و تقديم الصلاة على النبي و آله الطاهرين و ختام الدعاء بها فإن الدعاء لا يزال محجوباً حتى يصلى على محمد و آل محمد فإذا كانت لك حاجة فأبدأ بالصلاة على محمد و آله و اسأل حاجتك ثمّ اختم بالصلاة على محمد و آله فإن الله اكرم من ان يقبل الطرفين و يدع الوسط إذ كانت الصلاة على محمد و آله لا تحجب عنه و أن لا يدعو بشي ء ليس فيه صلاحه و لا يسأل

ص: 84

فوق قدره و لا يلحن بالدعاء و لا يتكلف السجع. (و من الآداب) التي تقارن حالة الدعاء البكاء و هو سيد الآداب فما من قطرة احب إلى الله من قطرة دمع في سواد الليل مخافة من الله لا يراد بها غيره و الباكي من خشية الله في الرفيع الأعلى فإن لم يجئك البكاء فتباك فإن خرج منك مثل رأس الذباب فبخ بخ. (و منها) الاعتراف بالذنب قبل المسألة. (و منها) الإقبال بالقلب فإن من لا يقبل عليك لا يستحق إقبالك عليه. (و منها) اشتمال الدعاء على الأسماء الحسنى فعنه صلّى الله عليه و آله و سلّم ان لله تسعة و تسعين اسماً من دعى الله تعالى بها استجيب له و من أحصاها دخل الجنة. (و منها) الدعاء للمؤمنين و المؤمنات ليقال له و لك مثلاه. (و منها) رفع اليدين ناظراً إليهما لا إلى السماء فإن كان متعوذا استقبل القبلة بباطنهما و ان كان مسترزقاً أو راغباً بسط كفيه و أفضى بباطنهما إلى السماء و إن كان راهباً خائفاً بسطهما و جعل ظاهرهما إلى السماء و إن كان متضرعاً حرك السبابة اليمنى يميناً و شمالًا و جعل باطنهما إلى السماء و إن أراد الاستكانة جعلهما على منكبيه إلى غير ذلك من كيفيات رفع اليدين التي تختلف باختلاف حال الداعي و حال دعوته و قد تكلفت بذلك الأخبار.

(الثالث) في الآداب المتأخرة

و هي أمور (منها) معاودة الدعاء و ملازمته مع الإجابة و عدمها فيدعو في الرخاء كما يدعو عند نزول البلاء. (و منها) ان يمسح الداعي بيديه على رأسه و وجهه و صدره. (و منها) أن يختم الدعاء بالصلاة على النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و آله كما مرّ. (و منها) أن يقول عقيب دعائه ما شاء الله لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم. (الخامس) من الأدعية الفاضلة المأثورة التي يؤجر الداعي بها الصلاة على محمد و آله و فضلها عظيم فإن من صلى على النبي صلاة واحدة صلى الله عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة و لم يبق شي ء مما خلقه الله تعالى إلا صلى على العبد لصلاة الله و صلاة ملائكته و هي من افضل العبادة و عنه صلّى الله عليه و آله و سلّم من أراد التوسل اليّ و ان تكون له عندي يد اشفع له بها يوم القيامة فليصل على أهل بيتي و يدخل السرور عليهم إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في فضلها و زيادة الأجر عليها و يستحب رفع الصوت بها و تقديمها على الصلاة على الأنبياء و من خواصها إنها تذكر الرجل ما كان

ص: 85

نسى و قد وردت أخبار كثيرة تدل على وجوب الصلاة عليه إذا ذكر فلا ينبغي ترك ذلك و اقل ما يجزي من كيفيتها ان يقول اللهم صل على محمد و آله و عنه صلّى الله عليه و آله و سلّم لا تصلوا عليّ صلاة مبتورة بل صلوات على أهل بيتي معي و عن الصادق عليه السلام انه قال لرجل قال اللهم صل على محمد و أهل بيت محمد يا هذا لقد ضيقت علينا أما علمت ان أهل البيت خمسة أصحاب الكساء اللهم صل على محمد و آل محمد فنكون نحن و شيعتنا قد دخلنا فيه.

خاتمة فيها فوائد
(الأولى) احسن الأدعية الأدعية القرآنية

لجمعها بين الوظيفتين ثمّ الأدعية المأثورة عن النبي و الأئمة عليهم الصلاة و السلام فإن فيها نجاحاً لمطالب العابدين و شفاء لصدور العارفين و بلاغاً للمؤمنين فينبغي ان يختار منها ما يوافق مطلوبه و يناسب حاجته فيدعو به و ما ورد منها في أوقات مخصوصة فلا بأس بالدعاء به في أوقات أخر لا من باب الخصوصية و الورود بل من باب الدعاء المطلق.

(الثانية) المؤمّن و الداعي شريكان في الأجر.
(الثالثة) يستحب التماس الدعاء من المؤمنين

ليكون داعياً بلسان لم يذنب به و يتأكد استحباب إجابة الالتماس.

(الرابعة) في الحديث القدسي

من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته افضل ما أعطي السائلين.

(الخامسة) يظهر من بعض الأخبار إن الدعاء افضل من القرآن

و حمل ذلك على انه أبين في العبودية و الخضوع و افضل في الانقياد و الخشوع و القرآن أفضلها كلاماً و الذكر ارفعها مقاماً و بهذا الاعتبار تجمع الأخبار.

(السادسة) لا بأس بالقراءة خلف شخص لا يرضى باستماع غيره

كما لا بأس لو فتح كتابه للنظر فيه بدون واسطة ضوء مغصوب الآنية أو الزيت أو الفتيلة فوافقه كما لا تحرم الاستضاءة بضوء في آنية ذهب أو فضة لو اتفق له الاستضاءة بما فيها.

(السابعة) لو زاحم ذلك طلب العلم قدم عليه.

جعلنا الله من العالمين العاملين الراضين المرضيين بمحمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين انه ارحم الراحمين و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين.

ص: 86

كتاب الزكاة

اشارة

بسمه تعالى

(فَأَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ وَ اعْتَصِمُوا بِاللّٰهِ) و قال تعالى شأنه (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى).

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي فرض الزكاة كما فرض الصلاة و جعلها حصناً للأموال و جعلها طهارة و منماة و سبباً للمعونة على البر و الرحمة و المواساة و اشرف الصلوات و التحيات الزاكيات على أزكى البريات و اشرف الكائنات و آله سفن النجاة و معادن البركات.

(أما بعد) فهذه عجالة مختصرة تتكفل ببيان المهم من أحكام أقسام العبادات المالية التي لا تدخل في عقد و لا إيقاع و التي تدخل منها في ذلك إن شاء الله و نذكرها في كتاب بعد كتاب و الله المرشد إلى الصواب (كتاب الزكاة) و وجوبها من ضروريات الدين و تاركها من الفاسقين و منكرها من الكافرين و هي إحدى الدعائم الخمس التي بني عليها الإسلام و لا تقبل من مانعها مع القدرة صلاة و لا صيام و يكفي في عظم أمرها ما ورد من ان رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم اخرج نفراً من مسجده و قال اخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه و انتم لا تزكون و ما ورد عنهم عليهم السلام ان من منع قيراطاً من الزكاة فليمت إن شاء يهودياً أو شاء نصرانياً و إن من منع قيراطاً من زكاة ماله فليس بمؤمن و لا بمسلم و لا كرامة و إن مانع الزكاة يطوق بحية قرعاء تأكل من دماغه و ذلك قوله تعالى (سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ) إلى غير ذلك مما ورد في العقاب و العذاب الأخرويين على منعها مضافاً إلى ما ورد في النكال الدنيوي المترتب على منعها من انه موجب لمنع الأرض من البركات و لموت الأنعام و الحيوانات و لعدم النماء و البركة في الأموال و حصول الضياع و الاضمحلال ففي الخبر ما ضاع مال في

ص: 87

بر و لا بحر إلا بتضييع الزكاة و ما من مال يصاب إلا بترك الزكاة و غير ذلك و أما فضلها و الأجر عليها فقد ورد فيه من الأخبار ما لا يتسع له هذا المضمار فمن ذلك إنها تقع في يد الرب قبل ان تقع في يد العبد و ان لكل شي ء خازناً إلا الصدقة فإن الرب يليها بنفسه و إنها تدفع ميتة السوء و تزيد في العمر و تنمي المال و يستنزل بها الرزق و غير ذلك.

و الزكاة زكاتان زكاة الأموال و زكاة الأبدان و كل منهما تنقسم إلى واجبة و مستحبة فهاهنا مقصدان:

المقصد الأول في زكاة الأموال

اشارة

و فيها فصول:

الفصل الأول فيمن تجب عليه

و هو كل مكلف حرّ مالك للنصاب متمكن من التصرف في اصل المال فلا تجب في مال الطفل و المجنون و العبد و لو تحرر بعضه فبالنسبة و لا في الموهوب و القرض إلا بعد قبضهما و لا الموصى به إلا بعد الموت و القبول و لا في المال الغائب مع عدم التمكن منه و لا الضائع و لا المرهون الذي لا يتكن من فكه و لو ببيعه أو بيع بعضه و لا في المجحود و إن أمكن انتزاعه ببينة أو يمين و لا في المسروق و لا الموروث مع الغيبة و عدم الوصول إليه أو إلى وكيله و لا في الدين و إن تمكن من استيفائه و لا فيما تركه نفقة لعياله و قد غاب عنه و لا في الوقف مطلقاً و لا في نمائه إذا كان عاماً و إن انحصر في معين و لا في المال المختلط بالحرام و لا يعرف مقدار الحرام و لا صاحبه و إن حالت عليه أحوال و قلنا بتمكنه من التصرف بعد إخراج الخمس المتمكن منه لأنه لا يجب فيه إلا الخمس.

الفصل الثاني فيما تجب و فيما تستحب فيه
اشارة

(الأول) تسعة أشياء الأنعام الثلاث الإبل و البقر و الغنم و الذهب و الفضة و الغلات الأربع الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و لا تجب في غير هذه التسعة. (و الثاني) أمور (منها) ما أنبتته الأرض مما يكال أو يوزن من الحبوب و غيرها عدا الخضر و البقول و ما يفسد ليومه و حكم ما تستحب فيه من النبات حكم ما تجب فيه

ص: 88

من الغلات في اعتبار النصاب و مقداره و قدر ما يخرج منه و استثناء المؤن و غير ذلك. (و منها) مال التجارة بشرائطه و المخرج منه ربع العشر. (و منها) الخيل الإناث السائمة طول الحول عن العتيق ديناران و عن غيره دينار دون الذكور منها و دون البغال و الحمير و الرقيق. (و منها) الحلي التي فرّ بها من الزكاة. (و منها) نماء الأملاك المتخذة للنماء كالحمامات و الدكاكين و الخانات و البساتين

ثمّ ان الكلام على الأنعام و النقدين و الغلات يقع في مباحث:
المبحث الأول في شرائط الوجوب في زكاة الأنعام
اشارة

مضافا إلى ما تقدم من الشرائط العامة و في اللواحق

أما الشرائط
اشارة

فهي أربعة

الشرط الأول بلوغها النصاب

(أما الإبل) فلها اثنا عشر نصاباً خمسة كل واحد منها خمس و في كل واحد شاه فإذا بلغت ستاً و عشرين ففيها بنت مخاض فإذا بلغت ستاً و ثلاثين ففيها بنت لبون فإذا بلغت ستاً و أربعين ففيها حقة و إذا بلغت إحدى و ستين ففيها جذعة فإذا بلغت ستاً و سبعين ففيها بنتا لبون فإذا بلغت إحدى و تسعين ففيها حقتان فإذا بلغت مائة و إحدى و عشرين ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين بنت لبون دائماً و تجب مراعاة المستوعب منهما ثمّ الأقل عفواً و لو لم يحصل الاستيعاب إلا بهما لوحظا معاً و يتخير مع حصوله بأحدهما و بكليهما و مع عدمه كذلك. (و أما البقر) و منه الجاموس فلها نصابان ثلاثون و فيها تبيع أو تبيعة و أربعون و فيها مسنة فالحكم يتعلق بكل ثلاثين و كل أربعين و النصاب في الحقيقة أمر واحد كلي و هو أحد العددين و تجب مراعاة المطابق. (و أما الغنم) ضأنها و معزها فلها خمسة نصب أربعون و فيها شاة ثمّ مائة و إحدى و عشرون و فيها شاتان ثمّ مائتان و واحدة و فيها ثلاث شياه ثمّ ثلاث مائة و واحدة و فيها أربع شياه ثمّ اربعمائة فصاعداً ففي كل مائة شاة بالغاً ما بلغت و لا يجب شي ء فيما نقص عن النصب المذكور في الجميع كما لا يجب فيما بين النصابين شي ء.

ص: 89

الشرط الثاني السوم

السوم و هو معتبر تمام الحول فلا زكاة في المعلوفة و لو في بعضه بما يخرجها عن اسم السائمة في الحول عرفاً و لا عبرة بالمدة اليسيرة التي لا تخرج بها عن الاسم و الأقرب أن اليوم بل اليومين مما لا يقدح في الصدق العرفي و لا تخرج عن السوم بحيازة المرعى و لا باستنبات الأرض بإرسال المياه عليها و لا بمصانعة الظالم على المرعى المباح و لو بالمال الكثير.

الشرط الثالث الحول

هو عبارة عن أثنى عشر هلالًا فإذا تم الحادي عشر استقر الوجوب و ان احتسب الثاني عشر من الحول الأول إلا ان اختلال أحد الشروط فيه لا يُبطل الحول و إنما يبطله لو وقع في أثناء الأحد عشر شهراً بعدها كما لو نقصت عن النصاب أو انتفى تمكنه من التصرف فيها أو عاوضها بجنس آخر و إن كان زكوياً أو بجنسها و إن كان سائماً فإن الحول يبطل بذلك و لو فعله فراراً من الزكاة و يستأنف حولًا جديداً و كذا لو تم النصاب في أثناء الحول فانه يستأنف الحول من حين تمامه و لو ملك نصاباً آخراً كان له حول بانفراده و ليس حول الأمهات حولًا لسخالها بل يعتبر فيها الحول بانفرادها من حين النتاج ان رضعت من السائمة ثمّ استغنت بالرعي باقي الحول و كذا لو رضعت من المعلوفة كذلك على الاحوط.

الشرط الرابع ان لا تكون من العوامل في تمام الحول

فلو كانت كذلك و لو في بعضه فلا زكاة فيها إلا أن يكون قليلًا جداً لا يوجب الصدق عرفاً فإن المرجع في الصدق إليه.

و أما اللواحق ففيها مسائل
(الأولى) الشاة التي تؤخذ فريضة في الزكاة جبراناً للقيمة اقلها ما كمل له سنة

و في المعز ما كمل له سنتان و يجزي كل من الذكر و الأنثى عن كل منهما و المعز عن الضأن و بالعكس و بنت المخاض هي التي دخلت في الثانية و بنت لبون في الثالثة و الحقة في الرابعة و الجذعة في الخامسة و التبيع من البقر ما استكمل سنة و دخل في الثانية و المسنة منه هي الداخلة في الثالثة.

ص: 90

(الثانية) لا تؤخذ المريضة و لا ذات العوار من النصاب السليم

و لا الهرمة من الشواب و إن عدّت منه و لو كانت النعم مرضى لم يكلف الصحيحة و لو اختلفت اخرج صحيحة من أواسط الشياه من غير ملاحظة التقسيط على الاحوط و لا تؤخذ الربى كحبلى إلى خمسة عشر يوما من ولادتها و إن بذلها المالك إلا إذا كان جميع النصاب كذلك و لا الأكولة و هي السمينة المعدّة للأكل و لا فحل الضراب و إن عد الجميع من النصاب.

(الثالثة) لا يجمع بين متفرق في الملك و لا يفرق بين مجتمع فيه

و لا اعتبار بالخلط و إذا كان للمالك أموال متفرقة كان له الإخراج من أيها شاء بل له أن يخرج ما يجب في النصاب من الأنعام و غيرها من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية و لا يتعين ذلك عليه دراهم أو دنانير و إن كان الإخراج من الجنس افضل و افضل منه الإخراج من العين.

(الرابعة) من وجبت عليه سن من الإبل ليست عنده و عنده أعلى منها بسن دفعها و اخذ شاتين أو عشرين درهماً

و لو كان عنده أدون منها دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهماً و ينبغي الاحتياط في الأخذ و الدفع بملاحظة التفاوت بالقيمة السوقية عندهما فيدفع اكثر الأمرين و يأخذ اقلهما و يجزي ابن اللبون الذكر عن بنت المخاض مع عدمها من غير جبران.

المبحث الثاني في زكاة النقدين الذهب و الفضة
اشارة

و يشترط في وجوبها فيهما أمور:

الأمر الأول بلوغ النصاب

و هو في الذهب خمسة عشر مثقالًا صيرفياً و فيها ربع العشر و هو ربع مثقال صيرفي و ثمنه و لا زكاة فيما دون الخمسة عشر مثقالًا و لا فيما زاد عليها حتى يبلغ ثلاثة مثاقيل صيرفية ففيها ربع عشرها و هكذا كلما زاد ثلاثة و ليس فيما نقص عنها شي ء و النصاب في الفضة مائة و خمسة مثاقيل صيرفية و فيها ربع العشر مثقالان و نصف مثقال

ص: 91

و ثمنه ثمّ كلما زاد أحد و عشرون مثقالًا صيرفياً كان فيها ربع عشرها و ليس فيما نقص زكاة و لو حبة و لا يضم أحد الجنسين من النقدين إلى الجنس الآخر.

الأمر الثاني الحول

و يعتبر أن يكون النصاب موجوداً فيه اجمع فلو نقص في أثنائه أو تبدلت أعيانه بجنسه أو بآخر أو تغيرت بالسبك و لو بقصد الفرار لم تجب و أن استحب اخراجها مع قصده.

الأمر الثالث أن يكونا منقوشين بسكة المعاملة

و ان هجرت فتكفي المعاملة بها وقتاً ما و في بلد دون آخر و إن حال عليها الحول فيها و لو جرت المعاملة بغير المنقوش من السبائك فلا زكاة فيه و لا فرق في النقش بين الكتابة و غيرها من سلطان أو شبهة مسلم أو كافر و لو اتخذ حلية للزينة لم يتغير الحكم ما دامت المعاملة باقية و لو نقص بذلك و لو غيره الاتخاذ بحيث لا يبقى للمعاملة به وجه فلا زكاة و الممسوح و إن كان بالعارض إذا لم يتعامل به كذلك و ما قام مقام المسكوك من الكاغد المسمى بالمنوط لا زكاة فيه و كذا المغشوش بغير الذهب و الفضة إلا مع بلوغ الخالص النصاب و لا تجب في الحلي و زكاته إعارته مع الأمن من الفساد.

الشرط الأول بلوغ النصاب

و هو ما يبلغ بوزن النجف الأشرف سنة 1340 بحسب الحقة التي هي عبارة عن تسعمائة و ثلاثة و ثلاثين مثقالًا صيرفياً و ثلث مثقال ثمان وزنات و خمس حقق و نصف إلا ثمانية و خمسين مثقالًا و ثلث مثقال و بوزن العيار الإسلامبولي سبع و عشرون وزنة و عشر حقق و خمس و ثلاثون مثقالًا و تجب فيما زاد على النصاب و إن قل فليس

ص: 92

للغلات إلا نصاب واحد و هو ما بلغ الوزن المذكور فصاعداً و لا عفو إلا فيما نقص عنه.

الشرط الثاني التملك

تملكها قبل وقت تعلق الزكاة بها بزراعة أو غيرها سواء تملك الثمرة وحدها أم مع غيرها فلا تجب فيما يبتاع أو يستوهب مع تكونه و بلوغه الحدّ الذي تتعلق به قبل الملك و وقت تعلق الزكاة بها عند تسميتها حنطة أو شعيراً أو تمراً أو عنباً مع بلوغه النصاب و لو تقديراً و لا يترك الاحتياط في مراعاة ما يترتب من الثمرات على ذلك و على القول بأن وقته اشتداد الحب و بدون الصلاح و الانعقاد حصرماً و وقت اعتبار النصاب بعد جفاف الغلات و قد تجب قبله مع العلم ببلوغه على تقدير الجفاف و أما وقت الإخراج الذي تجوز فيه المطالبة و يحصل الضمان بالتأخير عنه مع إمكان الأداء فهو بعد التصفية و الجذاذ و جمع الثمرة مسائل (الأولى) ما يسقى سيحاً أو بعلًا و هو شربه بعروقه أو عذياً و هو ما يسقى بالمطر ففيه العشر و ما يسقى بالنواضح و الدلاء و الآلات المستحدثة و نحوها ففيها نصف العشر و لو سقي بهما حكم للأغلب في الصدق و لو تساويا اخذ من نصفه العشر و من نصفه الآخر نصف العشر و مع الشك فالواجب الأقل و الاحتياط في الأكثر. (الثانية) الزكاة تجب بعد إخراج حصة السلطان و المؤن كلها السابقة و اللاحقة و منها البذر فيعتبر بلوغ النصاب بعد خروجها و إن كان الاحوط عدم إخراج شي ء من المؤن عدا حصة السلطان و أجرة الحارس. (الثالثة) المزكى من الغلات لا يزكى ثانياً و لو بقي أحوالًا ما فيه النصاب من غيرها.

المبحث الثالث في زكاة الغلات

و هي الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و لا تجب الزكاة في شي ء من هذه الأربع إلا بشرطين:

الفصل الثالث في أحكام الزكاة

تجب النية في الزكاة كغيرها من العبادات و لا بد فيها من القربة و الإخلاص فلو دخلها رياء أو قصد بها التوصل إلى أمر دنيوي بطلت و لو كان عليه زكاة مال و فطرة أو زكاة و كفارة وجب التعيين و يستحب تعجيلها بعد حلول وقتها بل الاحتياط في عدم التأخير إلا لغرض كانتظار مستحق معين أو انتظار الأفضل و لو تلفت بالتأخير لا لعذر ضمنها و لا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب إلا على جهة القرض فإذا حلّ

ص: 93

الوقت احتسبها عليه مع بقائه على صفة الاستحقاق و بقاء الدافع و المال على صفة الوجوب و له أن يستعيدها منه و يدفعها إلى غيره إلا ان الاحتياط في الاحتساب عليه و ترك الاستعادة منه و لو خرج عن صفة الاستحقاق استأنف و لو لم يوجد في بلده مستحق جاز نقلها و لو تلفت لم يضمن و لو كان موجوداً و نقلها ضمن مع التلف و لو طلبها الإمام وجب دفعها إليه و كذا الفقيه حال الغيبة على الأقوى و يقبل قول المالك في دعوى الإخراج إلا مع العلم بكذبه و يستحب دفعها ابتداء إلى الفقيه لأنه ابصر بمواقعها و إذا قبضها الإمام أو الفقيه أو كليهما برئت ذمة المالك و لو تلفت و بسطها على الأصناف افضل و أن جاز أن يخص بها صنفاً واحداً بل واحداً من صنف فإنه لا حد لما يعطى الفقير في أول دفعه فإن خير الصدقة ما اعقب غنى و لا يسقط مع الغيبة سهم السعاة و المؤلفة و يكره أن يملك ما أخرجه بالصدقة اختياراً و لا بأس بما يملكه قهراً بميراث و نحوه و ينبغي إعطاء زكاة النقدين أهل المسكنة و زكاة النعم أهل التجمل و يجوز إيصالها لمن يستحي من قبولها بطريق الهدية.

الفصل الرابع في الأصناف
اشارة

التي تصرف إليهم الزكاة و ما يعتبر فيهم و من الأوصاف

و فيه مبحثان:
المبحث الأول الأصناف ثمانية
الأول و الثاني الفقراء و المساكين

و هم الذين لا يملكون مئونة سنتهم اللائقة بحالهم لهم و لمن يقومون به لا بالفعل لا بالقوة و لا يمنع مالك الدار و الخادم و نحوهما اللائقين بحاله مع الحاجة و لا من بيده رأس مال يتعيش به و يعجز عن استنماء الكفاية و إن كان الأصل يزيد على مئونة السنة و يمنع ذو الصنعة مع نهوضها بحاجته و لو دفعها المالك بعد الاجتهاد فبان أن الآخذ غير مستحق ارتجعها فإن تعذر فالاحوط الضمان إذا كان الدافع هو المالك لا الإمام و نائبه و القادر على كسب ما يقوم بمئونته و لكنه لم يفعل تكاسلًا فلا ينبغي له ترك الاحتياط في الاجتناب عن أخذها و لم لم يفعل للاشتغال بالفقه أو بمحصلاته أو بواجب مزاحم جاز له و يعطى مدعي الفقر مع سبق فقره و مع الجهل به فالاحوط اعتبار الظن بصدقة و لا يلزم أعلام الفقير بأن المدفوع إليه من الزكاة نعم لو دفعها إليه

ص: 94

على وجه الصلة أو الهدية و نحوهما فبان غنياً لم يرتجعها مع تلف العين و كان عليه أداءها ثانية.

الثالث العاملون

و هم عمال الصدقة و الساعون في تحصيلها و تحصينها و جبايتها و إيصالها و حفظها و قسمتها من قبل الإمام أو نائبه حسبما أذن لهم فيعطون منها و لو كانوا أغنياء.

الرابع المؤلفة قلوبهم

و هم الذين يستمالون إلى الجهاد و إلى الإسلام بالأسهام في الصدقة و إن كانوا كفاراً و يشكل إعطاؤهم مع القطع بعدم حصول التأليف.

الخامس في الرقاب

و هم المكاتبون مع قصور كسبهم عن أداء مال الكتابة و العبيد الذين تحت الشدة و المرجع فيها إلى العرف و من وجبت عليه كفارة لم يجد ما يعتق به و لو لم يوجد المستحق للزكاة جاز ابتياع العبد منه و يعتق للفقراء ولاؤه.

السادس الغارمون

و هم المدينون في غير معصية و لا إسراف و لم يتمكنوا من وفائها و لو ملكوا قوت سنتهم و يسترجع ما دفع إليهم مع إبرائهم منها أو العلم بالصرف في غير الوفاء و تجوز مقاصته المستحق بدين في ذمته و كذا لو كان على من يجب الانفاق عليه جاز القضاء عنه حيّاً أو ميتاً.

السابع سبيل الله

و هو كل ما كان قربة أو مصلحة كالجهاد و الحج و بناء القناطر و المدارس و المساجد و إعانة الزائرين و العلماء و المشتغلين بالعلوم الدينية و تخليص الشيعة من يد الظالمين و إصلاح ذات البين و قمع الفتن و بث الأمن و نحوها.

ص: 95

الثامن ابن السبيل

و هو المنقطع به في الغربة و لو كان غنياً في بلده إذا كان سفره مباحاً و لو كان في معصية أو تمكن من الاقتراض و نحوه لم يعط و يحتسب على الضيف ما أكل إذا كان ابن سبيل أو فقيراً أو كان في اطعامه جهة قربية.

المبحث الثاني أوصاف الأصناف
اشارة

و هي أمور:

الأول الإيمان

فلا يعطى مسلم غير محق فضلًا عن الكافر و في صرفها إلى المستضعف مع عدم المحق تردد أشبهه المنع إلا من سهم المؤلفة و نحوه في الجملة و يعطى أطفال المؤمنين و المخالف إذا أعطى فريضة لمخالف ثمّ استبصر أعاد و لا يعطى ابن الزنا من الطرفين و في منعه مع بلوغه و إيمانه إشكال و لا تعطى بيد الطفل بل يصرفها على الأطفال بنفسه أو بواسطة أمين أو يدفعها إلى وليهم و المجنون كالطفل و يجوز الدفع إلى السفيه و إن كان محجوراً عليه.

الثاني العدالة

و اعتبارها جيد و إن كان الأقوى هو الاكتفاء بالإيمان نعم لا يبعد عدم جواز إعطائها للمتجاهر بارتكاب الكبائر و فيما إذا كان يعلم أن في دفعها إعانة على الإثم أو اغراء بالقبيح و في المنع ردعاً عن المنكر و الاحوط اعتبارها في العامل لا في الغارم و ابن السبيل و في الرقاب.

الثالث أن لا يكون ممن تجب نفقته كالأبوين

و إن علوا و الأولاد و إن سفلوا و الزوجة الواجبة النفقة و المملوك فلا يجوز الدفع إليهم من سهم الفقراء نعم لو كان واجب النفقة عاملًا أو غازياً أو غارماً جاز الدفع إليه من سهم الصنف الذي دخل فيه و لو عال بأحد تبرعا جاز له دفع زكاته له قريباً كان أو أجنبياً و في جواز دفع الأغنياء زكاتهم لأبنائهم إذا لم يكونوا واجبي النفقة إشكال و لا بأس بدفع الزوجة زكاتها للزوج و إن أنفقها عليها.

ص: 96

الرابع أن لا يكون هاشمياً

فإن زكاة غير الهاشمي محرمة عليه أما زكاة الهاشمي فلا بأس بتناول الهاشمي منها كما لا بأس مع قصور الخمس عن كفايته ان يقبلها من غير الهاشمي مع اضطراره مقتصراً على قدر الضرورة يوماً فيوماً و لا بأس الصدقة المندوبة و لو كانت زكاة تجارة للهاشمي و غيره بل و الصدقة الواجبة غير زكاة المال و البدن على الأقوى.

الخاتمة
اشارة

و فيها أمور:

(الأول) القبض شرط في ملكية جميع الأموال العبادية

فلا يملك المستحق منها شيئاً إلا بعد القبض المعتبر فلو حصل بدون إذن المالك أو من قام مقامه توقف على الإجازة فلا تصح مصالحة المستحق عما في الذمة من الزكاة و نحوها و لا عن الأعيان الموجودة قبل القبض نعم يمكن ان يبيعه مثلًا جنساً بثمن ثمّ يحتسبه عليه من الزكاة و تجوز المقاصة حسبه مع الرجوع إلى الفقيه في التسليم أو الصرف فمن كان عليه دين لممتنع من أداء ما عليه من الزكاة و نحوها جاز انكاره و تسليم ماله من الدين إلى الفقيه و احتسابه على نفسه بإذنه و أما ولي الفقراء فله المقاصة و المصالحة و الابراء و الاقتراض على الزكاة و الصرف نعم ليس له إدخال الضرر على الفقراء كان يصالح المالك عما في ذمته من الأموال الكثيرة بشي ء يسير.

(الثاني) الزكاة و غيرها من الحقوق الشرعية حالها كحال الديون في خروجها من اصل التركة

و تقديمها على الوصايا و لو قصرت التركة عنها و عن الديون وجب التوزيع إذا كانت الزكاة في الذمة و ضاق المال عن الجميع و أما لو كانت الأعيان الموجودة مما تعلقت بها الزكاة قدمت على الديون و وزع الباقي عليها و لو جهل حال الميت أو علم باشتغال ذمته و لكنه شك في أدائه فالظاهر أنه لا يجب الإخراج و إنما يجب مع العلم بالأمرين و لا فرق في ذلك بين الديون الخالقية و المخلوقية.

(الثالث) يجوز ترجيح بعض المستحقين على الآخر

و يستحب لمرجح كعلم أو تقوى أو جوار أو رحم أو شدة حاجة و نحو ذلك و أجرة الكيل و الوزن و التعداد على المالك و يستحب له الإعلان بإخراجها إذا كان ممن يتأسى به أو يجب به الغيبة عن نفسه

ص: 97

و أن يشكر الله تعالى على توفيقه لهذه العبادة و إجراء الخير على يديه و جعل خلقه محتاجين إليه و أما الآخذ فينبغي أن يدعو للمالك و يثني عليه و يشكره على جميل صنعه جعلنا الله من عبيده الشاكرين لمالكهم ملك يوم الدين.

المقصد الثاني في زكاة الفطرة

اشارة

و هي زكاة الأبدان التي بها يتم الصيام و يتم ما نقص من زكاة المال و يخاف على من لم يفعلها الفوت و الكلام فيمن تجب عليه و في جنسها و في مقدارها و في وقت وجوبها و فيمن تصرف إليه يقع في فصول:

الفصل الأول فيمن تجب عليه

إنما تجب على البالغ العاقل الحرّ الغني فعلًا أو قوة فلا تجب على الصبي و المجنون و لا على وليهما أن يؤدي عنهما من مالهما و لا عمن يعولون به نعم تجب عنهما لو كانا عيالًا لمن جمع الشرائط و كذا لا تجب على من هلّ عليه شوّال و هو مغمى عليه و استوعب اغماؤه وقت الوجوب و لا على المملوك و لو تحرر بعضه وجب عليه و على المولى بالنسبة و لا على من لا يملك مئونة سنة له و لعياله لا فعلًا و لا قوةً و الاحوط لمن ملك صاعاً زائداً على مئونة يومه و ليلته إخراجها و يستحب للفقير مطلقاً إخراجها و لو بأن يدير صاعاً على عياله ثمّ يتصدق به على الأجنبي بعد أن ينتهي الدور إليه و من استكمل الشرائط عند هلال شوال يخرجها عن نفسه و عياله من مسلم و كافر و حر و عبد كبير و صغير حتى المولود الذي يولد له قبل الهلال و لو بلحظة و كذا كل من يدخل في عيلولته قبل الهلال حتى الضيف على الاحوط بل الأقوى و في المدعو من أهل البلد إشكال و تجب فيها النية من المالك أو ممن قام مقامه و لو حصلت الشرائط ما بين الهلال و صلاة العيد استحبت.

الفصل الثاني في جنسها

و الضابط إخراج ما كان قوتاً غالباً كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الارز منزوع القشر و الاقط و الحليب و أفضلها التمر ثمّ الغالب على قوت بلده لغالب الناس و الاقتصار على أحد الأربعة الأول أولى و إن أجزأ غيره و لو من غيرها كالذرة إلا ان الاحوط دفع ما عدا الأربعة قيمة حتى الدقيق و الخبز و الرطب و العنب و

ص: 98

يعتبر في المدفوع فطرة أن يكون صحيحاً سالماً فلا يجزي المعيب و لا الممزوج بما لا يتسامح منه و لا الملفق من جنسين إلا على جهة القيمة سواء كانت من النقود أو من غيرها و إن كان الاعتبار بالنقود هو الأولى و العبرة للقيمة في وقت الإخراج و مراعاة أعلى القيم من حين الوجوب إلى زمن الإخراج أحوط.

الفصل الثالث في مقدارها

و هو صاع عن كل شخص من جميع الأجناس حتى اللبن و يبلغ بعيار النجف الأشرف نصف حقة و نصف أوقية واحد و ثلاثين مثقالًا إلا مقدار حمصتين في سنة 1342 ه.

الفصل الرابع في وقتها

و تجب بهلال شوال و يستمر وقت دفعها من حين وجوبها و هو الهلال و يتضيق عند صلاة العيد على الاحوط إذا صلاها و إلا فإلى وقت الزوال و الأفضل دفعها قبل صلاة العيد. فإن خرج وقتها و كان قد عزلها دفعها لمستحقها و لم يجز تبديلها إلا بما هو الاعود و ان لم يكن قد عزلها فالأقوى عدم سقوطها بل يؤديها ناوياً بها القربة من غير تعرض للأداء و القضاء و لا للزكاة و الصدقة و الاحوط عدم نقلها مع وجود المستحق و عدم تأخيرها كذلك و لا ضمان عليه لو تلفت بدون تعد و لا تفريط كالتأخير مع وجود المستحق و إمكان التسليم.

الفصل الخامس في مصرفها

و هو مصرف زكاة المال و الهاشمي يعطي زكاته و زكاة من يعوله للهاشمي و لغيره و غير الهاشمي لا يدفعها إلا لغير الهاشمي إلا مع الضرورة و ينبغي مراعاة الاحتياط مع الاختلاف في ذلك بين من تجب عليه و من تجب عنه و إن كان الأقرب كون العبرة بصاحب العيال في كونه هاشمياً أو غير هاشمي و الاحوط الاقتصار في الدفع على الفقراء المؤمنين و أطفالهم و أن لا يدفع للفقير اقل من صاع أو قيمته إلا أن يجتمع من الفقراء من لا يسعهم إلا ذلك فيجوز أن يعطى الواحد أصواعاً بل ما يغنيه و يستحب أن يخص الأرحام و الجيران و ما يكون فيه أحد المرجحات القريبة و الله اعلم.

ص: 99

كتاب الخمس

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

(وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ)

الحمد لله الذي تفضل على عباده بقبول الخمس من الأموال تمحيصاً للذنوب و وسيلة للتطهير و توصلًا إلى الحلال و فرضه لذوي القربى كرامة لهم و إجلال و الصلاة و السلام على خيرته من خلقه و آله خير عترة و آل.

أما بعد فهذا كتاب الخمس الذي فرضه الله في محكم كتابه و جعله لنفسه و لأوليائه أئمة الحق وسواس الخلق من غير حاجة و لا فاقة بل الناس إلى القبول منه و من أوليائه مفتقرون و إلى تحليل ما يبقى في أيديهم من الأموال محتاجون و كيف يقدم المسلم على قطعه و منعه و قد سمع كلام الله و بلغه ما قال أولياؤه الذين لا ينطقون عن الهوى فمن ذلك قوله عليه السلام (إن من أكل من مالنا شيئاً فإنما يأكل في بطنه نارا و سيصلى سعيرا) و من الأخبار ما ورد عن خاتم الأئمة الأطهار مولانا صاحب الدار من ان من يستحل ما في يده من أموالنا و يتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا فهو ملعون و نحن خصمائه و قوله عليه السلام تمحضونا المودة بألسنتكم و تزوون عنا حقاً جعله الله لنا و جعلنا له و هو الخمس و عن أبي الحسن الرضا عليه السلام انه كتب بسم الله الرحمن الرحيم ان الله واسع كريم ضمن على العمل الثواب و على الخلاف العذاب لا يحل مال إلا من وجه احله الله ان الخمس عوننا على ديننا إلى ان قال فلا تزووه و لا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه فإن إخراجه مفتاح رزقكم و تمحيص ذنوبكم و ما تمهدون لأنفسكم يوم فاقتكم و المسلم من يفي بما عهد إليه و ليس المسلم من أجاب باللسان و خالف بالقلب و السلام إلى غير ذلك من الأخبار و يكفي منها ما ذكرناه عضة و تذكرة لمن قرأه و تدبره فلا ريب في ان وجوبه من ضروريات المذهب و الدين التي من انكرها لم يكن من المسلمين

ص: 100

و البحث عنه يقع في مقصدين.

المقصد الأول فيما يجب فيه الخمس
اشارة

و هو سبعة أمور:

الأول غنائم دار الحرب مطلقاً

و لو كان على جهة الدفاع و بدون إذن الإمام و في حال الغيبة على الاحوط سيما إذا كان للدعوة إلى الإسلام و من الغنائم ما لا ينقل كالارض المفتوحة عنوة بعد إخراج ما ينفق عليها من المؤن و ما اغتنم منه بالسرقة و الغيلة و السلب و لا يختص السالب بالباقي إلا إذا شرطه الإمام و كذا المأخوذ من أهل الحرب بالربا و الدعوة الباطلة و نحوهما على الاحوط مع إخراجه من حيث كونه غنيمة لا فائدة و لا يعتبر بلوغ الغنيمة عشرين ديناراً على الأصح.

الثاني المعادن

كالذهب و الفضة و الرصاص و الياقوت و الزبرجد و الاثمد و القير و النفط و الكبريت و الملح و نحوهما مما كان من الأرض و لا يسمى ارضاً و لا نابتاً و له قيمة و أما ارض النورة و حجارة الرحى و نحوهما مما يسمى أرضاً و إن علت قيمته فلا تندرج فيها و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه في ذلك و في إخراج الخمس مما حصل من المعادن بعد مئونة إخراجها إذا بلغ ديناراً بل مطلقاً و إن كان الأقوى عدم وجوبه حتى يبلغ بعد ذلك عشرين ديناراً عيناً أو قيمةً و لو كان ذلك في دفعات قد تخلل الأعراض بينها و كذا لو اشترك في إخراجه جماعة و إن بلغ نصيب المجموعة نصاباً و لو تعدد الإخراج و المخرج بالكسر و انتفى الاشتراك اعتبر بلوغ نصيب كل واحد نصاباً و لو كان صبياً أو مجنوناً تعلق الخمس فيه و وجب على الولي الإخراج.

الثالث الكنز

و لا يجب الخمس فيه حتى يبلغ عشرين ديناراً في الذهب و مائتي درهم في الفضة و ايهما بلغه في غيرهما و يلحق بالكنز ما يوجد في جوف الدابة المبتاعة مثلًا فيجب فيه الخمس بعد عدم معرفة البائع و كذا ما يوجد في جوف السمكة و نحوها بل لا تعريف فيه للبائع إلا أن تنشأ في ماء محصور مملوك للبائع و لو وجده في دار مملوكه عرفه صاحبها فإن عرفه فهو له و لو تعدد و أعرّف الجميع و إلا فهو لواجده و عليه الخمس و لو علم في جميع ذلك بأنه لمسلم و نحوه ممن هو محترم المال موجود هو أو وارثه لا لقديم منقرض فهو من مجهول المالك فيدفعه إلى الحاكم الشرعي.

ص: 101

الرابع في الكنز و الغوص

كلما يخرج من البحر بالغوص مما تكون فيه من الجواهر و الدر و غيرهما معدنياً كان أو نباتياً و لو في دفعات إذا بلغت قيمته بعد مئونة إخراجه ديناراً فصاعداً و لو خرج بنفسه أو بآلة فالاحوط إخراج خمسه بل لا ينبغي تركه في الثاني و ما اخرج من الأنهار العظيمة مع تكونه فيها حكمه حكم ما يخرج من البحر على الأقوى و يجب في العنبر بعد المئونة إن كان إخراجه بالغوص و الأقوى عدم اعتبار النصاب فيه.

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة

له و لعياله مقتصداً بحسب حاله من ارباح التجارات و الصناعات و الزراعات بل و سائر التكسبات كالاصطياد و الاحتطاب و الاحتشاش و الخياطة و النساجة و السقاية و السعاية و الحجامة و الدلالة و تعليم الأطفال و ايجار النفس و لو للعبادة و بيع الاكفان و غسل الثياب و غير ذلك من الصنائع و التكسبات وضيعة كانت أو شريفة و غير ذلك من حيازة المباحات و الاستنماءات و ارتفاع القيمة و نحوها مما يدخل تحت مسمى التكسب و الاحوط تعلقه بكل فائدة عدا ما يملك بالخمس و الزكاة و لو نما في ملكه وجب في النماء و أما الهبات و الهدايا و الجوائز و الميراث فالاحوط تعلقه بها سيما في الميراث الذي لم يحتسب و الأقوى عدم تعلقه بمطلق الميراث و المهر و عوض الخلع و الخمس في هذا القسم من الفاضل بيده من الربح عن مئونة السنة التي أولها حال الشروع في الكسب فيمن عمله التكسب و في غيره من حين حصول الربح و السنة هنا اثنا عشر شهراً و المراد بالمئونة ما ينفقه على نفسه و على عياله و أضيافه و ما يحتاجه لزياراته و صدقاته و جوائزه و هداياه و مصانعاته و الحقوق اللازمة له بنذر أو كفارة و نحوهما و ما يحتاج إليه لتزويجه أو تزويج أولاده أو ختانهم و في التداوي و إقامة العزاء و غير ذلك نعم يقتصر في الجميع على ما يليق بحاله في عادة أمثاله دون ما كان سفهاً و سرفاً فلو أسرف حسب عليه و لو قتر لم يحسب له و لا بأس بالتوسعة إذا لم تعد سفهاً و لا فرق في الفاضل بين النقود و بين ما يفضل عن مئونة البيت مما يدخر فيه كالأرز و الدهن و الحطب و الفحم و نحوها إذا كانت من الأرباح أو الفوائد و لم يؤد خمسها

ص: 102

قبل ذلك و كذلك الحيوانات إذا دخلت في الأرباح أو الفوائد وجب خمسها و لو كانت مما تجب فيه الزكاة أو تستحب أخرج زكاتها أولًا ثمّ أخرج خمسها عدا ما يحتاجه لركوب و نحوه أو لانتفاع بلبنه لبيته أو لضيوفه و لو كان عنده مالٌ آخر لا خمس فيه فالأقوى جواز إخراج المئونة من الربح دون ما لا خمس فيه و إن كان هو الاحوط و لو قام بمئونته غيره لم تحتسب المئونة و وجب الخمس من جميع الربح و لو قام بالبعض حسب ما لم يقم به فقط و لو مات في أثناء الحول بعد ظهور الربح لم تحسب مئونة باقية و لا يعتبر الحول في وجوب الخمس في هذا القسم و إن جاز التأخير إليه في الأرباح احتياطاً للمكتسب فلو أراد تعجيل الخمس جاز و هو افضل و ليس له الرجوع بعد ذلك و لو بأن عدم الخمس مع تلف العين و عدم العلم بالحال و لو علم بزيادة الربح على قدر مئونة السنة خمس الزائد المعلوم مبادراً و قضاء الدين مطلقاً و مئونة الحج و الزيارة المندوبين من المئونة على الأقوى.

السادس الأرض التي يشتريها الذمي من مسلم

و إلحاق مطلق الانتقال إليه سيما مع كونه بعقد معاوضة بالشراء هو الأقرب و الأولى اشتراط مقدار الخمس عليه في ضمن الانتقال و له دفع خمس العين أو قيمته كما لا يبعد ان له ابقاءها و دفع خمس حاصلها دائماً و لا يسقط عنه الخمس بإسلامه و يبقى الخمس فيها و لو باعها على مسلم أو ردّها بإقالة أو خيار على الاحوط و مصرف هذا الخمس مصرف غيره و لا نصاب له و لا حول و لا نية حتى على الحاكم و إن كان الاحوط له ذلك.

السابع الحلال المختلط بالحرام

مع الجهل بالمقدار و المالك بحيث لا يعلم ذلك أصلًا و لو في محصور فانه يجب إخراج خمسه حينئذ أما لو علم صاحبه و مقداره دفعه إليه و لا خمس و لا علم المالك في عدد محصور فالاحوط التخلص منهم جميعاً فإن لم يمكن ففي استخراج المالك بالقرعة أو توزيع المال عليهم بالسوية أو يكون بحكم مجهول المالك وجوه أضعفها الأخير و لو كان في عدد غير محصور تصدق بالمال على من يشاء ما لم يظنه بالخصوص

ص: 103

فلا يترك الاحتياط بالتصدق به عليه إذا كان محلًا لذلك و لا يجدي الظن بالخصوص في المحصور و لو علم مقدار المال و جهل المالك جرى عليه حكم مجهول المالك و بالعكس تخلص منه بالصالح و مصرف هذا الخمس كغيره على الأصح و إن كان الاحوط دفع هذا القسم و سابقه إلى الحاكم.

المقصد الثاني في قسمته و مستحقه

يقسم الخمس نصفين نصف للإمام عجل الله فرجه و جعلنا فداه و نصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل المنتسبين إلى عبد المطلب بن هاشم بالأبوة دون المنتسب إليه بالأخوة أو الأمومة فانه لا يحل له الخمس و تحل له الصدقة و يثبت النسب بالشياع و البينة و أما ما كان للإمام فيجب دفعه في زماننا لنائبه و هو المجتهد الجامع للشرائط أو بإذنه و النصف الآخر يجوز للمالك بنفسه أو وكيله دفعه لمستحقه و إن كان الأولى دفع الجميع إليه فلو دفعه المالك بنفسه أو بوكيله لم تبرأ ذمته إلا بوصوله إلى مستحقه و لو دفعه إلى الحاكم أو وكيله برئت ذمته مطلقاً و يعتبر الإيمان في مستحقي الخمس أو ما بحكمه و لا تعتبر العدالة و إن كان لا ينبغي الدفع إلى المتجاهر بارتكاب الكبائر بل يقوى عدم الجواز مع العمل بأن في ذلك إعانة على الإثم أو إغراءً بالقبيح و يعتبر الفقر في اليتامى لا في ابن السبيل و هو المسافر سفر طاعة أو في غير معصية فلا يعتبر فيه الفقر في بلده نعم تعتبر فيه الحاجة في بلد التسليم فيعطى ما يحتاجه فيه و في طريقه و لو كان مستحق الخمس ممن تجب نفقته عليه فالأقوى عدم الدفع له إذا كان للنفقة أما الدفع إليه لغير النفقة مما يحتاج إليه و لم يكن واجباً عليه فلا بأس به كما لا بأس بالدفع لنفقة من يعولون به و لا يجب الاستيعاب و البسط في الخمس و حكم التفضيل و النقل و الضمان به كما سبق في الزكاة.

خاتمة في الأنفال

اشارة

و هي ما تختص بالإمام عليه السلام زائداً على ما يستحقه مع قبيله و فيها مبحثان:

الأول في عددها

و هو أمور كثيرة (منها) الأرض التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و الموات التي لا ينتفع بها لعدم ماء و نحوه و لم يملكها أحد أو ملكها و باد بل كل ارض لا مالك

ص: 104

لها و إن لم تكن مواتاً كالجزيرة التي في الأنهار. (و منها) رءوس الجبال و ما يكون بها و بطون الأودية الآجام. (و منها) ما كان للملوك من صفايا و قطائع و كذا صفو الغنيمة. (و منها) الغنائم التي ليست بإذن الإمام على ما مرّ. (و منها) ميراث من لا وارث له و غير ذلك مما تكلفت به الكتب المبسوطة.

الثاني في أحكامها

و الظاهر إباحة جميع الأنفال للشيعة في زمن الغيبة على وجه يجري عليها حكم الملك من غير فرق بين الغني و الفقير و الهاشمي و غيره نعم الاحوط إن لم يكن أقوى في ارث من لا وارث له ايصاله إلى نائب الغيبة و هو المجتهد الجامع و قد أباحوا سلام الله عليهم لشيعتهم جميع مالهم و لغيرهم من الخمس في يد غير الشيعة ممن لا يرون فيه الخمس فيجوز لنا معاشر الامامية شراء الجواري و المساكن و المتاجر و غيرها من المخالفين و إن كانت للإمام أو كان فيها الخمس و لو اشترينا من بعض الشيعة عينا فيها الخمس وجب إخراجه مع العلم بعدم أداء البائع له كالزكاة.

خاتمة فيها أمور

(الأول) الخمس مقدم على جميع الوصايا

و مع قصور المال عن الوفاء به و بالديون يوزع على الخمس إذا كان في الذمة و عليها بالنسبة.

(الثاني) لا يجوز الاحتيال في أخذه

و لا في اخذ غيره من الحقوق المالية بهبة الغني ما يملكه لولده أو لزوجته ليكون من الفقراء و لو فعل ذلك فالظاهر انه يملك ما يقبله منها و إن عصى.

(الثالث) لا يبعد وجوب طلب الخمس على المضطرين من الهاشميين

و لا غضاضة عليهم في ذلك لأنه حقهم الذي اكرمهم به الله تعالى و فرضه لهم مالك الملك على عباده و جعله من شرائط الإيمان و ذكر اسمه المقدس و رسوله المصطفى معهم إجلالًا لهم فمطالبتهم به كمطالبة الأمراء و الرؤساء لا كمطالبة المساكين و الفقراء و السعيد من قام بواجباتهم و سعى في قضاء حاجاتهم و قد أكد الله تعالى و رسوله الوصية بصلة الذرية النبوية و قد ورد من الأخبار في ذلك ما لا يحصى و نكتفي في المقام بخبر واحد يكون به الختام و هو ما ذكره آية الله العلامة في وصية ولده الفخر التي ختم

ص: 105

بها القواعد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم: أني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف و لو جاءوا بذنوب أهل الأرض رجل نصر ذريتي و رجل بذل ماله لذريتي عند المضيق و رجل احب ذريتي باللسان و القلب و رجل سعى في حوائج ذريتي إذا طرّدوا أو شرّدوا الخبر. وفقنا الله لخدماتهم و القيام بواجباتهم آمين.

كتاب الصدقات

اشارة

بسمه تعالى

(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقٰاتِ فَنِعِمّٰا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله كما هو أهله حمداً كثيراً و صلى الله على محمد و أهل بيته الذين يُطْعِمُونَ الطَّعٰامَ عَلىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً إِنَّمٰا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّٰهِ لٰا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزٰاءً وَ لٰا شُكُوراً. أما بعد فهذا كتاب الصدقات و ما يلحق بها من العطايا و الهبات

و في ذلك مقصدان:

المقصد الأول في الصدقة
اشارة

و هي واجبة و محرمة و مندوبة و مكروهة كراهة عبادة و الواجبة كالصدقة بثلث من الهدي و التصدق بمجهول المالك مع الاستئذان من الحاكم الشرعي و إلا وجب دفعه إليه احتياطاً لا يترك و مصرفه الفقراء كمصرف رد المظالم و هي أموال في الذمة معلومة أو مظنونة غير معلومة الأهل أصلًا و لا بد فيها من مراجعة الحاكم أيضاً و تبرأ الذمة بمصالحته عنها بمقدار معين على الأظهر و قد تجب في غير ذلك و لعارض و المحرمة كزكاة المال و الفطرة على بني هاشم إلا من الهاشمي و إلا مع الضرورة و قصور خمسهم عن كفايتهم و قد تحرم لعارض و المكروهة تذكر في أقسام الصدقة (و أما المندوبة) فما يفتقر إلى العقد منها فهو الصدقة التي هي قسم من الهبة و هي إعطاء مملوك ينتفع به تبرعاً لوجه الله و ربما استطردنا فيما يأتي أقساماً قد نطلق عليها تجوّزا و أما الكلام عليها من حيث فضلها و أقسامها و مصرفها و أحكامها يقع في فصول:

ص: 106

الفصل الأول في فضلها و ثبوت الأجر عليها

و هو ثابت عقلًا و نقلًا كتاباً و سنة متواترة فعنه صلّى الله عليه و آله و سلّم ان الصدقة تدفع ميتة السوء و ان الله يدفع بها الداء و الدبيلة و الحرق و الغرق و الهدم و الجنون إلى أن عدّ سبعين نوعاً من البلاء و عن الصادق عليه السلام داووا مرضاكم بالصدقة و ادفعوا البلاء بالدعاء و استنزلوا الرزق بالصدقة و إنها ما تقع في يد السائل حتى تقع في يد الرب و ان الصدقة جنة من النار و انها خير مال المرء و ذخائره و إنها ترد القضاء المبرم.

الفصل الثاني في أقسامها

و هي بأجمعها مستحبة راجحة مرغب فيها مندوب إليها عموماً و إن تفاوتت افرادها في الفضيلة و اختلفت في مراتب الرجحان باختلاف الأحوال و الأزمان و الصدقة و المتصدق عليه فمن افرادها الفاضلة (صدقة السر) إلا أن يتهم بترك المواساة أو يرجو اقتداء الغير به بخلاف الواجبة فإظهارها افضل (و منها) الصدقة في الأوقات الشريفة كشهر رمضان و الجمع و الأعياد و نحوها فإن الحسنات فيها تتضاعف. (و منها) الصدقة بالمحبوب. (و منها) الصدقة على ذي الرحم الكاشح. (و منها) جهد المقل و هو الإيثار على نفسه لا على عياله. (و منها) المعروف فقد ورد أن كل معروف صدقة و أنه لا شي ء افضل من المعروف إلا ثوابه و إن للجنة باباً يقال له المعروف لا يدخله إلا أهل المعروف و إن صنائع المعروف تقي مصارع السوء إلى غير ذلك و يراد منه في المقام كلما ندب إليه الشرع من الطاعات و القربات و الإحسان إلى العباد و منه الإنفاق على النفس على وجه العدل و الاقتصاد بحيث لا يضيع حقها و لا يخرجها إلى الاتراف و البطر و منه الإنفاق على العيال لأنهم أسراؤه و على الاضياف و الإحسان إليهم و منه إيصال نفع عام إلى الناس ببناء المساجد و المدارس أو وقف كتب علمية أو عملية و منه طيب الكلام سيما إذا قضى أو اقتضى أو جادل أهل الباطل و منه العدل بين النساء و التوسعة على العيال عند زيادة النعمة فقد ورد إن أرضاكم عند الله اسبغكم على عياله و منه إنظار المديون و افضل منه إبراءه و منه بذل الجاه و قضاء حوائج المؤمنين إلى غير ذلك و من الصدقات المفضولة الصدقة على الأجنبي مع حاجة

ص: 107

الرحم فقد ورد أنه لا صدقة و ذو رحم محتاج و الصدقة بالخبيث المستكره و الصدقة بجميع المال إلا مع الوثوق بالصبر و عدم العيال و صدقة المديون بالمجحف و الصدقة مع التضرر بها و الصدقة مع المن بها و الأذى فمن اصطنع معروفاً فمنّ به حبط عمله و خاب سعيه و من اسدى إلى مؤمن معروفاً ثمّ أذاه بالكلام أو منّ عليه فقد أبطل الله صدقته.

الفصل الثالث في مصرفها

و افضل من تصرف إليه العلماء الأتقياء و بنو هاشم و الجيران و الأصدقاء ثمّ مطلق أهل الإيمان ثمّ المخالفين غير الناصبين ثمّ الذميين و الفقراء من جميع الأقسام أولى من الأغنياء بالانعام و ينبغي ملاحظة حال المتصدق عليه في قلة الحاجة و زيادتها و علو المنزلة وضعتها و يكره السؤال و إظهار الحاجة و الفقر إلا مع الاضطرار و في اطعام الحيوانات و سقيها و اطعام الهوام و الحيتان اجر عظيم.

الفصل الرابع في مقدارها و جنسها

و الحد في الزيادة ان لا تبلغ إلى حد يضر بحاله و لا حد لقليلها فتكفي التمرة و شقها و يستحب ان تكون مما يحب مع ملاحظة ما هو الانفع للفقير منه و التمر مما يرجح التصدق به مع قطع النظر عن المرجحات الأخر و قد ورد الحث على الصدقة بالماء و إن أول ما يبدأ به في الآخرة صدقة الماء و ان افضل الصدقة ابراد كبد حرّا و يلحق به بذل الجاه.

الفصل الخامس في أحكامها

و لا بد فيها من إيجاب بنية القربة و قبول لفظيين أو فعليين و لا تملك إلا بالدفع و القبض و لا يجوز الرجوع فيها بعده و إن كانت على أجنبي و يجوز قبله و إن كانت على رحم و لو كان القبض بلا إذن من المالك لم تنتقل منه و لا ينبغي للمالك أن يرد الصدقة في ماله لو ردها السائل بل الاحوط له إعطاءه لغيره فقد روي ان من تصدق بصدقة فردت عليه فلا يجوز له أكلها و لا يجوز له إلا انفاقها إنما منزلتها بمنزلة العتق لله. الخبر و كذا لو أخرجها السائل فلم يجده.

ص: 108

المقصد الثاني في الهبة

و هي ترادف العطية و تعم الصدقة و النحلة و الهدية و الجائزة و لا بد فيها من صدور ما يدل على التمليك من غير عوض و من قبول و هو ما دل على الرضا و يكفي في ملكية الهدية التي هي إرسال شي ء بقصد الاكرام و التودد ارسالها و وصولها إلى من اهديت إليه و هي قد تكون مستحب و قد تحرم إذا كان الغرض منها و لو بواسطة ما تورثه من الحب التوصل إلى الحكم له حقاً كان أو باطلًا لأنها رشوة نعم لا بأس بها توصلًا إلى قضاء الحوائج المباحة و حصول المنزلة و نحوه و يتوقف الملك في الهبة على القبض بإذن المالك أو وكيله و لا تصح إلا من المكلف المالك الجائز التصرف و كذا لا يصح القبول و القبض إلا من المكلف و للأب و الجد الولاية فيهما عن الصغير و المجنون و أما الموهوب فلا بد من كونه مما يصح نقله و تمليكه من الأعيان و المنافع و غيرهما فتصح هبة الدين لغير من هو عليه و يملكه بقبض ما ينطبق عليه من أفراده بإذن الواهب و لو وهبه لمن هو عليه و قصد الإسقاط كان إبراء و لم يحتج إلى قبول و لا قبض و إن قصد الهبة لم يحتج إلى القبض و الغالب في هبة المدة للمنقطعة كونها إسقاطاً فتكون بمنزلة الإبراء فلا تحتاج إلى القبول و تبطل الهبة بموت أحدهما قبل القبض و لو وهبه ما في يده و لو غصباً كفى ذلك عن القبض المتجدد و كذا لو وهب الولي ما في يده للصبي و تصح هبة المشاع و أحد العبدين و في هبة اللبن في الضرع و الحمل في البطن وزيت الشجر قبل اعتصاره إشكال و للواهب الرجوع بعد الاقباض إذا كانت الهبة قائمة بعينها ما لم يتصرف بها تصرفاً متلفاً للعين عرفاً و لو عابت لم يرجع بالأرش و إن زادت زيادة متصلة تبعت العين و إن كانت منفصلة كانت للموهوب له و كذا لا يصح الرجوع لو كان رحماً و إن جاز نكاحه أو زوجاً أو زوجة و كذا لو كانت الهبة معوضة بما تراضيا عليه أو كانت بقصد القربة و لا تخرج عن الهبة بالعوض لأنه شرط في التمليك المجاني لا في مقابلة العين الموهوبة و يكره الرجوع في الهبة بأقسامها فإن الراجع في هبته كالراجع في قيئه و يجوز تفضيل بعض الولد على بعض كراهة بل تستحب التسوية بينهم و لو كان التفضيل موجباً لإثارة الشحناء و التقاطع باعثاً على ارتكاب

ص: 109

المحرم لم يجز و وجبت التسوية و قد يستحب التفضل و لو لم يكن كذلك و كانت في المفضل جهة توجب تفضيله.

خاتمة

اشارة

استحباب صلة الأرحام ثابت بالكتاب و السنة و الإجماع مرغب فيه و ربما وجب و رحم الإنسان من عرف بنسبه و إن بعد و جاز نكاحه و ليس مقصوراً على خصوص من يحرم التناكح بينه و بينه و لو تقديراً كأخوين مثلًا نعم كلما ازداد الرحم قرباً تأكد استحباب صلته و برّه و للأبوين حقوق يمتازان بها عن غيرهما من الأرحام فهاهنا فصلان:

الفصل الأول يجب على المكلف مع القدرة و انتفاء الضرر إطاعة أبويه في كل فعل ما عدا فعل الحرام و ترك الواجب

حتى فيما لا يجب فيه الاحتياط من الشبهات لأن طاعتهما واجبة و ترك الشبهة مستحب و لو أمراه بما يوجب تأخير الصلاة عن أول وقتها أتى به و لو كان في نافلة فدعواه لحاجة يضر بهما فوتها أو يشق عليهما قطعها و لو منعاه من صلاة الجماعة أو الزيارة أو الحج المندوب أو نحوهما بل لا يبعد تحريم السفر المباح مطلقاً إذا كان يشق عليهما فضلًا عما إذا نهيا عنه و لهما منعه من الجهاد مع عدم التعيين و من الصوم المندوب وحل يمينه و نحوه و أما الامتناع من النكاح لو منعاه منه فلا يبعد وجوبه إذا لم يستلزم تركه ضرراً دينياً أو دنيوياً أو مشقة شديدة و يجب عليه كف الأذى عنهما و إن كان قليلًا فيمنع نفسه من إيصاله إليهما و يمنع غيره منه بمقدار طاقته و جهده و لا يتوقف برهما على إسلامهما و لا يطيعهما في معصية فانه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و قد ورد أن الام أحق الناس بحسن الصحابة فعنه عليه السلام انه قال له رجل من أحق الناس بصحابتي قال أمك قال ثمّ من قال أمك قال ثمّ من قال أبوك ذكر الام مرتين و في رواية ثلاثا و ما ذكرنا من قطع النافلة إنما ورد في نداء الأم لولدها و في بعض الأخبار ان الخالة بمنزلة الأم و لا يخفى ان من الكبائر عقوق الوالدين و هو من قواصم الظهر و موجبات اللعن و الطرد عن الرحمة الإلهية و عدم قبول الصلاة و عدم استجابة الدعاء و ادنى ما يتحقق به العقوق أن تحدّ النظر إليهما و لو علم الله

ص: 110

شيئاً أدنى من أف لنهى عنه كما في الخبر و روي ان سخط الله في اسخاطهما و يجب عليه الإنفاق على الوالدين و آبائهما و أمهاتهما و إن علوا مع الفقر و العجز عن التكسب و زيادة ماله عن قوته و قوت زوجته ليومه الحاضر و ليلته فإن لم يفضل شي ء فلا شي ء عليه و لو لم يفعل مع الوجوب أثم و لم تثبت في الذمة كنفقة الزوجة و الإنفاق على الوالدين افضل انفاق في سبيل الله و النظر إليهما برحمة عبادة و لو تكرر و لا يسقط حقهما بعد موتهما بل من حقهما عليه أن يصلي عنهما و يستغفر لهما و يفي عهدهما و يكرم صديقهما و ليذكرهما في القنوت و بعد الصلاة و يترحم عليهما و يدعو لهما بالمأثور كدعاء الصحيفة المختص بالأبوين قال الشيخ أبو الفتح الكراجكي في رسالة وجوب التعريف بحقوق الوالدين أن خواص المؤمنين يحافظ على تلاوته و ليتصدق عنهما و يهدي ثواب تلاوته لهما و يستنيب عنهما في العبادات فإن العاق لهما في حياتهما لو فعل ذلك صار باراً و البار بترك ذلك بعد موتهما يكون عاقاً و ينبغي للوالدين أن يعيناه على برّه و أن يقبلا ميسوره و يتجاوزا عن معسوره.

الفصل الثاني في صلة الأرحام

و هي واجبة و مستحبة أما الواجبة فهي ما يخرج به عن القطيعة فإنها من المحرمات و المرجع فيه إلى العرف و هو مختلف باختلاف العادات و الأحوال و الأزمان و بعد المنازل و قربها و عنه صلّى الله عليه و آله و سلّم انه قال صلوا أرحامكم و لو بالسلام و هو اقل ما يجزي فيها و مع فقر الأرحام قد تجب الصلة بالمال كما تقدم في أحد العمودين و تستحب لباقي الأقارب و أما مع غنى الأرحام فبالهدية أحياناً و الزيارة و التفقد و السؤال و الدعاء بظهر الغيبة و دفع الضرر عنهم و نحو ذلك و أما المستحبة فهي ما زادت على ذلك و قد تظافرت النصوص باستحبابها و الترغيب فيها و إنها تزيد في العمر و إنها منماة في العدد و مثراة و تستحب النفقة على الأقارب سيما الوارث منهم و الاحوط أن لا يترك الإنفاق عليه مع فقره و عجزه عن التكسب.

إلحاق في الأضحية و العقيقة

(أما الأضحية)
اشارة

و يقال فيها الضحية كأمينة و هدية و الجمع أضاحي و ضحايا فهي مستحبة استحباباً مؤكدا للحاج و غيره في مكة و غيرها و ما ورد من إنها واجبة لمن وجد

ص: 111

عن نفسه و أما لعياله فإن شاء ترك فلا يراد منه الوجوب المصطلح و الحاصل أنه لا شبهة في تأكد استحبابها للواجد و لو بالاستقراض و لعل المتمكن منه واجد لها لما ورد من انه يغفر لصاحبها عند أول قطرة تقطر من دمها و إن من لم يجد ثمنها فليستقرض و يضحِ فانه دين مقضي بل لا تبعد كراهة تركها بل على الاحوط الفعل و يصح التبرع بها عن الحي و الميت و المتحد و المتعدد و الذكر و الأنثى و الرحم و الأجنبي و المكلف و الصبي و تستحب عن النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و عن الأئمة و عن الأب و الأم و الأولاد و الأرحام و أن يضحي عن نفسه بواحدة و عن عياله بأخرى أو بعددهم و يمكن الاشتراك في واحدة لجماعة لم يتمكن كل واحد منهم ان يضحي عن نفسه و لو بلغوا سبعين و التضحية عبادة لا بد فيها من النية و القربة و لا تلزم فيها المباشرة بالنفس و يتم الكلام عليها في أمور:

الأمر الأول في جنسها

و لا أضحية إلا بواحدة من النعم الغنم و البقر و الإبل و يجزي من الإبل ما دخل في السادسة و من البقر و المعز ما دخل في الثالثة و من الضأن ما دخل في الثانية مع كونه غير مهزول و لا مريض و لا اعور و لا اعرج و لا كبير و لا مخ له و لا مكسور القرن الداخل و لا خصي بل يستحب مع ذلك أن يكون سميناً من إناث الإبل و البقر و ذكران الضأن و المعز و لا تستحب المساواة هنا بينه و بين من يضحي عنه و الأولى ترك الجاموس من البقر سيما الذكر و الثور في الخبر ضح بكبش املح أقرن فحلًا سميناً فإن لم تجد كبشاً سميناً فمن فحولة المعز أو موجوء من الضأن أو المعز فإن لم تجد فنعجة من الضأن سمينة و عن أمير المؤمنين عليه السلام انه كان يقول ضحِّ مثني فصاعدا و اشتره سليم الأذنين و العينين و استقبل القبلة حين تريد أن تذبحه و قل وجهت وجهي الآية اللهم تقبل مني بسم الله الذي لا اله إلا هو و الله اكبر و صلى الله على محمد و أهل بيته ثمّ كل و أطعم و تكره تضحية ما يربيه فإذا كان الوقت اشترى و ذبح.

ص: 112

الأمر الثاني في وقتها

و هو يوم النحر عاشر ذي الحجة بعد مضي مقدار زمن صلاة العيد إلى آخر اليوم الثاني عشر و في منى إلى آخر اليوم الثالث عشر و لو فات الوقت لم تقض.

الأمر الثالث لو تعذرت تصدق بثمنها

و ان اختلفت الأثمان كفى أدناها و الأفضل إخراج قيمة نسبتها إلى القيم بالسوية فيخرج نصف القيمتين و ثلث الثلاث و هكذا.

الأمر الرابع في مصرفها

فيتصدق بثلثها و مصرفه مصرف باقي الصدقات و قيل ان الصدقة بالجميع افضل و لا يبعد استحباب الأكل منها تأسياً بالنبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و له أن يهدي قسماً و يتصدق بقسم و يأكل قسماً و في الخبر ثلث لأهل البيت و ثلث للفقراء من الجيران و ثلث للسائلين و الظاهر ان ما ورد من ذلك محمول على الافضلية فله أكل الجميع و اهداؤه و التصدق به و لكن الاحوط خلافه و الله العالم.

(أما العقيقة)
اشارة

فهي مستحبة استحباباً أكيداً حتى قيل بوجوبها و ورد في الأخبار ان العقيقة واجبة و الظاهر عدم الوجوب بالمعنى المعروف و لا تستحب إلا مرة واحدة فلا تتكرر كالأضحية و من لم يعق عنه أبواه أو شك في ذلك فليعق عن نفسه و يعق عن الميت الذي لم يعق عنه في حياته و لا يجزي عنها التصدق بثمنها لو تعذرت بل ينتظر وجدانها و يعق عن المولود في اليوم السابع و لو مات بعد الزوال لم يسقط الاستحباب و لو مات قبله سقط. (و تمام الكلام في أمور):

الأول في جنسها

و يستحب فيها أن تكون بصفات الأضحية و إن كان يجزي مطلق الشاة و مغيرها من النعم و خيرها اسمنها. و يستحب هنا التسوية فيعق عن الذكر بذكر و عن الأنثى بالانثى من الضأن و البقر و الإبل.

الأمر الثاني النية

لا بد فيها من النية و يعتبر فيها التعيين و القربة و يندب الدعاء عند الذبح بالمأثور و منه أن يقول (بسم الله و بالله و الله اكبر اللهم هذه عقيقة عن فلان بن فلان لحمها

ص: 113

بلحمه و دمها بدمه و عظمها بعظمه اللهم اجعله وفاء لآل محمد صلّى الله عليه و آله و سلّم) و الذي بالخاطر أن وفاء بالقاف لا بالفاء فلا بأس بالتكرار.

الأمر الثالث في مصرفها

و ما يتعلق به يستحب تفصيلها أعضاء و يكره أن تكسر عظامها تفؤلا بالسلامة و تعطى القابلة ربعها و إن لم تكن له قابلة اعطيت الأم الربع تتصدق به عن نفسها و لا تأكل منه و يجوز قسمتها لحما و لا تختص بالفقراء و الاحوط اعتبار الإيمان فيهم و يستحب طبخها بالماء و الملح و إن أضاف إليهما شيئاً فلا بأس و دعوة المؤمنين لها و أقلهم عشرة و إن زاد فهو افضل و لا يأكل منها الأبوان و من كان من عيالهما و في إلحاق الأجداد من الطرفين وجه و يتصدق بجلودها و صوفها و وبرها و شعرها و الله العالم.

ص: 114

بسمه تعالى

كتاب الوقف

اشارة

(وَ مٰا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّٰهِ)*

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله أبداً و صلى الله على محمد و آله مصابيح الهدى (أما بعد) فهذا كتاب الوقف و توابعه من كتب العبادات المالية العقدية و هو من اعظم الصدقات المرضية و جملة مما ورد في الكتاب و السنة من الحث على الخير و البر و المعروف و ما ورد في الصدقة شامل له بل لعله من اظهر أفراد الصدقات في زمن صدور الأخبار عن الأئمة الهداة و قد امتاز عن بقية الصدقات بأن اجره متتابع بعد الموت و أن العمل لا ينقطع منه كما في الحديث النبوي إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا عن ثلاث ولد صالح يدعو له و علم ينتفع به بعد موته و صدقة جارية و فسر الصدقة الجارية بالوقف إلى غير ذلك و الكلام على الوقف و توابعه في مقصدين:

المقصد الأول في الوقف

و الكلام فيه و في الواقف و الموقوف و الموقوف عليه في مباحث:
المبحث الأول في الوقف
اشارة

و هو تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة و لا بد فيه من إيجاب و صريح ألفاظه وقفت و الأقرب كفاية ما يدل على المقصود من الألفاظ و لو بضميمة القرائن و إن كان الاحتياط في الاقتصار على الألفاظ المعهودة كتصدقت و سبلت و حبست و نحوها مع القرينة الدالة على التأبيد و إذا كان خاصاً افتقر إلى القبول و لو من الوكيل و الولي و لو كان عاماً كالوقف على الزائرين و الجهات العامة ففي لزومه إشكال و إن كان الاحوط اعتبار قبول من له القبول و إذا تم الوقف بشرائطه لم يبطل بالتقايل و التفاسخ بحال من الأحوال و شرائطه أمور:

الأمر الأول التقرب

و الأقرب اشتراطه في ترتب الثواب و أما اشتراطه مطلقاً فمحل إشكال.

الأمر الثاني التنجيز

فلو علقه على ما لا يعلم بوقوعه و إن كان واقعاً بطل.

الأمر الثالث الاقباض

و هو تسليط الواقف على الموقوف و رفع يده عنه للقابض و لا يلزم بدون قبض و الموقوف عليه أو وكيله أو وليه لو كان طفلًا أو مجنوناً و لو كانت العين الموقوفة في يد الولي كالأب أو الجد له أو من أوصى إليه أحدهما بالولاية أو الحاكم أو منصوبة فوقفها على من له الولاية عليه كفى عن قبضه و لو كان الوقف في جهة عامة قبضها المتولي المنصوب من قبل الواقف للنظر فيها أو الحاكم الشرعي.

الأمر الرابع الدوام

فلا يصح الموقت إلى أمد معلوم وقفاً فلو قرنه بمدة أو جعله على من ينقرض غالباً فالأقوى صحته حبساً يبطل بانقضاء المدة أو انقراض الموقوف عليه و يرجع إلى الواقف لو كان حيّاً أو إلى وارثه حين موته و يسترسل فيه إلى من يصادف زمن

ص: 115

الانقراض لا إلى من يرث الواقف حين الانقراض أو الانتهاء و لو لم يكن منقطع الآخر كما ذكرنا بطل ما بعد القطع.

الأمر الخامس إخراج الواقف الوقف عن نفسه

فلو وقفه على نفسه ثمّ عقبه بالوقف على غيره بطل لانقطاع أوله و لو على قبيل ثمّ صار منهم جاز له أن يأخذ كأحدهم و لو كان منهم ابتداءً ففيه إشكال و لا بأس لو اشترط أكل أهله و إن كانوا واجبي النفقة و أضيافه منه أو استثناء منافعه مدة معينة و إن زادت على مدة حياته و كذا لو اشترط استثناء منافعه مدة معينة بعد موته للعبادات و الزيارات عنه و له أن يجعل النظر لنفسه و لغيره من الموقوف عليهم و غيرهم و لو أطلق كان لأربابه في الخاص و للحاكم الشرعي في العام و الواقف مع الإطلاق كالأجنبي.

المبحث الثاني في الواقف

و لا بد فيه من الكمال بالبلوغ و العقل و الاختيار و جواز التصرف.

المبحث الثالث في الموقوف

و لا بد من كونه عيناً فلا يصح وقف المنفعة و الكلي في الذمة و في وقف مائة ذراع من كذا مثلًا و أحد العبدين إشكال و يصح وقف المشاع كثلث من الدار و نحوهما و أن يكون صالحاً للملكية مملوكا بالفعل و إلا وقف على الإجازة و أن ينتفع به مع بقائه فلا يصح وقف ما لا ينتفع به إلا بذهاب عينه كالمأكولات و نحوها نعم يكفي الانتفاع المتوقع و أن يكون مما يمكن اقباضه و لو كان الموقوف عليه متمكناً من القبض دون الواقف فالظاهر الصحة لكفاية إذن المالك به و تسليطه عليه و هو كاف في الاقباض.

المبحث الرابع في الموقوف عليه

و لا بد من وجوده فلا يصح على المعدوم مطلقاً ابتداء و لا على المعدوم الممكن وجوه عادة استقلالًا و إنما يصح عليه تبعاً للموجود بأن يوقف على الموجودة أولًا ثمّ على أولاده و لو كان مما لا يمكن وجوده أصلًا كالميت لم يصح عليه مطلقاً و لو جعله بعد الحي كان منقطع الآخر و لو جعله معه بطل فيما يخصه و أن تكون له أهلية التملك و أما الوقف على المساجد و نحوها فهو وقف على المسلمين و أن يكون ممن يباح الوقف

ص: 116

عليه فلا يصح على الكنائس و لا على الكافر و الناصب و لا على المسلم العاصي من حيث عصيانه أما لو وقف على متصف بذلك مع عدم جعل الوقف مناطاً في الوقف صح و إن أطلق فضلا عمنا لو قصد جهة محللة و يتبع في الجار مع إطلاقه عرف الواقف إلا مع القرينة و الواقف على قبيلة يدخل فيها من انتسب إليها بالأب دون الام و لا تفاضل بين الذكور و الإناث مع الإطلاق و لو فضل بعضهم على بعض لزم بحسب ما عين و لو وقف في سبيل الله انصرف إلى كل عمل قربى إلا مع إرادة نوع خاص من القربات فيختص بها و لو وقف على الفقراء و نحوهم لم يختص بفقراء بلد الوقف و لا الواقف و لم يجب الاستيعاب و لا التسوية بينهم بخلاف الوقف على منحصرين فانه يجب استيعابهم و المساواة بينهم و لو وقف على أولاده اتبع عرف الواقف إلا مع القرينة و كذا لو وقف على من انتسب إليه و يشتركون بالسوية إلا أن يفضل بعضهم على بعض صريحا أو يقول على كتاب الله.

مسائل
(الأولى) نفقة الحيوان الموقوف و كذا العبد على الموقوف عليه

و لو طرأ على العبد ما يوجب انعتاقه كانت نفقته عليه و لو كان وقفهما عاماً كانت النفقة في كسبهما مقدمة على الموقوف عليهم و لو كان الموقوف عقارا اتبع شرط الواقف في ذلك و إن انتفى ففي غلته و لو قصرت لم يجب الإكمال و لو عدمت الغلة لم تجب العمارة أما في الحيوان و العبد فتجب نفقتهما مع قصور الكسب و عدم بيت المال على المكلفين كفاية.

(الثانية) إذا اجر ناظر الوقف لمصلحة البطون لم تبطل الإجارة بموته

و لا بموت الموقوف عليهم و لو اجر البطن الأول و كانت الإجارة لمصلحتهم ثمّ انقرضوا بطلت الإجارة في المدة الباقية إلا مع الإجازة و لو اجروا مدة يقطع بعدم بقائهم إليها عادة فالزائد باطل من الأول و ليس لهم أخذ قسطه من الأجرة و قسط المدة الباقية من الأجرة يرجع به المستأجر على ورثة المؤجر إن كان قد استوفى قسطها و خلف تركه كغير ذلك من الديون التي يجب على الوارث وفاءها من التركة.

ص: 117

(الثالثة) إذا بطلت المصلحة الموقوف عليها صرف في وجوه البر الأقرب فالأقرب

بل مطلقاً.

المقصد الثاني في توابع الوقف

اشارة

و فيه مبحثان:

المبحث الأول في السكنى و الرقبى و العمرى

و لا بد فيها من إيجاب و قبول و قبض بإذن المالك و ثمرة هذا العقد تسليط الساكن على استيفاء المنفعة تبرّعاً في مدة معينة أو مطلقة و الظاهر عدم اشتراط التقرب و إن كان حصول الثواب متوقفاً على ذلك و الايجاب اسكنتك أو اعمرتك أو ارقبتك هذه الدار مثلًا مدة عمرك أو عمري أو عمر فلان أو شهراً و القبول ما دلّ على الرضا ثمّ ان المدة إن قرنت بأمد معين كخمس سنوات فهي رقبى و إن قرنت بعمر المسكن أو الساكن أو أجنبي فهي عمرى و إن لم تقترن بهما كأسكنتك فيه سكنى و تلزم الموقتة على حسب ما وقتت و غيرها يجوز الرجوع فيها متى شاء المسكن و لو مات أحدهما بطلت بخلاف الموقتة بالمدة أو العمر فإن الأول مع موت الساكن ينتقل حقه إلى الوارث مع تعميم الإسكان و مع موت المسكن تنتقل العين إلى ورثته مسلوبة المنفعة إلى تمام المدة. و أما الثاني فإن مات من قرنت المدة بعمره فقد انتهت و إلا بقيت السكنى له أو لوارثه مع التعميم و السكنى اعم منهما في المسكونات و هم اعم منها في غيره لجريانهما في جميع ما يصح وقفه من المساكن و غيرها و إطلاق السكنى بأقسامها إذا تعلقت بالساكن يقتضي سكناه بنفسه و من جرت عادته باسكانه معه من زوجة و ولد و خادم و دابة وضيف إذا كان في المسكن ما يعد لمثلها من المواضع و كذا ما جرت العادة بوضعه فيها من الأمتعة و الغلة و ليس له أن يؤجرها أو يعيرها أو يسكن معه غير من جرت عادته بإسكانه إلا بإذن المسكن إلا إذا جعل له منفعة الإسكان مطلقاً و اذا جازت الأجرة فهي للساكن.

ص: 118

المبحث الثاني في التحبيس

و لا بد فيه من العقد و القبض و هو قد يكون مطلقاً و قد يكون مقيداً بمدة و لو حبس في سبيل الله لزم ما دامت العين و لو حبسها على شخص و لم يعين وقتا فمات الحابس بطل الحبس و كذا لو عين وقتاً فانقضى و الله العالم.

كتاب الحج

اشارة

بسمه تعالى

(وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي فرض الحج على المستطيع تفضلا و منّا و جعل بيته الحرام مثابة للناس و قبلة و أمنا و الصلاة على من دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى و آله الذين أجابوا الدعوة و صدّقوا بالحسنى و لو أن رجلا عمّر ما عمّر نوح يصوم النهار و يقوم الليل ما بين الركن و المقام و لقى الله بدون ولايتهم لما انتفع بذلك و لا استغنى.

أما بعد فهذا كتاب الحج الذي هو رياضة نفسية و عبادة مالية بدنية و قولية و فعلية وجودية و عدمية و هو من اعظم الأركان و أجل مظاهر الإيمان و وجوبه من ضروريات الدين و منكره ليس من المسلمين و قد ورد في فضله و مزيد الأجر و الثواب عليه من الأحاديث النبوية و الأخبار الامامية ما لا يحصى و يكفي في ذلك قوله صلّى الله عليه و آله و سلّم لأعرابي لقيه فقال له أني خرجت أريد الحج ففاتني و أنا رجل مميل فمرني أن اصنع بمالي ما ابلغ به مثل اجر الحاج فالتفت إليه رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم فقال انظر إلى أبي قبيس فلو أن أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغته به ما يبلغ الحاج ثمّ قال ان الحاج إذا اخذ في جهازه لم يرفع شيئاً و لم يضعه إلا كتب الله له عشر حسنات و محى عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات إلى آخر الحديث الذي عدد فيه المواقف و ذكر أن كل موقف منها إذا وقفه الحاج خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه و المهم الآن بيان ما تشتد إليه الحاجة و يعم به الابتلاء من مسائله و قد كنا عملنا في ذلك قبل منسكاً مفرداً وافياً بالمرام يرجع إليه من أراده و يقع الكلام هنا في مقدمة و مقصدين و خاتمة.

ص: 119

المقدمة

اشارة

و فيها أمور

الأمر الأول في أقسام الحج

و هو ينقسم إلى واجب و مندوب و الواجب إلى واجب بالأصالة و واجب بالعرض و الواجب بالأصالة هو حج الإسلام و إنما يجب على المكلف إذا جمع الشرائط وجوباً فورياً في العمر مرة واحدة على الذكور و الإناث ثمّ يستحب التكرار و أقسامه ثلاثة تمتع و قران و أفراد و أفضلها التمتع و عمرته تتقدم عليه و الآخران افضلهما القران و عمرتهما تتأخر عنهما و الواجب بالعرض ما وجب على المكلف لسبب من الأسباب كنذر و شبهة و إجارة و افساد و غيرهما.

الأمر الثاني في شرائط وجوب حج الإسلام و شرائط صحته
أما شرائط الوجوب
اشارة

فهي البلوغ و العقل و الحرية و الاستطاعة و لا تتحقق إلا بأمور:

الأول عدم وجود مانع من السفر أو في أثناء الطريق

لا يتمكن من رفعه.

الثاني عدم وجود مانع شرعي

و لو بسبب من قبله كما لو نذر اعتكاف شهر لا يمكنه إدراك الحج بعد تمامه فصادفت الاستطاعة فيه أو فاجأته الاستطاعة على خلاف العادة و كان مستأجراً للحج.

الثالث انتفاء ضرر على محترم.
الرابع سلامة من مرض و ضعف بدن يعجز معهما عن تحمل مشقة السفر.
الخامس انتفاء مشقة شديدة

كشدة خوف من ركوب بحر أو حدوث مرض أو زيادته.

ص: 120

السادس وجود مال مملوك يتسع لنفقته بما يناسبه قوة و ضعفاً

و حاجاته الضرورية ذهاباً و إياباً و لنفقة عياله مدة غيبته زائداً على ديونه الحالّة و داره و ثيابه و خادمه و دابته و كتبه و آلات صناعته اللائقة بحاله كما و كيفاً عينا و قيمةً.

السابع أن يرجع إلى كفاية له و لعياله

و لو كسبا لائقاً بحاله.

الثامن ان يتسع الوقت لذلك

و لا يجب تحصيل الاستطاعة و لا قبول هبة ما تحصل به و لو بذل له ذلك وجب و لو حج غير المستطيع كان حجه ندباً و لم يجزه عن حجة الإسلام لو استطاع بعد ذلك و لا يشترط في وجوبه على المرأة وجود المحرم عليها بل يكفي ظن السلامة و الخروج مع الثقة المأمون و لا يجب تحصيله مع التوقف إلا مع استطاعتها و وجوب الحج عليها قبل ذلك و لو استطاع فمنعه كبر أو مرض أو عدو استناب من يحج عنه فوراً و لو زال العذر حج بنفسه و لو مات و العذر باق أجزاته الاستنابة و يصح الحج من العبد مع إذن المولى و لا يجزيه عن الفرض لو استكمل الشرائط إلا أن يدرك أحد الموقفين معتقاً و غير المستطيع لو أدرك أحدهما مستطيعاً لم يجزه و الصبي المميز إذا كان حجة بإذن الولي فأدرك أحدهما بالغاً أجزأه عن حجة الإسلام

و أما شرائط الصحة فهي شروط الوجوب إلا البلوغ

فيكفي عنه التمييز مضافاً إلى أمور: (الأول) الإسلام. (الثاني) الإيمان فلا يصح من المخالف إلا إذا استبصر و كان حجه صحيحاً على مذهبه. (الثالث) المباشرة مع القدرة في الحج الواجب على ما سنذكره إن شاء الله. (الرابع) إذن من يعتبر استئذانه في الحج المندوب كالزوج و المولى. (الخامس) إتيان جميع الأفعال بشرائطها الآتية عن اجتهاد أو تقليد فيما يحتاج منها إلى ذلك.

الثالث في بيان ما يجب من أقسام الحج و بيان أفعالها على الإجمال

أما أقسام الحج الواجب بالأصل فهي تمتع و قران و أفراد أما حج التمتع فهو فرض من بعد منزله عن مكة بثمانية و أربعين ميلا أي ستة عشر فرسخا فإن كان اقل

ص: 121

من ذلك كان فرضه حج الأفراد أو القران و هو افضل من الأفراد و التمتع افضل من القران و عمرته متقدمة عليه و مرتبطة به بخلاف عمرتها فإنها متأخرة عنهما و لا تصح عمرة التمتع و لا الإحرام بالحج إلا في اشهر الحج الثلاثة شوال وذي القعدة وذي الحجة على ما يأتي و أما أقسام الحج التي تجب بالعارض (فمنها) ما وجب بالنذر و شبهه فمن نذر الحج و أطلق كفت المرة مخيراً في النوع و الوصف و لو عين النوع تعين و كذلك الوصف إذا كان مشروعاً كالمشي و الركوب لا الزحف و الحفاء و نحوهما و لا تجزي عن حجة الإسلام و إن قيد نذره بحجة الإسلام كفته واحدة إن لم نقل بجواز نذر الواجب و تأكده به و إلا فتجب الكفارة مع تأخير الحج عن العام المعين بالنذر أو موته قبل الفعل مع الإطلاق متهاوناً على إشكال و لو لم تكن عليه حجة الإسلام حال النذر كان مراعى بالاستطاعة فلو لم يستطع في العام الذي نذر أن يحج فيه حجة الإسلام بطل النذر و لا يجب عليه تحصيل الاستطاعة و لو نذر الحج ماشياً وجب من بلد الناذر إلا مع التقييد بمحل خاص فيتبع و حكم العهد و اليمين حكم النذر. (و منها) ما وجب بالنيابة و التحمل عن الغير باجرة و نحوها فمن مات قبل الإحرام و دخول الحرم أو أهمل و كان الحج قد استقر في ذمته وجب قضاؤه عنه من الميقات على الأقوى إلا مع الوصية بالحج عنه من بلده أو اتساع ما عينه للحج عنه لذلك و إن كان الاحتياط في القضاء عنه من بلده و تخرج الأجرة من الأصل إلا الزائد عن الأجرة من الميقات لو أوصى بالحج عنه من بلده فانه يخرج من الثلث و يشترط في النائب بلوغه و عقله و خلو ذمته من حج واجب عليه في عام النيابة و لا بأس باستئجاره فيه لسنة أخرى و يعتبر أيضاً تمكنه من الحج على الوجه الذي عين عليه و ايمانه و عدالته و معرفته بالمناسك و لو إجمالًا إلا أن يحج مع مرشد عدل و تشترط نية النيابة و تعيين المنوب عنه قصدا في نية الحج ونية جميع أفعاله التي تحتاج إلى النية و يستحب تعيينه لفظاً عند باقي الأفعال فيقول أحرم بالعمرة المتمتع بها إلى الحج حج الإسلام نيابة عن فلان لوجوبه عليه بالأصالة و عليّ بالاستئجار قربة إلى الله تعالى و هكذا يستحب أن يقول في المواطن كلها (اللهم ما أصابني من تعب أو لغوب أو نصب فأجر فلاناً فيه و أجرني في

ص: 122

قضائي عنه) و لا تصح النيابة عن المخالف إلا إذا كان أباً و لو مات النائب بعد دخول الحرم محرماً برئت ذمته و ذمة المنوب عنه و لو مات قبل ذلك و إن كان قد أحرم لم يصح و استعيد من الأجرة بنسبة ما بقي من العمل المستأجر عليه فإذا كان الاستئجار على نفس أفعال الحج و مات قبل الإحرام استعيد تمام الأجرة و إن كان بعد الإحرام استحق بنسبته إلى بقية أفعال الحج و استعيد الباقي و إن كان الاستئجار على الذهاب و الحج استحق أجرة الذهاب و هكذا لو استأجر عليهما و على العود تلحظ النسبة إلى الجميع و يجب على النائب الأجير أن يأتي بجميع ما شرط عليه من نوع الحج و وصفه و تعيين الميقات و الطريق و ليس له أن يستنيب غيره إلا مع الأذن صريحاً أو إيقاع العقد على إيجاده الحج بنفسه أو بغيره و لو كان إيقاعه مطلقاً لا مقيداً بالإطلاق اقتضى المباشرة بنفسه و لو استأجره اثنان لعام واحد صح السابق و بطل اللاحق و لو اقترنا بطلا كما لو وكلا ثالثاً فأوقع صيغة واحدة عنهما و نحوه و تجوز النيابة في بعض أفعال الحج كالطواف و ركعتيه و السعي و الرمي مع العجز كما يأتي في محله إن شاء الله و كفارة الإحرام اللازمة بسبب فعل الأجير يكون في ماله لأنها كفارة الذنب الذي فعله سببه و يستحب الإتمام للأجير لو اعوز و تحج المرأة عن مثلها و عن الرجل و الرجل كذلك و تكره استنابة المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة. (و منها) الإفساد و لو للمندوب كما يأتي إن شاء الله و لو افسد النائب حجه قضاه في العام القابل من ماله لوجوبه بسبب الإفساد و اجزاه عن الفرض المعين العام المتقدم و ملك الأجرة. (و أما أفعال الحج) فالمهم بيان أفعال حج التمتع و أما أفعال حج الأفراد و القران فربّما تعرضنا لها في الأثناء و حيث كان المراد من حج التمتع مجموع عبادتين و هما عمرة التمتع و حجة لزم بيان أفعال العبادتين ليعلمهما المكلف إجمالًا قبل شروعه فيها فأما عمرة التمتع التي هي في الأصل من الاعتمار و هو الزيارة و المراد منها زيارة البيت و قصده بالنحو المخصوص فأفعالها أمور مترتبة: (الأول) أن يحرم بعمرة التمتع لحج التمتع حج الإسلام من الميقات متقرباً إلى الله تعالى. (الثاني) أن يطوف طواف العمرة سبعة اشواط. (الثالث) ان يصلي ركعتي الطواف. (الرابع) ان يسعى بين الصفا و

ص: 123

المروة سبعاً. (الخامس) ان يقصر بأخذ شي ء من شعره أو أظفاره فإذا فرغ من تقصيره حل له كل شي ء أحرم منه و لهذا سميت عمرة التمتع أي التلذذ و الانتفاع بما كلن يحرم الانتفاع به عليه بسبب الإحرام و يبقى المعتمر محلا يتمتع بما يشاء مما يحل للمحل في الحرم حتى يحرم للحج على التفصيل الآتي بيانه إن شاء الله فبان لك أن أفعال العمرة و واجباتها خمسة و بإضافة طواف النساء و ركعتيه إليها احتياطاً بعد التقصير تكون سبعة و أما حج التمتع الذي يقع بعد التمتع المذكور و لذا يضاف إليه فأفعاله أمور مترتبة حاصلها: (الأول) ان يحرم للحج من مكة و يمضي إلى منى استحباباً. (الثاني) ان يمضي إلى عرفات و هو موضع خارج عن الحرم يبعد عن مكة بأربعة فراسخ ليقف بها من ظهر اليوم التاسع من ذي الحجة إلى غروب الشمس منه. (الثالث) ان يمضي إلى المشعر الحرام و هو موضع يبعد عن مكة بفرسخين تقريباً فيقف فيه من طلوع فجر يوم النحر و هو العاشر من ذي الحجة إلى طلوع الشمس منه. (الرابع) ان يمضي إلى منى و هي موضع قريب من مكة فيرمي بها جمرة العقبة و يذبح فيها أو ينجر هديه و يحلق رأسه و إن كان امرأة قصرت من شعرها قدر الأنملة. (الخامس) ان يمضي بعد ذلك إلى مكة و يطوف طواف الحج و يصلي ركعتيه. (السادس) ان يطوف ثانيا طواف النساء و إن كان طفلًا أو امرأة أو خصياً و يصلي ركعتيه. (السابع) ان يعود إلى منى فيبيت فيها الليلة الحادية عشر و الليلة الثانية عشر و في كل يوم من يوم الحادي عشر و الثاني عشر يرمي الجمرات الثلاث و بعد هذه الأفعال يفرغ من حج الإسلام الذي وجب عليه و لا يجب عليه ان يعود إلى مكة بعد ذلك نعم يستحب له العود إليها لطواف الوداع و غيره من المستحبات التي يأتي ذكرها إن شاء الله و قد بان لك أن أفعال الحج و واجباته خمسة عشر و تفصيل الكلام على العمرة و الحج و افعالهما في مقصدين

الرابع ينبغي لمن عزم على الحج بعد استكمال الشرائط و عزمه على المسير قبل التلبس بالسفر أمور:
(الأول) أن ينظر في أموره فيخلص نفسه من التبعات

و يرد الودائع و

ص: 124

الامانات و يخرج من عهدة ما عليه من الحقوق سواء كانت للخالق تعالى أو للمخلوق و يقطع العلائق ما بينه و بين معامليه و لا يتكل على غيره فالحازم من كان وصي نفسه ثمّ ينظر في أمر يخلفه ممن تجب نفقته عليه فيترك لهم ما به الكفاية مدة غيبته ثمّ يوصي إلى من يثق به و يعتمد عليه و يرسم في وصيته ماله و ما عليه و يوصي بما يقرّبه إلى الله من الطاعات و الخيرات.

(الثاني) ان يختار لسفره أحد الأيام الثلاثة السبت و الثلاثاء و الخميس

بشرط أن لا تكون من الكوامل و هي الثالث و الخامس و الثالث عشر و السادس عشر و الواحد و العشرون و الرابع و العشرون و الخامس و العشرون و أن لا يكون القمر في العقرب و متى دعته الضرورة إلى السفر في أحد هذه الأوقات فليتصدق و ليقرأ آية الكرسي بل ينبغي التصدق للمسافر مطلقاً.

(الثالث) أن يستصحب معه شيئاً من طين القبر الشريف

ليكون أماناً له من كل خوف و شفاء من كل داء و أن يستصحب معه عصا من لوز مر أو من النقد (1) و ليلتقط خمس حصيات عدد أسماء أولي العزم نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمد صلّى الله عليه و آله و سلّم و عليهم أجمعين و يحفظهما معه.

(الرابع) ان يستصحب الرفيق الصالح المعين على الخير

و ما ينتفع به من كتب الأعمال و الأدعية و يستصحب معه كتاب الله المجيد و الصحيفة السجادية و التربة الحسينية و السبحة المعمولة من طين القبر الشريف و يستصحب المسواك و المشط و المكحلة و المرآة و القبله نامة و نحو ذلك مما يحتاج إليه في كل طريق بحسبه و في بعض الوصايا و تزود معك الادوية ما تنتفع به أنت و من معك.

(الخامس) ان يحسن خلقه و يكظم غيظه و يقلل اللغو و يقهر النفس على السخاء و مكارم الأخلاق

قال عليه السلام لا يعبأ بمن يؤم هذا البيت إذا لم تكن فيه ثلاث خصال خلق يخالق به من صحبه و حلم يملك به غضبه و ورع يحجزه عن معاصي الله و قد تضمنت الأخبار وصايا و آداباً كثيرة و منها و عليك بقراءة القرآن ما دمت راكباً و بالتسبيح ما دمت عاملًا عملًا و عليك بالدعاء ما دمت خالياً و في وصية أخرى و كن لأصحابك موافقاً إلا في معصية الله تعالى.

(السادس) يستحب له الغسل و الدعاء و توديع العيال

فانه ما استخلف


1- النقد بضمة فسكون و بضمتين ضرب من الشجر (منه دام ظله العالي).

ص: 125

رجل على أهله بخلافه افضل من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج إلى سفر و يقول (اللهم أني استودعك نفسي و اهلي و مالي و ذريتي و دنياي و آخرتي و أمانتي و خاتمة أعمالي) و في المقام أدعية كثيرة عند إرادة السفر و إرادة الخروج من البيت.

(السابع) و هو أهم ما نذكر في المقام لتوقف الصحة و القبول عليه و هو أمور:
(الأول) ان يخلص لله في النية

بأن تكون حركاته و سكناته و فعله و بذله من البداية إلى النهاية خالصاً لوجه الله لا رياء و لا سمعة و لا طلب محمدة أو حسن أحدوثة و نحوها من الأمور الدنيوية بل يفعل ذلك لله فانه لا خلاص إلا بالإخلاص فقد ورد عن أهل العصمة عليهم السلام هلك العالمون إلا العالِمون و هلك العالِمون إلا المخلصون و المخلصون على خطر عظيم.

(الثاني) أن لا يترك في سفره شيئاً من الواجبات و لا يفعل شيئاً من المحرمات

فإن هذا هو المراد من التقوى التي تكرر الأمر بها و الحث عليها في الكتاب و السنة و هي من شرائط قبول الأعمال فإن الله تعالى لا يتقبل إلا من المتقين و ينبغي مع ذلك أن يكون مراعياً للمستحبات و المكروهات فعلًا و تركاً.

(الثالث) ان يستعمل المشي على قدميه

فانه مستحب في طريق الحج للقادر عليه مع عدم اضعافه عن العبادة و عدم الإنكار و حصول الإضرار فإن لكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم و حسنة الحرم بمائة ألف حسنة و لكل خطوة تخطوها دابة الراكب سبعون و يتأكد استحبابه بين المشاعر.

(الرابع) ان يكون الحاج خالياً مما يشغل القلب و يقسم الفكر

كتجارة و نحوها ليكون منصرفاً إلى ذكر الله مقبلًا على الطاعات و العبادات متذكراً بما يأتي به من أفعال الحج أمراً أخرويا يناسبه.

(الخامس) ان يوفر شعر رأسه

بترك حلقه و شعر لحيته بترك الأخذ منها من أول ذي القعدة ناوياً أوفر شعري لإحرام عمرة التمتع لحج الإسلام حج التمتع لندبه قربة إلى الله تعالى.

(السادس) ان ينوي عند خروجه من داره أني اتوجه إلى بيت الله

لأعتمر عمرة التمتع و احج حج التمتع لوجوبه قربة إلى الله تعالى.

ص: 126

المقصد الأول في عمرة التمتع

و الكلام على أحكامها و أفعالها يقع في مقامين:
المقام الأول في أحكامها

و لا تقع إلا في اشهر الحج على وجه يمكن الإتيان بعدها بمناسك الحج في أوقاتها فلو احرم بها في غير اشهر الحج لم يجز له التمتع بها و إن وقع اكثر أفعالها و يجب تقديمها على الحج إلا إذا لم يمكن الإتيان بجميع أفعالها لضيق الوقت عنها كما لو وصل إلى مكة في وقت لا يتسع لأفعالها و إدراك الوقوفين و كما لو حاضت قبل فعلها ما يجزي من الطواف و يفوت الوقت لو انتظرت نقائها من الحيض فإن من ضاق وقته كذلك إذا كان محرماً لعمرة التمتع يعدل بإحرامه فينوي الحج الأفرادي و إن لم يكن محرماً احرم لحج الأفراد من ميقاته و أتى بأفعال حج الأفراد ثمّ اعتمر بعده عمرة مفردة و أجزأه ذلك عما وجب عليه من حج التمتع و لو ابطل العمرة اختياراً فالظاهر ان حجه يصير حج أفراد و عليه عمرة مفردة و لكن في كفايته عما وجب عليه من حج التمتع تأمل فالاحوط ان لم يكن الأقوى وجوب الحج عليه من قابل و الاحوط للمتمتع بعد إحلاله من احرام عمرته أن لا يخرج من مكة إلا محرماً بالحج و أما عمرة المفرد و القارن فهي بعد حجهما فيحج المفرد أولا ثمّ يعتمر بعد الإحلال عمرة مفردة و الاحتياط في عدم تقديمهما و القارن كالمفرد إلا انه يسوق الهدي عند احرامه.

المقام الثاني في أفعالها
اشارة

و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول في إحرام العمرة
اشارة

و المراد به حبس النفس عن فعل محرماته و الزامها بواجباته (و للإحرام) أفعال و تروك

و الأفعال مستحبات و مكروهات و واجبات
أما مستحباته

فهي أمور (الأول) يستحب فعل الإحرام تنظيف البدن و الأخذ من الشارب و الأظفار و إزالة شعر العانة و الإبطين و الغسل للإحرام بل لا ينبغي تركه و يجوز ان يغتسل قبل الميقات إذا خاف اعواز الماء عنده و تستحب إعادته لو قدمه ثمّ وجد الماء في الميقات و كذا تستحب إعادته لو فعل بعده ما لا يجوز للمحرم فعله أو احدث بعده و لو بالأصغر سيما النوم و غسل الليل يكفي للنهار و بالعكس و يقول بعد الغسل (بسم الله و بالله اللهم اجعله

ص: 127

لي نورا و طهوراً و حرزاً و أمناً من كل خوف و شفاءً من كل داء و سقم اللهم طهرني و طهر قلبي و اشرح لي صدري و اجر على لساني محبتك و مدحتك و الثناء عليك فانه لا قوة لي إلا بك و قد علمت ان قوام ديني التسليم لك و الاتباع لسنة نبيك صلواتك عليه و آله) فإذا لبس ثوبى الإحرام قال (الحمد لله الذي رزقني ما أواري به عورتي و أؤدي فيه فرضي و اعبد فيه ربي و انتهى فيه إلى ما امرني الحمد لله الذي قصدته فبلغني و أردته فأعانني و قبلني و لم يقطع بي و وجهه اردت فسلمني فهو حصني و كهفي و حرزي و ظهري و ملاذي و رجائي و منجاي و ذخري و عدتي في شدتي و رخائي) و يستحب إيقاع الإحرام لغير الحائض و نحوها عقيب صلاة الظهر أو فريضة أخرى و لو مقضية و إلا صلى ست ركعات و اقل ما يجزي ان يحرم عقيب صلاة ركعتين يقرأ بعد الفاتحة في الأولى التوحيد و بعد الفاتحة في الثانية الجحد و بعد الفراغ يحمد الله و يثني عليه و يصلي على رسوله و يجزي عن ذلك ان يقول (الحمد لله أهل الحمد و الثناء و الصلاة على خاتم الأنبياء و آله الأمناء) ثمّ يقول (اللهم أني اسالك ان تجعلني ممن استجاب لك و آمن بوعدك و اتبع أمرك فاني عبدك و في قبضتك لا اوقي إلا ما وقيت و لا اخذ إلا ما اعطيت و قد ذكرت الحج فأسألك ان تعزم لي عليه على كتابك و سنة نبيك صلواتك عليه و آله و تقويني على ما ضعفت و تسلم لي مناسكي في يسر منك و عافية و اجعلني من وفدك الذي رضيت و ارتضيت و سميت و كتبت اللهم أني خرجت من شقة بعيدة و أنفقت مالي ابتغاء مرضاتك اللهم فاتمم لي حجي و عمرتي اللهم أني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك صلواتك عليه و آله فإن عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت عليّ اللهم ان لم تكن حجة فعمرة احرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي و عظامي و مخي و عصبي من النساء و الثياب و الطيب ابتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة) فإذا فرغ من هذا الدعاء لبى التلبيات الأربع مضيفاً إليها ما يأتي لاستحباب مقارنة التلبية للنية بل لعله الاحوط و إن كان الأقوى جواز تأخيرها عن النية قليلًا بل الأقرب افضلية التأخير لمن احرم في مسجد الشجرة إلى أن يصل إلى البيداء و لكن الاحوط أن يجمع

ص: 128

بين اتيانها سراً مقارنة للنية ثمّ الجهر بها بعد ذلك فيقول (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك) و يستحب ان يضيف التلبيات المستحبة إليها فيقول (لبيك لبيك ذا المعارج لبيك لبيك داعياً إلى دار السلام لبيك لبيك غفار الذنوب لبيك لبيك أهل التلبية لبيك) إلى آخر ما رواه ابن عمار بل يستحب تكرارها في الإحرام سبعين مرة بل اكثر. و يستحب الجهر بها للرجال و تكرارها عند الانتباه من النوم و في الأسحار و بعد كل صلاة مكتوبة أو مندوبة و حين نهوض البعير به لو كان راكباً و حين علوه شرفاً و هبوطه وادياً و ملاقاته راكباً و مهما ركب أو نزل و لا يمنع الحدث مطلقاً من التلبية و يستمر عليها كذلك في عمرة التمتع حيث يشاهد بيوت مكة من المستحبات عند عقد الإحرام الاشتراط في أثناء النية أو التلبية بأن يحله حيث حبسه و لكن لو حصر بمرض يمنعه من إتمام الحج لا يسقط عنه الهدي فلا يتحلل بدونه و ينوي التحليل على الاحوط كما لا يسقط عنه الحج لو كان واجباً عليه فإذا بعث هديه و بلغ محله و هو منى إن كان حاجّاً و منى إن كان معتمرا اقصر و احل إلا من النساء حتى يحج في القابل أو يستنيب مع عدم المكنة أو يطاف عنه طواف النساء لو كان الحج مندوباً و لو صد عن مكة أو عن الموقفين بعد و كان محرماً نحر هديه و احل من كل شي ء احرم منه و لا يسقط عنه الحج الواجب و يستحب الإحرام في الثياب البيض من القطن و أما مكروهات الإحرام فالكلام إلا بذكر الله أو ما في حكمه أو لحاجة و المصارعة و تلبية المنادي و الاستحمام و الاغتسال للتبرد و المبالغة في السواك و حلق رأس المحل و استعمال الحناء لا للزينة بل ينبغي تركها قبل الإحرام إذا كان أثرها يبقى إلى حال الإحرام و النوم على غير الفراش الابيض و غسل ثوبي الإحرام إلا لنجاسة و الإحرام في الثياب السود و المقلمة و الحمر و أن تكون من غير القطن و أن تكون وسخة من الابتداء و كذا يكره دلك الجسد و شم الفاكهة بل الاحوط ترك شم الرياحين مطلقاً و التظليل للنساء و غسل الرأس بالسدر و الخطمى

(و أما واجبات الإحرام و شرائطه)

فهي وقوعه في اشهر الحج على ما تقدم و يتضيق إذا بقي من الزمان ما يتسع لأفعالها و إدراك أفعال الحج بناء على ما هو الأقوى من

ص: 129

وجوب الإتيان بالعمرة و الحج في سنة واحدة و أن يكون في أحد المواقيت و هي المواضع المعينة للإحرام فلا يجوز من موضع قبلها إلا مع نذر الإحرام منه و لا بعدها مع الاختيار و إن كان لو جاز ميقاتاً إلى آخر و احرم منه صح إحرامه و لكنه يأثم و لا فرق في ذلك بين إحرام الحج و العمرة و لا يمنع الحيض و النفاس من انعقاده و إن منع من الصلاة التي تكون قبله و المواقيت مواضع معينة متعددة بتعدد الطرق المتعارفة لأغلب الناس و هي أوقات لإحرام من مرّ عليها فالميقات لمن أتى من المدينة و إن لم يكن من أهل المدينة مسجد الشجرة و هو ذو الحليفة و الاحوط أن يكون الإحرام من داخل المسجد و الجنب غير المتمكن من الغسل يتيمم و يحرم منه و كذلك الحائض و النفساء مع النقاء و مع عدمه تحرمان من خارجه و تجددان الإحرام من الجحفة و لو لم يمكن الإحرام من هذا الميقات أصلًا لمرض و نحوه جاز تأخيره إلى ميقات أهل الشام و لو لم يحرم من مسجد الشجرة اختياراً حتى وصلها وجب عليه الرجوع مع إمكانه و إلا أجزأه و إن عصى و الميقات لمن أتى من العراق و نجد وادي العقيق و أوله المسلخ بالمعجمة على الأشهر و أواسطه غمرة و آخره ذات عرق و أوله أفضله و لا يحرم حتى يتيقن بلوغه الوادي المذكور و الاحوط عدم التأخير إلى ذات عرق إلا مع التقية فلو تمكن من الجمع بين مراعاتها و بين الإحرام قبلها فعل فيعقد الإحرام بالتلبية سراً و يلبس ثيابه و يفدي و اذا بلغ ذات عرق لبس ثوبي الإحرام (و الميقات) لمن أتى من الطائف قرن المنازل و لمن أتى من اليمن يلملم و هو جبل في وادي الساعدية أو هو نفس الوادي و فيه مساكن بني سعد و منهم مرضعته صلّى الله عليه و آله و سلّم على ما قيل و لمن أتى من الشام و مصر و نحوهما الجحفة بالجيم المضمومة ثمّ الحاء المهملة الساكنة و لا بد من تحصيل العلم بهذه المواقيت و مع تعسره يكتفى بالظن الحاصل من سؤال أهل الخبرة و لو سلك طريقاً ينتهي إلى موضع يحاذي مسجد الشجرة احرم منه و لو كان في طريق لا يحاذيه احرم احتياطاً من موضع يحاذي اقرب ميقات إليه و إن كان ابعد من بعض المواقيت إلى مكة ثمّ يجدده في أدنى مواضع الحل ثمّ انه بناء على ان المواقيت غير محيطة بالحرم لخلو جهته المغربية من الميقات لو سلك طريقاً لا محاذاة فيه احرم من

ص: 130

موضع يساوي اقرب المواقيت إلى مكة احتياطاً ثمّ جدد إحرامه من أدنى مواضع الحل ثمّ ان موضع المحاذاة المعتبرة شرعاً هو موضع من الطريق إلى مكة يبعد عن الميقات يميناً أو شمالًا بمقدار لا تنتفي معه المحاذاة العرفية مع كون المسافة بينهما ستة أميال أو اقل على الاحوط بحيث يكون الخط الخارج من ذلك الموضع إلى الميقات اقصر الخطوط التي تفرض بين مواضع المحاذاة العرفية و بين الميقات فمتى احرز موضعاً كذلك أو ظنه بعد تعسر العلم احرم منه و متى احتمله قبل ذلك احرم احتياطاً و رجاء من موضع الاحتمال فإنها حرمة الإحرام قبل الميقات تشرعية لا ذاتية و جدد الإحرام عند اليقين بها و ما ذكرناه موضع المحاذاة الحقيقية و لازمه حدوث زاوية قائمة و هي لأن تكون زاوية مربع اقرب من أن تكون لمثلث لاتساع الجهة التي تنتهي الطرق إليها و لكن لا يبعد كفاية المحاذاة العرفية فيجزي أي موضع كان من مواضع المحاذاة مع فرض صدقها عرفاً للمتوجه إلى مكة (و أما ميقات) راكب البحر الذي هو من أهم المسائل اليوم لعموم الابتلاء به فإن تمكن من معرفة موضع المحاذاة من البحر و لو بالسؤال من ربان المركب و تفهيمه بالمحاذاة المسئول عنها و حصول الظن بها من قوله اخذ به و إن احتمل ذلك احرم احتياطاً ثمّ جدده عند حصول اليقين بها و لكن الظاهر ان الميقات الذي يحاذيه راكب البحر أما يلملم أو الجحفة و محاذاة يلملم غير ممكنة لأمرين (الأول) بعد يلملم عن الساحل و بعد الساحل عن ممر السفن بما يقارب مجموعة المائة و الخمسين ميلًا و لا تصدق المحاذاة العرفية مع هذا البعد. (الثاني) عدم وقوعه عن يمين القاصد إلى مكة أو شماله بل يقع امامه و أخبار الربان بالمحاذاة جهلًا منه بالمحاذاة المعتبرة شرعاً بخياله ان المطلوب هو مطلق المحاذاة أو لأنه كما (يقال) مأمور بتوسط طلب سلطان أهل الخلاف في وقته باعلان الإحرام من ذلك الموضع و على هذا لا يجوز الإحرام قبل الوصول إلى جدة بالمعجمة للقطع بعدم المحاذاة قبلها و أما في جدة فينبغي الإحرام منها احتياطاً لا لأنها تحاذي أحد الميقاتين الواقعة بينهما و هما يلملم و الجحفة فإن يلملماً في جنوب الحرم و الجحفة في شماله و هي في غربه لبعدها عن كل منهما بما لا تصدق معه المحاذاة بل لأنها تساوي اقرب المواقيت ثمّ تجديد الإحرام في

ص: 131

أحد مواضع أدنى الحل كبحرى و الحديبية و هي بئر شمس و نحوهما و أما حده بالمهملتين فهي موضع بين جدة و مكة و هو واد في وسط الطريق فيه حصن و نخل و ماء فإن كانت من أدنى الحل جاز تجديد الإحرام منها أيضاً و أما محاذاة الجحفة لمن يحرم من الطريق الآخر في البحر فلا بد من تحققها حقيقة أو عرفاً و إن احتمل انهم يحاذون مسجد الشجرة قبلها و لكنه لا يلزم من ذلك بطلان الإحرام فالاحوط تخلصاً من الإثم الإحرام من موضع احتمال محاذاة مسجد الشجرة ثمّ إذا حصل له اليقين بمحاذاته أو محاذاة الجحفة جدد الإحرام و لا يخفى ان من اللازم بذل الجد و الجهد بقدر الطاقة و الوسع في المرور بأحد المواقيت و الوصول إليه فإن من تمكن من ذلك ثمّ اكتفى بما هنالك قد يكون ممن يأثم و حجه لا يسلم نعم لو نذر موضعاً معيناً يحرم منه خلص من الإشكال و ليجعله نذر شكر لله تعالى على بلوغه ذلك الموضع فإذا احرم منه اكتفى بالمرور على الميقات محرماً و من ترك الإحرام من الميقات نسياناً أو جهلًا عاد إليه مع الإمكان و إن كان أمامه ميقات و إلا احرم منه و إن لم يكن رجع المقدار الممكن و إلا احرم من موضعه إلا ان يكون بعد دخول الحرم فانه يجب عليه الخروج منه مع الإمكان و لا يجوز دخول مكة أو الحرم بقصد دخولها إلا محرماً و لو وصلها قبل اشهر الحج و أراد دخولها احرم لعمرة مفردة فظهر مما سلف ان ميقات الإحرام لعمرة التمتع هو أحد الستة و هي الخمسة و المحاذاة و أما مواقيت إحرام الحج بانواعه فيأتي ذكرها إن شاء الله. و كذا مواقيت العمرة المفردة (و من واجبات) الإحرام لبس ثوبي الإحرام يأتزر بأحدهما ساتراً ما بين السرة و الركبة و يرتدي بالآخر ساتراً للمنكبين بعد نزع المخيط من الثياب وجوباً و الاحوط ان يكون نزعها و لبسهما قبل نية الإحرام و التلبية و يعتبر في الثوبين كونهما مما تصح فيه الصلاة من المنسوج لا من غيره كالجلد و النمد و نحوهما و لا من المتنجس بما لا يعفى عنه و لا من غير الماكول و لا من الحرير حتى للمرأة على الأقوى و في المئزر أن يكون ساتراً للبشرة. (و من واجبات الإحرام) النية و لا يعتبر فيها بعد التعيين غير القربة و الإخلاص فينوي إحرام عمرة متمتع بها إلى حج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى (و من الواجبات) التلبية

ص: 132

و صورتها (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك) و يجب النطق بها على النهج العربي الصحيح كتكبيرة الإحرام و الأولى و الاحوط كسر همزة إنّ و تشديد النون و فتح كاف الملك و لا بأس بتكرير لك بعد الملك و يجب تعلمها أو المتابعة فيها و إذا لم يتمكن منهما جمع بين التلفظ بالممكن له منها و الترجمة و استنابة الغير عنه على الاحوط و يأتي الأخرس كما يأتي بتكبيرة الإحرام و لا بد من نية التلبية فيقول ألبي التلبيات الأربع لعقد إحرام عمرة التمتع لحج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك) و هذا المقدار كاف و إن كانت الصورة المتقدمة أحوط و لا ينعقد الإحرام إلا بها و لا يلزم شي ء من الكفارات قبلها فلو فعل شيئاً مما يحرم على المحرم لم يكن عليه سوى تجديد الإحرام.

(و أما الترك)
اشارة

و هي أمور يجب تركها على المحرم بسبب الإحرام أو بسبب الحرم و إن احل

(أما المقام الأول) فهو أمور مخصوصة
اشارة

و معنى الإحرام هو حبس النفس عن فعلها كما مر أو توطينها على تركها أو ادخالها في حال تحرم عليه فيها و الاحوط للمحرم معرفتها قبل الإحرام و لو إجمالا ليقصد حبس النفس عنها و كفها عن فعلها و هي أمور:

(الأول) صيد البر

مباشرة و تسبيباً و هو صيد الحيوان الممتنع بالأصالة إلا ما يخافه المحرم على نفسه إذا قصده و كذا يحرم ذبحه و أكله و الاعانة عليه و لو كان معه حيوان يحرم صيده وجب عليه ارساله و إن امسكه ضمنه و لا يحرم صيد حيوان الماء و هو ما يبيض و يفرخ في الماء و لا ذبح الحيوان الأهلي كالابل و البقر و الغنم و الدجاج.

(الثاني) الجماع و التقبيل و الملاعبة و النظر بشهوة

بل مطلق التلذذ بالنساء و العقد عليهن لنفسه و لغيره ولاية و وكالة و فضولًا و تحمل الشهادة عليه.

(الثالث) الاستمناء

و لو بأعمال الفكر.

(الرابع) استعمال الطيب

شماً و استعمالًا و أكلًا و لبساً لما فيه رائحة الطيب بل يحرم عليه شمه لو كان عند غيره بل يجب امساك انفه و أما الرائحة الكريهة فيحرم عليه امساك انفه عنها و لا بأس بالتفاح و نحوه من الفواكه أكلًا لا شماً و الاحوط ترك شم الرياحين و لا بأس بشم خلوق الكعبة و هو طيب مخصوص و لكنه مشتبه المصداق فالامساك عن طيبها مع

ص: 133

الإمكان أولى.

(الخامس) لبس المخيط للرجال اختياراً

و ان قلت الخياطة بل الاحوط اجتناب لبس ما يسمى قباء و قميصاً و إن لم يكن مخيطاً كالمنسوخ و الملصق و نحوهما و أما الهميان الذي يجعل فيه نفقته فلا بأس بشده على بطنه و كذا ما يشد لإمساك فتق الريح من الضرورة إليهما و يفدى عن ذلك بشاه و أما النساء فلا بأس بلبس المخيط لهن عدا القفازين و هو لباس للكفين تتخذه نساء العرب حفظاً لهما من البرد يحشى بقطن.

(السادس) الاكتحال بالسواد لقصد الزينة

بل مطلقاً على الاحوط بل الأولى اجتناب ما كان بقصد الزينة و إن لم يكن بالسواد.

(السابع) النظر في المرآة

و لا بأس باستعمال المنظرة التي تجعل على العيون و لا بالنظر في الماء الصافي الذي يحكي الوجه بخلاف الأجسام الصيقلية التي يرى فيها الوجه فإن الاحوط ان لم يكن الأقوى اجتناب النظر فيها و لا فرق في ذلك بين الوجه و غيره من البدن.

(الثامن) لبس ما يستر تمام ظهر القدمين من خف و جورب و غيرهما

و إن لم يكن مخيطاً بل الاحوط اجتناب النساء لذلك و لا بأس بما يستر البعض كما لا بأس بستر الجميع بغير اللباس كالجلوس و التغطية بدثار أو نحوه.

(التاسع) تغطية الرأس للرجال اختياراً

و المراد به ما فوق الرقبة بقلنسوة أو ثوب أو غيرهما من نبات أو طين أو محمول عليه من طبق أو متاع و لا بأس بستره ببعض البدن كاليد و لا بما لا بد منه في العادة كالوسادة عند النوم و نحوها.

(العاشر) الادهان اختياراً

و لو كان بمطيب اجتمعت فيه حرمتان من غير فرق بين الرأس و غيره من البدن و المدار على ما يسمى إدهاناً و إن لم يكن للزينة كما يصنعه بعض الأعراب و لا باس بأكل الدهن و شربه كما انه لا بأس بأثره الباقي بعد الادهان قبل الإحرام.

(الحادي عشر) إزالة الشعر من أي مكان كان

بأي مزيل يكون و لا بأس به للضرورة كالنابت في العين و يقتصر على أقل ما يندفع به الضرر.

(الثاني عشر) إزالة الأظفار

بقص أو قرض أو كسر أو حك أو نحوها.

(الثالث عشر) لبس السلاح اختياراً

و في الدرع و الترس و نحوهما مما يتخذ للحفظ إشكال و الاحتياط أولى بل قيل بدخولها في السلاح.

(الرابع عشر) قتل هوام الجسد

من القمل و نحوه مباشرة أو تسبيباً بإلقاء أو وضع في شمس أو استعمال

ص: 134

زئبق و نحوه بل لا يجوز نقله من محل إلى محل آخر إذا كان الأول احفظ له و يجوز أن يلقى من جسده ما لا يتكون منه كالقراد.

(الخامس عشر) لبس الخاتم للزينة

و لا بأس بلبسه للسنّة.

(السادس عشر) أن تلبس المرأة الحلي في حال الإحرام للزينة

و لا بأس بما كان عليها قبله و لكن لا تظهره للزوج و لا لغيره من الرجال.

(السابع عشر) التظليل للرجل اختياراً في حال السير راكباً أو ماشياً

بأن يركب في هودج أو كنيسة أو محمل له سقف أو يرفع على رأسه مظلة و نحوها و المراد ان لا يكون تحت ساتر محاذٍ لرأسه حدث منه ظل أو لا كما لا بأس بوقوع الظل عليه من أحد جانبيه لو اتفق كما لو مشى في ظل المحمل عند ميل الشمس و لا بأس بالجلوس حال النزول تحت الظل كما انه يجوز له الاستظلال عند التردد في قضاء حوائجه ما دام في المنزل و إن كان الاحوط خلافه و يجوز للأطفال و النساء و كذا في حال الضرورة و خوف الضرر لمطر أو شدة برد أو حر مع الفدية بشاة و الاحوط الفداء عن كل يوم بشاة كما ان الأقوى تعددها بتعدد النسك كإحرام العمرة و إحرام الحج.

(الثامن عشر) إخراج الدم

بحجامة أو فصد أو حك أو سواك اختياراً فلو دعت الضرورة إلى إخراجه جاز كما انه لا فدية لو خرج لنفسه و الظاهر انه لا فرق في إخراجه بين ان يكون عن عمد و قصد و بين ان لا يكون و فدية إخراجه عند بعض الأصحاب بشاة و عند بعض اطعام مسكين.

(التاسع عشر) قلع الضرس مع عدم الادماء اختياراً

و الاحوط الفداء بشاة.

(المكمل للعشرين) قلع كل شي ء نابت في الحرم

كما يأتي بيانه في المقام الثاني.

(الواحد و العشرون) تغطية الوجه للمرأة حتى في النوم

و لو بعضه بنقاب و نحوه إلا مقدار ما يحصل به اليقين بستر تمام الرأس في الصلاة و بعد الفراغ منها يجب كشفه فوراً بلا فصل و لو أرادت التستر عن الناظر الأجنبي سدلت قناعها من أعلى الرأس بحيث لا يصيب شيئاً من الوجه ترفعه بيدها أو بخشبة و نحوها على الاحوط و تفدى بشاة لو تعمدت ذلك.

(الثاني و العشرون) الفسوق

و هو الكذب سيما على الله تعالى أو على أحد المعصومين عليهم السلام و يلحق به السباب و المفاخرة الدنيوية و البذاء و اللفظ القبيح بل جميع المعاصي و لا كفارة فيه سوى الاستغفار و ان استحب له التصدق و لو

ص: 135

بكف من الطعام بل يستحب له ذبح بقرة.

(الثالث و العشرون) الجدال

و هو قول لا و الله أو بلى و الله في الخصومة بل مطلقاً إذا كانت اليمين كاذبة و يظهر من بعض الأخبار المعتبرة ان الجدال يتحقق باليمين ثلاثا ولاءً في الصدق و مرة واحدة مع الكذب و الاحوط اجتناب اليمين مطلقاً إلا في مقام الضرورة لنفي باطل أو إثبات حق و ليس في اليمين الصادقة إذا كانت دون الثلاث سوى الاستغفار و في الثلاث شاة كما في اليمين الواحدة كاذباً و في اليمين كاذباً مرتين بقرة و ثلاثاً جزور على المشهور.

المقام الثاني فيما يجب تركه بسبب الحرم
اشارة

الذي هو بريد في بريد على المحرم و المحل و هو أمور

(الأول) قطع شجر الحرم و قلعه

و قطع أغصانه و ورقه و حشيشه و ثمره ما دام ثابتاً فيه يابساً كان أو لا و كذا لو كان فرعه في الحرم و إن كان اصله في غيره فضلا عن العكس و يجوز قلع الكمات و نحوها و إن كان الاحوط التجنب و لا بأس بقلع شجر الفواكه و النخل و الاذخر كما لا بأس بترك ابله و دوابه ترعى في الحرم كيف شاءت كما لا بأس بما أنبته بنفسه في ملكه الذي في الحرم.

(الثاني) الصيد في الحرم على المحل و المحرم.
(الثالث) يحرم اخذ لقطة الحرم

و إن نقصت عن الدرهم بقصد التملك و بدونه.

(الرابع) إخراج الحصى و التراب منه على ما قيل.
(الخامس) الدخول إليه بغير إحرام

و هو على إطلاقه محل إشكال.

(السدس) إقامة الحدود و التعزيرات على من جنى خارجه و التجأ إليه

نعم يحرم سقيه و اطعامه حتى يخرج من الحرم ليقام عليه الحد بخلاف ما لو جنى فيه.

إكمال لو كان محرماً من الميقات أو قبله بالنذر و أراد المدينة قبل الحج

لم يتحلل من احرامه و لم يجز له فعل شي ء من تروك الإحرام و لو فعل شيئاً منها كان عليه ما على المحرم من الكفارة حتى يأتي بأفعال العمرة و بما يتحلل به المحرم للعمرة و لو مضى إلى المدينة فالاحوط له تجديد الإحرام من أحد المواقيت و لا بأس بالرواح إلى المدينة قبل

ص: 136

الإحرام و إن وصل إلى الميقات و كذا من نذر ان يحرم من موضع معين يجوز له قبل وصوله إليه ان يمضي إلى المدينة ثمّ يعود للإحرام منه بل و أن وصل إليه إذا كان نذره للإحرام منه مطلقاً نعم لا يجوز له الإحرام من غيره إلا مع تعذر الرجوع و عدم إمكانه و لو كان نذره مقيداً بالاحرام منه عند الوصول إليه لم يجز له ان يمضي إلى المدينة فلو لم يحرم و مضى إليها كانت عليه كفارة خلف النذر و جاز له ان يحرم من أي موضع شاء.

خاتمة في كفارات الإحرام
و هي ما يجب بفعل أحد محرماته و في ذلك مبحثان:
المبحث الأول في الصيد

و لا كفارة فيما يحل صيده و لا في سباع الطير إذا اعتدت على حمام الحرم بل يجوز قتلها و لا في قتل السباع و ان لم ترده إلا في الاسد ففيه كبش على الاحوط و لا بأس بقتل الحية و العقرب و الفارة و ما يخافه على نفسه إذا قصده و يجب في قتل النعامة بدنة من الإبل و في الظبي و الثعلب و الأرنب شاة و في القطاة و الدراجة و نحوهما حمل فطيم و في اليربوع و القنفذ و الضب جدي و في العصفورة و القنبرة و الصعوة مد من طعام و في الحمامة شاة و في فرخها حمل و في بيضتها قبل حركة الفرخ فيها درهم و بعدها حمل و على المحل في الحرم عن الحمامة درهم أو قيمتها إن زادت عليه و عن الفرخ نصف درهم و عن البيضة ربعه و في القملة يلقيها عن جسده كف من طعام و كذا في الجرادة و تكفي التمرة عنها و في الجراد الكثير شاة إذا أمكن التحرز منه و الا فلا شي ء و لو أكل ما قتله كان عليه فداء ان و لو أكل ما ذبحه غيره ففداء واحد و لو اشترك في قتله جماعة كان على كل واحد منهم فداء كامل و من امسك الصيد الذي معه و لم يرسله ضمنه و ما تقدم يلزم المحرم و لو في الحل و أما المحل في الحرم فتلزمه القيمة و يجتمعان على المحرم في الحرم و ان بلغ الفداء بدنه كانت عليه مع قيمة الصيد على الاحوط و لا فرق في ضمان الصيديين قتله عمداً و سهواً و خطأ و تتكرر الكفارة بتكرر الجناية سهواً و خطأ لا بتكررها عمداً إلا في إحرام آخر و لو اضطر إلى أكل الصيد أو

ص: 137

الميتة أكل من الصيد بمقدار ما يمسك به الرمق و فداه المكنة و لو لم يتمكن بقي في ذمته إلى حصول التمكن و لو كان الصيد مملوكاً ضمن لصاحبه قيمته أو ارش عيبه و عليه فداءه كغير المملوك و يتصدق يه إلا في حمام الحرم فانه يتخير بين الصدقة به و بين أن يشتري بقيمته علفاً لحمامه و ما يلزم في إحرام العمرة يذبحه أو ينحره بمكة و ما يلزم في إحرام الحج بمنى.

المبحث الثاني في باقي المحرمات
اشارة

و هي أمور:

(الأول) الاستمتاع بالنساء

فمن جامع امرأته و لو كانت أمة منقطعة قبل أحد الموقفين قبلًا أو دبراً عامداً عالماً بالتحريم كان عليه إتمام الحج و قضاؤه عقوبة و بدنة من الإبل فرضاً كان الحج أو نفلًا و عليها مثل ما عليه ان طاوعته و عليهما ان يفترقا من موضع المعصية بأن لا يجتمعا إلا مع ثالث يمنع وجوده من الجماع إلى ان يفرغا من المناسك في حج الفرض و حج العقوبة و لو أكرهها محرمة صح حجها و لا يتحمل عنها إلا البدنة و لو جامعها بعد الوقوف بالمشعر قبل الطواف لزمته بدنة فإن عجز فبقرة فإن عجز فشاة و لو طاف من طواف النساء خمسة اشواط ثمّ واقع لم تلزمه الكفارة و أتم طوافه و لو جامع في إحرام العمرة المفردة قبل السعي بطلت و وجب اتمامها و قضاءها و عليه بدنة و الاحوط في إحرام العمرة المتمتع اتمامها و إتمام الحج و القضاء في القابل و البدنة و لو أمنى بالنظر إلى أهله فلا شي ء عليه و إلى غير أهله فعليه بدنة و إن كان موسراً و إلا فبقرة و لو كان معسراً فشاة و لو نظر أهله بشهوة فأمنى فعليه بدنة و لو قبلها كذلك أو أمنى عن ملاعبة فجزور و لو كان الأمناء عن استماع ما يوجبه غالباً فلا شي ء عليه و لو عقد محرم لمحرم فدخل كان على كل منهما بدنة و كذا لو كان العاقد محلًا عالماً بالاحرام و الحرمة و تجب على المرأة مع علمها باحرام الزوج و الحرمة.

(الثاني) استعمال الطيب عامداً

بجميع أنحاء استعماله حتى أكلًا مع الطعام و فيه شاة.

ص: 138

(الثالث) تقليم الأظفار

و في كل ظفر مد من طعام و في يديه و رجليه في مجلس واحد شاة و في مجلسين شاتان و لو أفتاه شخص بالقلم فأدنى ظفره فعلى المفتي شاة.

(الرابع) لبس المخيط لضرورة و غيرها

و فيه شاة و ان تعدد الملبوس إذا اتحد الوقت.

(الخامس) حلق شعر الرأس بل مطلق إزالته و لو مضطراً

و فيه شاة أو اطعام ستة مساكين لكل مسكين مدان و اختيار الشاة هو الاحوط.

(السادس) إزالة شعر الإبطين معاً بالنتف و غيره

و فيها شاة و في أحدهما اطعام ثلاثة مساكين و لو سقط من رأسه أو من لحيته في الوضوء للصلاة أو غيرها شي ء فلا شي ء عليه و لو سقط بمسه في غيره تصدق بكف من طعام.

(السابع) التظليل سائراً

و فيه شاة و كذا في تغطية الرأس و لو بطين أو ارتماس في ماء أو حمل ما يستره و إن كان ذلك لضرورة.

(الثامن) الجدال صدقاً

و منه شاة إذا كان ثلاثاً و لا كفارة فيما دون الثلاث و إذا كان كاذباً مرة و لو ثنّاه فبقرة و لو ثلّثه فبدنة.

(التاسع) قلع الضرس اختياراً

و فيه شاة.

(العاشر) قلع شجرة الحرم الكبيرة

و فيه بقرة و الصغيرة شاة و في الابعاض القيمة.

مسائل
(الأول) لا كفارة على الجاهل و الناسي إلا في الصيد.
(الثاني) تكرار الكفارة

مع صدق تعدد السبب عرفاً اتحد المجلس أو اختلف كفر عن الأول أم لم

ص: 139

يكفر.

(الثالث) ما يحرم على المحرم مما لا مقدر له شرعاً و لا نص بعدم الكفارة عليه

و إن ورد ان فيه دماً لو فعله المحرم كان عليه دم شاة.

الفصل الثاني في طواف العمرة
اشارة

و فيه مقدمة و مقاصد

(أما المقدمة)

ففي مستحبات دخول الحرم و دخول مكة و المسجد الحرام إذا انتهى المحرم إلى الحرم نزل و اغتسل و دعا لدخوله بهذا الدعاء (اللهم انك قلت في كتابك و قولك الحق) إلى آخر الدعاء و دخل الحرم حافياً آخراً نعليه بيديه ماشياً ساعة من الزمان تواضعاً لله ماضغا للاذخر و إذا أراد دخول مكة اغتسل لدخولها من بئر ميمون بالابطح أو بئر عبد الصمد أو بئر فخ أو غيرها و دخلها من أعلاها من عقبة المدنيين بعد الغسل حافياً داعياً و ليكن دخوله بسكينة غير متجبر و لا متكبر و يغتسل ثالثاً لدخول المسجد الحرام و يجزيه عن الثلاثة غسل واحد عند وصوله إلى الحرم ينويه عن الجميع و ليكن دخوله من باب بني شيبة و يقال انه الآن في المسجد قبال باب السلام و ليقف على الباب و يقول (السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته بسم الله و بالله و من الله و ما شاء الله و السلام على أنبياء الله و رسله و السلام على رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم و السلام على إبراهيم خليل الله و الحمد لله رب العالمين و يقول ما ورد في رواية أخرى (بسم الله و بالله) إلى آخر الدعاء فإذا دخل المسجد دخله حافياً بسكون و خشوع و ليرفع يديه و يستقبل البيت قائلًا (اللهم أني اسألك في مقامي هذا و في أول مناسكي ان تقبل توبتي و تتجاوز عن خطيئتي و تضع عني وزري الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام) إلى آخره ثمّ ينظر إلى الكعبة و يقول (الحمد لله الذي عظمك و شرفك و كرمك و جعلك مثابة للناس و أمناً مباركاً و هدى للعالمين) ثمّ ينظر إلى الحجر الاسود و يقول (الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لو لا ان هدانا الله سبحان الله و الحمد لله و لا اله إلا الله و الله اكبر) الخ. ثمّ يمشي بتأن مقصر خطاه فإذا قرب من الحجر رفع يده و حمد الله و أثنى عليه و صلى على محمد و آله عليهم السلام و قال (اللهم تقبل مني) ثمّ استلم الحجر و مسح وجهه و يده به و قبله فإن لم يتمكن مسه بيده و قبلها فإن لم يتمكن أشار إليه بيده و قبلها و قال (أمانتي اديتها

ص: 140

و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة اللهم تصديقاً بكتابك و على سنة نبيك صلّى الله عليه و آله و سلّم) الخ.

و أما المقاصد
(فأولها) في أحكامه و شرائطه
(أما أحكامه)

فيجب على المعتمر للتمتع بعد دخوله مكة ان يبتدئ بالطواف لعمرة التمتع و الطواف ركن من تركه عامداً إلى زمن لا يمكن فعله فيه قبل الوقوف بطل حجه و صار حج أفراد و وجب عليه القضاء في القابل بخلاف غيره ممن لم يتمكن منه لعذر و من تركه نسياناً يأتي به مع السعي و لو كان ساعياً و مع التعذر يستنيب و لو حاضت المرأة قبل طواف العمرة توقفت عنه و انتظرت فإن طهرت و تمكنت من أفعال العمرة و الخروج إلى الموقف فعلت و إلا بطلت متعتها و صارت حجتها مفردة تأتي بعدها بعمرة مفردة و لا قضاء عليها و المريض يطوف معتمداً أو راكباً أو محمولًا فإن لم يتمكن استناب

(و أما شرائطه)
اشارة

فهي أمور:

(الأول) الطهارة من الحدث مطلقاً

فلا يصح الطواف الواجب بدونها و لو غفل فطاف محدثاً أو احدث في أثنائه قبل إكماله أربعة اشواط استأنف و لو أكملها تطهر و أتم طوافه من حيث قطع و الشك في الطهارة هنا كالشك فيها للصلاة و يقوم التيمم مع عدم التمكن من الماء مقام الطهارة بالماء كما في الصلاة.

(الثاني) طهارة البدن و الثياب من النجاسة

و إن كانت مما يعفى عنه في الصلاة احتياطاً و لو علم بها بعد الفراغ فالظاهر الصحة و لو نسيها و طاف أعاد و لو علم بها في أثنائه أزالها و أتم طوافه.

(الثالث) الختان

فلا يصح طواف الأغلف و إن كان طفلًا قد طيف به بإذن وليه فلا تحل له النساء بعد البلوغ إلا ان يتدارك بعد الختان طواف النساء بنفسه أو بنائبه.

(الرابع) ستر العورة

بما يصح به التستر في الصلاة.

(الخامس) النية المشتملة على قصد القربة

و تعيين كونه طواف حج أو عمرة أو نساء أو غيرها مقارنة لأول جزء منه مستدامة إلى الفراغ و لو حكماً و ذلك بأن يقول أطوف سبعة أشواط في بيت الله الحرام طواف عمرة التمتع لحج الإسلام حج التمتع لوجوبه قربة إلى الله تعالى.

(ثانيها) في واجباته
اشارة

و هي أمور

(الأول) يجب ابتداء كل شوط من الأشواط السبعة من الحجر الاسود

بحيث يمر بتمام بدنه على تمام الحجر فيتقدم عليه قليلًا في

ص: 141

الابتداء و يتأخر عنه كذلك عند الختام و لا بأس بالزيادة احتياطاً مقدمة للعلم لا بقصد الزيادة و إن كان القول بكفاية صدق الابتداء من الحجر غير بعيد و طوافه صلّى الله عليه و آله و سلّم راكباً يمكن أن يكون على الوجه الأول و على الوجه الثاني.

(الثاني) الختم بالحجر

في كل شوط من السبعة على ما مر في الابتداء فلو نقص من المسافة خطوة أو اقل لم يجزء و لو زاد متعمداً بطل.

(الثالث) ان يكون البيت في جميع أحوال طوافه على يساره

فلو جعله على يمينه و استقبله بوجهه أو جعل ظهره إليه بطل و لو استقبل البيت بوجهه في جزء من الطواف لتقبيل أحد الأركان أو انحرف مجراه قهراً فصار وجهه أو ظهره إليه لزحام و نحوه لم يحسب له ذلك الجزء و وجبت إعادته و ينبغي الحذر عند فتحتي حجر إسماعيل و عند باقي الأركان بالتباعد عنها مع المحافظة على جعل البيت على اليسار و الظاهر ان أمر الطواف أوسع من ذلك و لكن الاحتياط فيه مما لا ينبغي تركه.

(الرابع) إدخال حجر إسماعيل في الطواف

و هو عرصة عليها جدار منقوش شبه نصف دائرة بين ركني الكعبة له فتحتان عند الركنين فيه قبر هاجر أم إسماعيل عليها السلام و قبور كثير من الأنبياء عليهم السلام فيجب كون الطواف على تمامه و تمام الكعبة فلو مشى على حائطه أو دخل من إحدى فتحتيه و خرج من الأخرى بطل الشوط و لا يكفي التدارك لو دخل من إحداهما و خرج من الأخرى باكمال الشوط من موضع سلوك الحجر و إعادة الشوط و الإتيان بباقي الأشواط لو كانت بل يستأنف مع ذلك طوافاً آخر على الاحوط بل لا يترك لو كان ذلكم قبل تجاوز الأربعة أشواط.

(الخامس) ان يكون الطواف بين الكعبة و المقام

فيراعي مسافة تبلغ ستة و عشرين ذراعاً و نصفاً بذراع اليد تقريباً من جميع الجوانب فلا يبعد عن الكعبة بما يزيد عليها و إلا خرج عن المطاف و بطل ما خرج عنه من الطواف و من جهة الحجر بالكسر ستة اذرع و نص لان مقدار ساحة الحجر عشرون ذراعاً فلو تجاوز هذا المقدار من جهة الحجر خرج عن المطاف و كان عليه تدارك الجزء الخارج عنه من موضع الخروج.

(السادس) خروج الطائف بجميع بدنه عن البيت

و لواحقه فلو مشى على شاذروانه (1) في طوافه أو مسه بيده لم


1- هو بناء شبه دكة خارجة من أساس جدار الكعبة دائرة عليها (منه دام ظله)

ص: 142

يحسب له و كان ذلك الجزء من الطواف باطلًا يجب تداركه و الاحوط أن لا يمس الكعبة و لا الشاذروان و لا جدران الحجر و لا يستلم الأركان و هو في حال الطواف لا بيده و لا بشي ء من بدنه.

(السابع) إكمال سبعة أشواط بلا زيادة و لا نقصان

فلو شك في العدد بعد الفراغ لم يلتفت و لو شك في أثنائه بين التمام و الزيادة كما لو شك أن هذا الشوط هو السابع أو الثامن و كان على منتهاه بنى على السبع و لو كان في أثناء الشوط الذي شك فيه انه السابع أو الثامن أتم ما بيده احتياطاً و أعاد الطواف و لو كان الطواف نفلًا و شك في أثنائه بنى على الأقل مطلقاً و لو نقصه سهواً شوطاً أو شوطين أو ثلاثة بنى على الأربع و أتى بما فاته و ان كانت النقيصة أربعة أشواط أو اكثر استأنف إلا أن يكون في المطاف و لم يأت بالمنافي فانه يتم و ان كان النقص عن عمد بطل مطلقاً.

(الثامن) الموالاة بين الأشواط الأربعة الأول

بل الاحوط ان لا يقطع الطواف الواجب بلا عذر على وجه تفوت به الموالاة العرفية فلو قطعه كذلك استأنف و ان تجاوز النصف و لو كان لعذر كمرض أو حيض أو سبق حدث فإن كان بعد إتيانه بأربعة أشواط أتم من موضع القطع و إن كان قبل الإتيان بها استأنف الطواف.

(ثالثها) في مستحباته

و هي المبادرة به عند دخول المسجد فلا يقدم عليه غير الفريضة إذا دخل وقتها و استقبال الحجر بجميع بدنه في ابتداء الطواف و أن يقول ما تقدم و الخضوع و الخشوع حال الطواف و احضار القلب و حفظ الجوارح و ترك الكلام إلا بالذكر و التلاوة و المشي فيه و إن جاز الركوب و سحب رجلي من طيف به على الأرض أو مسها بهما و أن يطوف حافياً مكشوف الرأس و التداني من البيت و المقاربة بين الخطى و غض البصر و استلام الحجر الأسود ببدنه فإن تعذر فبيده فإن تعذر أشار إليه بها فإن تعذر فبوجهه يفعل ذلك في ابتداء الطواف في كل شوط و أن لا يؤذِ أحدا و ربما حرم و التزام المستجار و هو دون الركن اليماني بقليل و الدعاء في أثناء الطواف بالمرسوم و عند بلوغ باب الكعبة في كل شوط و حجر إسماعيل مقابل الميزاب خلف الكعبة و بلوغ الركن اليماني و إذا صار بينه و بين الحجر الأسود و ليبسط يديه في

ص: 143

الشوط السابع على حائط المستجار و يلصق بطنه و خدّه به و يعدد ذنوبه كأن يقول (اللهم و من ذنبي كذا) ثمّ يستغفر منها ثمّ يطلب حاجته و يكثر من الدعاء و ينبغي لمن استلم أو التزم أو قبل حفظ موضع القيام الذي انفصل عنه لذلك ليعود إلى إتمام طوافه منه تحرزاً من النقصان و الزيادة.

الفصل الثالث في صلاة الطواف

و هي ركعتان كالصبح و تجب بعد الفراغ من الطواف خلف مقام إبراهيم عليه السلام و الاحوط المبادرة بهما بعد الفراغ من الطواف و لا يؤخرهما بحيث يعد متهاوناً بل الأقرب عدم جواز تأخيرهما إلا لعذر و نيتهما ان يقول اصلي صلاة طواف عمرة التمتع لحج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى و محل فعلهما خلف المقام و هو الصخرة التي فيها اثر القدم المبارك فلا تصح أمامها و لا عليها بل يجب استقبالها و مع تعذره يراعى الأقرب فالأقرب مع جعلها اماما و يتخير فيهما بين الجهر و الاخفات و شروطها شروط الصلاة إلا الوقت و موانعها موانعها و لو صلاها في غير محلها أعادها فيه و لو نسيها وجب العود لفعلها فيه و لو تعذر صلاها في أي موضع كان و الاحوط الجمع بينه و بين الاستنابة و لو مات وجب على الولي قضاءها و تصح جماعة و فرادى و لا آذان فيها و لا إقامة و صلاة الطواف المندوب يصليها حيث شاء من المسجد و مكة و يستحب ان يقرأ بعد الفاتحة التوحيد في الأولى و الجحد في الثانية و إذا فرغ منها حمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و قال (اللهم تقبل مني و لا تجعله آخر عهد مني الحمد لله بمحامده كلها على نعمائه كلها حتى ينتهي الحمد إلى ما يحب و يرضى اللهم صل على محمد و آل محمد و تقبل مني و طهر قلبي و زك عملي) و يستحب أن يسجد و يقول و هو ساجد (سجد لك وجهي تعبداً ورقا لا اله إلا أنت حقا حقا الأول قبل كل شي ء و الآخِر بعد كل شي ء و ها أنا ذا بين يديك ناصيتي بيدك فاغفر لي انه لا يغفر الذنب العظيم غيرك فاغفر فاني مقر بذنوبي على نفسي و لا يدفع الذنب العظيم غيرك).

ص: 144

الفصل الرابع في السعي بين الصفا و المروة

و تستحب المبادرة إليه فوراً بعد الفراغ من ركعتي الطواف بحيث لا يعد متهاوناً و لا يؤخره إلا لعذر كحر أو برد فإذا فرغ من صلاة الطواف استلم الحجر الأسود و قبله ان أمكن و إلا أشار إليه ثمّ مضى إلى بئر زمزم فاستقى منها بنفسه دلواً أو دلوين بالدلو المقابل للحجر الأسود ان أمكن و إلا استقى له غيره منه أو من غيره و ليشرب منه فإن ماء زمزم لما شرب له و يصب الباقي على رأسه و ظهره و بطنه و يستقبل القبلة و يقول (اللهم اجعله علماً نافعاً و رزقاً واسعاً و شفاءً من كل داء و سقم) و إتيانها كذلك مستحب في نفسه و إن لم يرد السعي ثمّ يخرج إلى السعي بسكينة و وقار من الباب الذي هو الآن من المسجد معلم باسطوانتين معروفتين و منه كان خروجه صلّى الله عليه و آله و سلّم على ما قيل و هو يحاذي الحجر الأسود فإن لم يمكن خرج من الباب الموازي لهما ثمّ يقطع الوادي حتى يصعد الصفا و ينظر إلى البيت و ليستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود و يحمد الله و يثني عليه و يذكر من آلائه و حسن بلائه و جميل صنعه ما يقدر عليه ثمّ يقول (الله اكبر) سبعاً و يأتي بالمأثور من الذكر و الدعاء و ليكن الوقوف على الصفا أول مرة أطول من غيرها و ليكن بمقدار قراءة سورة البقرة مترسلًا و قد ذكرنا في مصباح الناسك من أدعية المقام و أذكاره ما وفق الله تعالى لذكره و السعي واجب بعد صلاة الطواف و هو ركن كالطواف و تركه عمداً و سهواً كتركه كذلك نعم لا تعتبر فيه الطهارة من الحدث و لا من الخبث و لا ستر العورة و إن كان الاحوط فيه مراعاة الطهارة من الحدث و لو سعى قبل الطواف ناسياً اعاده بعده و كذا لو كان جاهلًا و يقول في نيته (اسعى بين الصفا و المروة سبعة أشواط سعي عمرة التمتع لحج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى) و يلصق عقبيه في بداية الشوط الأول بالصفا و أصابع رجليه في نهايته بالمروة و في الشوط الثاني بالعكس و هكذا يلصق عقبيه بما يبتدئ منه و أصابع رجليه بما ينتهي إليه و يكفي الصاق عقب واحد و أصابع رجل واحدة و الاحوط أن يصعد إلى الدرجة الرابعة من الصفا و ينوي و يستمر نازلًا و يمضي ماشياً أو راكباً إلى ان يصل إلى المروة و الاحوط أيضاً ان يصعد على

ص: 145

المروة في نهاية الشوط و بدايته و الذهاب من الصفا إلى المروة شوط و الإياب منها إليه شوط آخر و هكذا حتى يحصل الختام في الشوط السابع بالمروة و يجب ان يكون الذهاب و الإياب في الطريق المتعارف لذلك فإذا مضى إلى المروة من المسجد أو من السوق أو من غيرهما أو عاد إلى الصفا منهما أو من غيرهما لم يجزء كما انه يجب ان يمضي مستقبلًا بوجهه للمروة و يعود مستقبلًا للصفا فيستقبل المقصد فيهما فلا يجز المشي عرضا و لا مستدبراً لما يتوجه إليه نعم لا يقدح الالتفات يميناً أو شمالًا كما انه يجوز له الجلوس على الصفا و المروة للاستراحة و أما الجلوس ما بينهما فالاحوط تركه بدون عذر و لو زاد فيه سهواً اقل من شوط ألغى الزائد و صح سعيه و كذا لو كان الزائد شوطاً أو اكثر و يستحب إكماله اسبوعاً و لو نقصه سهواً أتى بالناقص متى ذكره فلو ذكره بعد عوده إلى بلاده و لم يتمكن من الرجوع استناب و الاحوط في صورة عدم إكمال أربعة أشواط استئناف الجميع و الزيادة العمدية فيه مبطلة كالطواف و

الشك في عدده بعد الانصراف لا عبرة به و لو شك و هو على المروة انه الشوط السابع أو التاسع ألغى الزائد و صح سعيه و لو كان أحد طرفي شكه اقل من سبع فالظاهر البطلان كما لو شك في أثناء الشوط انه السابع أو التاسع مثلًا و يستحب فيه المشي مع القدرة و الهرولة ما بين المنارة و زقاق العطارين للرجل و لو كان راكباً حرك دابته فإذا بلغ المنارة قال (بسم الله و بالله و الله اكبر و صلى الله على محمد و أهل بيته اللهم اغفر و ارحم و تجاوز عما تعلم انك أنت الأعز الأكرم و اهدني للتي هي أقوم اللهم ان عملي ضعيف فضاعفه لي و تقبل مني اللهم لك سعي و بك حولي و قوتي تقبل مني عملي يا من يقبل عمل المتقين) ثمّ يمشي مسرعاً إلى المنارة الأخرى فإذا جازها قال (يا ذا المن و الفضل و الكرم و النعماء و الجود اغفر لي ذنوبي انه لا يغفر الذنوب إلا أنت) و هكذا يصنع في كل شوط فإذا بلغ المروة دعا بالمأثور و قال (اللهم يا من أمر بالعفو يا يحب العفو يا من يعطي على العفو يا من يعفو على العفو يا رب العفو العفو العفو العفو) و ليسع باكياً داعياً قائلًا (اللهم أني اسألك حسن الظن بك على كل حال و صدق النية في التوكل عليك).

ص: 146

الفصل الخامس في التقصير

و يجب بعد الفراغ من السعي و هو نسك واجب في نفسه كسائر أفعال العمرة لا إباحة محظور و به يحصل الإحلال من إحرام عمرة التمتع و يحل له كل ما يحل للمحل في الحرم حتى المواقعة و لكن يستحب له ان يتشبه بالمحرمين و لا يلبس قميصاً كما يستحب ذلك لأهل مكة أيام الحج و لا بد فيه من النية كغيره من أفعال العمرة و لو تلفظ بها قال اقصر للإحلال من عمرة التمتع عمرة الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى و يكفي اخطار المعنى و يحصل التقصير بحصول مسمّاه و هو الأخذ من شعر الرأس أو اللحية أو الشارب أو الأظفار بغير مغصوب من حديد و غيره و لو بالأسنان بأي نحو كان و الأولى أن يفعل ذلك بنفسه و ان يأخذ من جميع جوانب شعر رأسه مبتدئاً بالناصية و من اللحية و الشارب و الأظفار و يستحب له التقصير و هو على المروة و لا يجوز الحلق و لو حلق لم يجزه و لزمه التقصير و لو حلق تمام رأسه بعد التقصير فلا بأس و إن كان الترك أولى و لو كان قبله عمداً فعليه شاة و يمرّ الموسى على رأسه يوم النحر وجوباً و لو نسي التقصير حتى احرم للحج استغفر الله و لا شي ء عليه و الاحوط ان يهريق دماً و لا يتوقف الإحلال بعد التقصير على طواف النساء إلا ان الاحوط فعل طواف النساء و صلاته بعد التقصير فينوي انه يطوف طواف النساء لعمرة التمتع إلى حج التمتع حج الإسلام احتياطاً قربة إلى الله تعالى و لا يجوز للمحل من عمرة التمتع ان يخرج من مكة مع خوف فوت الحج بل الاحوط له أن لا يخرج منها مطلقاً إلا لعذر و أن لا يتجاوز حدودها التي كانت في زمن خطاب الشرع و إن احتمل التعميم لما تجدد منها بعده و ان كان الأقرب جواز الخروج إلى ما دون المسافة و اختصاص المنع بالسفر إلى ما يبلغها فيجوز الخروج لأدنى الحل لعمرة مفردة و لزيارة بعض المشاهد و لو خرج إلى ما يبلغ المسافة عاد محرماً من ميقاته بعمرة ينويها عما في ذمته و يطوف فيها طواف النسا احتياطاً و يجوز الخروج للمحرم و المحل من العمرة المفردة.

ص: 147

خاتمة في العمرة المفردة

و هي فريضة كالحج بشرائطه و أسبابه و تزيد عليه بفوات الحج بعد الإحرام فانه يجب التحلل بها و في وجوبها على الآفاقي إشكال و لا تختص بزمان معين و تستحب بعد قضاء الفريضة في تمام السنة و أفضلها في رجب و هي تلي الحج فضلا و يستحب تكرارها و لا حد للفصل بين العمرتين نعم لو كان اقل من عشرة أيام كانت اقل فضلا و ثواباً و تجب فيها النية و الإحرام من ميقاتها و هو أدنى الحل و الأفضل ان يكون من الحديبية أو الجعرانة أو التنعيم و هو اقرب أطراف الحل إلى مكة و لو خرج إلى أحد المواقيت و احرم منه كان افضل و مريد العمرة في رجب لو خاف تقضيه احرم قبل الميقات و يجب الطواف و ركعتاه و السعي و التقصير أو الحلق و به يحل ما عدا النساء و طواف النساء و ركعتاه فتحل له النساء و القارن و المفرد يأتيان بها بعد الحج إن وجبت و المتمتع يجتزي عنها بعمرته.

المقصد الثاني في أفعال حج التمتع

اشارة

و قد تقدم ذكرها إجمالًا

و تذكر هنا في فصول:
الفصل الأول في إحرام حج التمتع

و افضل أوقاته بعد الإحلال من إحرام العمرة يوم التروية الثامن من ذي الحجة و أفضله ان يكون بعد صلاة الظهر أو العصر أو صلاة فريضة و لو قضاء و إن لم يكن عليه شي ء من ذلك فبعد صلاة الإحرام و اقلها ركعتان فإذا احرم دعا بما تقدم من الدعاء عند إحرام العمرة إلا انه لا يذكر العمرة فيه و يقول (اللهم أني أريد الحج فيسره لي و حلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت عليّ احرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي من النساء و الثياب و الطيب ابتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة) و لا يترك الاحتياط بالاحرام في اليوم المذكور عقيب صلاة فإذا كان باقياً على صورة المحرم طلباً للفضل لم يحتج إلى نزع و لبس و إلا نزع ثيابه و نوى نزعها لإحرام الحج حج التمتع الخ و لبس ثوبي الإحرام و يعتبر فيهما ما قدمناه في ثوبي إحرام العمرة و ينوي

ص: 148

حين اللبس قائلًا (البس ثوبي الإحرام لحج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى) و في نية إحرام الحج احرم لحج التمتع الخ و في نية التلبية ألبي لعقد إحرام حج التمتع الخ ثمّ يلبي التلبيات الأربعة كما سبق و ميقات الإحرام لحج الأفراد و القران أحد المواقيت أو منزله ان كان دون الميقات و لو في مكة و يأتي الكلام عليهما بعد الفراغ من هذا المقصد إن شاء الله تعالى و أما ميقات إحرام حج التمتع فهو أي موضع شاء من مكة و الأفضل ان يكون من المسجد و أفضله ان يكون من الحجر أو من المقام و لو عين أحد هذه بالنذر تعين و لو عين موضعاً خارجاً عن مكة لم ينعقد و كيفية الإحرام هنا و واجباته و تروكه كإحرام العمرة و لو نسي الإحرام حتى خرج إلى منى وجب العود إلى مكة للإحرام منها و إذا لم يتمكن من الرجوع لعذر أو ضيق وقت احرم من موضعه و يستحب للمحرم ان يخرج من المسجد و عليه السكينة و الوقار متوجهاً إلى منى و ان يقول عند توجهه إليها (اللهم إياك أرجو و اياك ادعو فبلغني املي و اصلح لي عملي) و ليكن مشتغلًا في طريقه بالذكر و التسبيح فإذا اشرف على الابطح رفع صوته بالتلبية و استمر عليها إلى زوال يوم عرفة و يستحب المبيت بمنى ليلة عرفة مشتغلًا بالذكر و التلاوة و الدعاء و الصلاة في مسجد الخيف و ليمكث فيها إلى أن يفرغ من صلاة الفجر و تعقيباتها و يكره له قطع وادي محسر و هو أحد حدود منى قبل طلوع الشمس بل الاحوط أن لا يجوزه حتى تطلع الشمس كما انه لا ينبغي الخروج منها قبل الفجر إلا للمريض و خائف الزحام و نحوهما من ذوي الأعذار فإذا مضى إلى عرفات قال عند توجهه إليها (اللهم إياك حمدت و إياك اعتمدت و وجهك أردت) و يلبي و هو غاد إلى عرفات فإذا بلغها أحطّ رحله بموضع معروف يسمى نمرة قريبة من عرفات متصل بها و ضرب خباءه بها تأسياً.

الفصل الثاني في الوقوف بعرفات

و هو الحصول فيها من غير فرق بين ان يكون متحركاً أو ساكناً قائماً أو قاعداً مستيقظاً أو نائماً نوماً لا يستوعب تمام الوقت و لا سكراناً أو مغمى عليه كذلك و الواجب للمختار هو الوقوف من زوال الشمس من يوم عرفة إلى غروب الحمرة

ص: 149

المشرقية عن نية معتبرة و كيفيتها ان يقول اقف بعرفة وقوف حج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى و الركن من الوقوف الذي يبطل الحج بتركه عمداً هو مسماه و لا يتحقق تركه إلا بترك الوقوف في جميع الوقت فلو تركه في بعض أجزاء الوقت أثم و صح حجه و لا يبطل الحج بترك الوقوف سهواً إلا إذا ترك الوقوف بالمشعر أيضاً و لو تركه في جميع الوقت عامداً ابطل حجه و لا يكفيه الوقوف الاضطراري و هو الوقوف بعرفة ليلة العيد بخلاف غير العامد الذي لم يتمكن من الوقوف و لو يسيراً من الوقت لنسيان أو ضيق وقت أو نحوهما فانه يجزيه الوقوف ليلًا و لو يسيراً من الزمان فمن ادركه و تركه عامداً افسد حجه و لو فاته اختياري عرفه و اضطراريها نسياناً أجزأه إدراك اختياري المشعر الحرام و لو خرج من عرفة قبل غروب الشمس عامداً فان ندم و عاد إليها فلا كفارة عليه و إن لم يعد مع العلم و العمد فعليه بدنة ينحرها يوم العيد فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكة أو في الطريق أو في أهله و لو كان جاهلًا أو ناسياً فلا شي ء عليه و لو حصل الخلاف في الهلال فصار اليوم الثامن عند الامامية تاسعاً عند غيرهم عمل كل من الفريقين بفرضه مع الإمكان و عدم التقية و إن لم يكن فإن أمكن إدراك الوقوف بالمشعر صح الحج و إن أوجب فوات الموقفين بطل الحج لأن التقية لا تصحح العمل على الاحوط ان لم يكن أقوى و مستحبات الوقوف بعرفة الغسل و الطهارة و احضار القلب و إزالة شواغله و مفرقات حواسه عن التوجه لعبادة ربه تعالى و التفرغ للدعاء فانه يوم دعاء و مسألة و لا ينبغي فيه الصوم إذا اضعف عن الدعاء و ليصل الظهر و العصر عند الزوال باذان واحد و اقامتين و ليقف في ميسرة الجبل و هي ما تكون على يسار من جاء من مكة و في السفح منه و لا يصعد على أعلاه و قد حرّمه بعض الأصحاب و ليكن قائماً ما استطاع مستقبلًا بارزاً تحت السماء مكثراً من التكبير و التحميد و التهليل و التمجيد و ليدعُ بالمأثور عن النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و عن سبطه الحسين عليه السلام و عن ولده زين العابدين عليه السلام و ليدع لإخوانه ما استطاع فإن له به مائة ألف ضعف و قد ذكرنا في المصباح ما تيسر من ذلك ثمّ يفيض من عرفات بعد غروب الشمس إلى المشعر مقتصداً في سيره.

ص: 150

الفصل الثالث في الوقوف بالمشعر الحرام

و يسمى جمعا و مزدلفة إذا افاض من عرفات بات ليلة النحر بالمشعر وجوباً على الاحوط و لينو المبيت فيه و الوقوف للحج امتثالًا لأمره تعالى فإذا تنفس الصبح جدد النية قائلًا اقف في المشعر الحرام إلى طلوع الشمس وقوف حج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى و لا يخرج منه قبل الفجر فلو افاض قبله و كان ناوياً للوقوف ليلًا أثم و صح حجه و عليه ان يجبره بشاة بل لو افاض قبل طلوع الشمس مختاراً متعمداً و تجاوز وادي محسر عصى و عليه دم شاة أيضاً على الاحوط و الركن من الوقوف مسماه على غير مغصوب فلو كان الوقوف عليه هنا أو في عرفات قوى البطلان و لا يفوت إلا بتركه في جميع الوقت الذي هو من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس و هو اختياري المشعر و هذا في غير النساء و ذوي الأعذار كالمرضى و الشيوخ الخائفين من الزحام و المضطرين لخوف و نحوه فإن لهؤلاء نية الوقوف ليلًا و الافاضة إلى منى قبل طلوع الشمس و من لم يدرك الوقت المذكور كفاه الوقوف قبل الزوال فتحصل ان للوقوف أوقاتا ثلاثة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس و هو اختياري المشعر و ليلة النحر للنساء و لمن لم يتمكن من البقاء إلى الفجر و هو اضطراري مشوب بالاختياري و من طلوع الشمس إلى الزوال و هو اضطراري المشعر ثمّ ان الحكم بصحة الحج و فساده يختلف بالنسبة إلى أقسام الوقوفين في عرفة و المشعر و هي أربعة مفردة و هي كل واحد من الاختياريين و الاضطراريين و أربعة مركبة و هي الاختياريان و الاضطراريان منهما و اختياري أحدهما مع اضطراري الآخر و هما قسمان فمن لم يدرك الوقوف في أحد الموقفين أصلا فلا حج له و عليه ان يتحلل بعمرة مفردة كما انه لا إشكال في صحة حج من أدرك الوقوفين في الوقت الاختياري لها و لو أدرك اختياري أحدهما و اضطراري الآخر صح حجه أيضاً و في صحة إدراك الاضطراريين خلاف اقربه الصحة و الاحوط الإعادة في القابل و لو أدرك الاضطراري من أحدهما فقط فالأقوى البطلان و ان أدرك الاختياري من أحدهما وفاته الآخر لضرورة صح حجه من غير فرق بين اختياري المشعر و اختياري عرفة و إن كان الحكم في الثاني لا

ص: 151

يخلو من إشكال و يستحب النزول ببطن الوادي عن يمين الطريق قريباً من المشعر و أن لا يصلي المغرب و العشاء إلا في جمع يجمع بينهما بأذان واحد و إقامتين و له التأخير و ان ذهب ثلث الليل و تؤخر نوافل المغرب بعد العشاءين و ينبغي الصلاة قبل حط الرحل و إحياء ليلته بالمزدلفة بالعبادة و الذكر و التلاوة و الدعاء فإن أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات المؤمنين و من أحياها لم يمت قلبه يوم تموت القلوب و ليلتقط حصى الجمار فيها من جمع و من أي الجهات شاء عدا المساجد و أملاك الغير و هي

سبعون حصاة بأوصافها الآتية حذراً من ضياع بعضها أو خطئه في الإصابة و يندب للضرورة ان يقف على المشعر و يطؤه برجله أو براحلته و يقول (اللهم هذه جمع اللهم اسألك ان تجمع لي فيها جوامع الخير اللهم لا تؤيسني من الخير الذي سألتك ان تجمعه لي في قلبي ثمّ اطلب إليك ان تعرفني ما عرفت أولياءك في منزلي هذا و ان تقيني جوامع الشر) فإذا اصبح يوم النحر و صلى الفجر وقف إن شاء قريباً من الجبل في سفحه أو حيث بات و ليكن قائماً ما استطاع خاضعاً خاشعاً ذاكراً داعياً لنفسه و أبويه و لأهله و ولده و لإخوانه المؤمنين و هو على غسل و طهارة و ليدعُ بالمأثور و أوجب بعض الأصحاب ذكر الله تعالى فيه لقوله تعالى:" فَإِذٰا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفٰاتٍ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ وَ اذْكُرُوهُ كَمٰا هَدٰاكُمْ" الخ و لا يجوز وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس فإذا اشرقت على ثبير اعترف بذنوبه سبع مرات و استغفر منها و تاب سبعاً ثمّ مضى ذاكراً مستغفراً بسكينة و وقار و يستحب له أن يقطع الوادي المذكور مهرولًا فيسرع ان كان ماشياً و يحرك راحلته ان كان راكباً و يدعو عند الهرولة (اللهم سلم عهدي و اقبل توبتي و اجب دعوتي و اخلفني بخير فيمن تركت بعدي رب اغفر و ارحم و تجاوز عما تعلم انك أنت الأعز الأكرم).

الفصل الرابع في واجبات منى
اشارة

و هي ثلاثة رمي جمرة العقبة ثمّ الذبح أو النحر ثمّ الحلق أو التقصير و يجب الترتيب بينها و لو خالفه ناسياً فلا بأس و عامداً يأثم و لا يعيد على المشهور و لكن

ص: 152

الاحوط مع الإمكان الإعادة فإذا افاض من المشعر يوم عيد النحر وجب عليه العود إلى منى لأداء المناسك المذكورة و تفصيلها في مباحث:

المبحث الأول في الرمي

و ينبغي لمن ورد منى ان يبادر إلى رمي جمرة العقبة و هي القصوى و اقرب الجمرات الثلاثة إلى مكة و أحد حدود منى و الجمرة اسم موضع الرمي و وقته من طلوع الشمس يوم العاشر إلى غروبها و للناسي إلى يوم الثالث عشر و لو لم يتذكره أتى به في القابل أو استناب عنه و يعتبر في الحصيات صدق الاسم عليها و أن تكون مملوكة غير مغصوبة و ان تكون من الحرم من أي موضع كان و ان استحب التقاطها بنفسه ليلًا من المشعر كما مر و ان تكون ابكارا غير مرمي بها صحيحيا و يستحب فيها ان تكون رخوة برشاء جمعية طاهرة بقدر الانملة ملتقطة منقطة كحلية غير صلبة و لا مكسرة و يعتبر في الرمي أمور (الأول) النية بأن يقول ارمي جمرة العقبة بسبع حصيات رمي حج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى و لا بد من استدامتها إلى الفراغ. (الثاني) ان يكون بسبع حصيات. (الثالث) إيصالها إلى الجمرة بما يسمى رمياً. (الرابع) اصابة الجمرة بالسبع بواسطة الرمي لا بتوسط شي ء آخر معه من إنسان أو غيره من آلة أو غيرها كما لو صادمت شيئاً فوثبت بتوسط الصدمة و اصابت و لو شك في الإصابة بنى على العدم. (الخامس) تعاقبها في الرمي لا في الإصابة فلا يرميها دفعة واحدة. (السادس) وقوع المري في وقته. (السابع) مباشرة الرامي بنفسه فلا يجزي غيره عنه إلا في بعض الأحوال و يستحب أن يكون الرامي متطهراً عند الرمي بينه و بين الجمرة ما بين عشرة اذرع إلى خمسة عشر ذراعاً مستقبلًا لها من قبل وجهها مستدبراً للكعبة غير عال على الجمرة مترجلا قبل الوصول إليها من حين محاذاته لمسجد زين العابدين عليه السلام إلى أن يصل إليها و يستحب ان يكون الرمي خذفاً (باعجام حروفه) و هو ان يضع الحصاة على بطن إبهامه و يدفعها بظفر السبابة و يدعو عند وضع الحصيات في يده اليسرى بهذا الدعاء (اللهم ان هذه حصياتي فأحصهن لي و ارفعهن في عملي) و يكبر عند رميك حصاة و يدعو فيقول

ص: 153

(الله اكبر اللهم ادحر عني الشيطان اللهم تصديقاً بكتابك و على سنة نبيك محمد صلّى الله عليه و آله و سلّم اللهم اجعله لي حجّاً مبروراً و عملًا مقبولًا و سعياً مشكوراً و ذنباً مغفورا).

المبحث الثاني في الذبح أو النحر

و هو الواجب الثاني من واجبات منى و الخامس من أفعال الحج و يجب الهدي على المتمتع خاصة في الفرض و النفل إذا كان واجداً له أو لثمنه و لا يجزي الهدي الواحد إلا عن واحد و من لم يكن قادراً على ابتياعه صام ثلاثة أيام في الحج و سبعة أيام في الرجوع و يعتبر التوالي في الثلاثة فإن أخر صومها إلى الثامن و التاسع صامهما ثمّ صام الثالث عشر بعد رجوعه من منى و لو فاته ذلك أخرها إلى رجوعه من منى و أتى بها في تمام ذي الحجة و الاحوط المبادرة بها و لو خرج ذو الحجة و لم يصمها فيه تعين الهدي عليه في القابل و لو تمكن من الهدي بعد الصيام فالافضل و الاحوط ذبحه و يصوم السبعة بعد رجوعه إلى وطنه و التوالي فيها أحوط و لو أقام بمكة انتظر اقل الأمرين من وصوله إلى أهله أو مضى شهر و من فقد الهدي و وجد الثمن جعله عند ثقة يشتريه في بقية ذي الحجة و يذبحه عنه و إذا لم يتيسر في سنته ففي القابلة و الاحوط الجمع بين ذلك و بين الصيام و لو نسى الذبح يوم النحر أو منعه مانع جاز تأخيره إلى آخر أيام التشريق بل إلى آخر ذي الحجة و لو تعين عليه الهدي و مات قبله اخرج من اصل تركته و يجب كون الهدي من النعم و يعتبر فيه ان يكون في السادسة ان كان من الإبل و في الثالثة على الاحوط ان كان من البقر أو المعز و في الثانية على الاحوط أيضاً ان كان من الضأن و ان يكون في الجميع صحيحاً تام الأجزاء فلا تجزي العوراء و لا العرجاء و لا الخصي و لا الهرمة و لا المريضة مرضاً يوجب هزالها أو تغير لحمها و لا مقطوعة الأذن و لا مكسورة القرن الداخل و لا المهزولة التي لا شحم على كليتيها و ان لا يصدق عليها مع ذلك إنها مهزولة و لا بأس بذات الأذن المشقوقة و المثقوبة و ان كان الاحتياط في تركهما و ترك ما لا إذن له و لا قرن و لا ألية بحسب اصل الخلقة و لو اشتراها على إنها سمينة فبانت مهزولة اجزأت و لا تجزي لو بانت ناقصة و ان اشتراها على إنها تامة و ليقسمه اثلاثاً يهدي ثلثاً و يتصدق بثلث و يأكل ثلثا أي بمسكه له و لأهل

ص: 154

بيته و لتكن الصدقة و الهدية لأهل الإيمان و لا يترك الأكل منه و لو قليلا لظاهر الآية و فتوى جماعة بالوجوب و ما يوجد في منى من الطوائف غير المؤمنة لا يجزي الدفع إليهم في التصدق و الإهداء و لو نهبوا الذبيحة أو سرقوها لم تجزئ على الاحوط و كان عليه أن يذبح غيرها و إن كان لعدم ضمانها وجه نعم يمكن الإهداء و التصدق على أحد المؤمنين و هو إن شاء تصدق به على من يشاء و يستحب أن يكون الهدي سميناً جداً قد أحضر في عرفه ذكر من المعز و الضأن و أنثى من البقر و الإبل و أن يتولى الذبح بنفسه و إلا جعل يده مع يد الذابح و ليقل عند الذبح (وجهت وجهي للذي فطر السموات و الأرض حنيفاً مسلماً و ما أنا من المشركين ان صلاتي و نسكي و محياي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين اللهم منك و لك بسم الله و بالله و الله اكبر اللهم تقبل مني كما تقبلت عن إبراهيم خليلك و موسى كليمك و محمد نبيك صلّى الله عليه و آله و سلّم و عليهم) و يجزي الهدي عن الأضحية و الجمع بينهما افضل و لو لم يجدها تصدق بثمنها و وقتها بمنى أربعة أيام أولها يوم النحر.

المبحث الثالث في الحلق أو التقصير

و يجب أحدهما على الحاج بمنى بعد الذبح إلا المرأة فيتعين عليها التقصير و لو بقدر الانملة و إلا الصرورة و الملبد شعره بل و معقوص الشعر فإن تعيين الحلق عليهم هو الاحوط و يقول في النية (أحلق أو اقصر شعر رأسي أو من شعر رأسي و أظفاري لحج التمتع الخ) و من لا شعر على رأسه يمر الموسى عليه و لا يترك الاحتياط بالتقصير مع ذلك و لو تولى الحلق أو التقصير غيره فالاولى ان ينوي ذلك أيضاً مضافا إلى نيته و إذا حلق أو قصر احل من كل شي ء احرم منه عدا النساء و الطيب فإذا طاف و سعى حل له الطيب و إذا طاف طواف النساء حلت له و أما الصيد فلا يحل له ما دام في الحرم و لو نسى الحلق أو التقصير في يوم العيد حتى خرج من منى وجب عليه العود إليها و فعل أحدهما فيها فإن تعذر فعل ذلك وجوباً في أي موضع كان و بعث بشعره إلى منى ليدفن فيها استحباباً فإن رجع إلى منى بنفسه أعاد الطواف بعد الحلق أو التقصير و لا شي ء عليه إذا كان ناسياً أو جاهلًا و لا يجوز له ان يطوف طواف الحج إلا

ص: 155

بعد الحلق أو التقصير فلو تعمده قبلهما كفر بشاة و يستحب له البدأة من القرن الأيمن و ان يحلق جميع شعر رأسه و ان يستقبل و يسمي و يدعو فيقول (اللهم اعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة و حسنات مضاعفات و كفّر عني سيئات انك على كل شي ء قدير) ثمّ يدفن شعره في منى.

الفصل الخامس فيما يجب و يستحب بعد الفراغ من مناسك منى
اشارة

و فيه مبحثان:

(الأول) يجب بعد ذلك ان يعود إلى مكة لطواف الحج و صلاة ركعتيه و السعي و طواف النساء و ركعتيه

ثمّ يرجع إلى منى و الأفضل لمن قضى مناسكها يوم النحر ان يمضي إلى مكة ليومه و إلا فمن غده و هو اليوم الحادي عشر بل الاحوط عدم التأخير عنه و ان كان الجواز إلى تمام ذي الحجة فضلا عن التأخير إلى ما بعد أيام التشريق غير بعيد و أما الطواف و هو السابع من أفعال الحج ثمّ صلاة ركعتيه ثمّ السعي ثمّ طواف النساء ثمّ صلاة ركعتيه فعلى النحو السابق في طواف العمرة و ركعتيه و سعيها إلا في النية فانه يبدل عمرة التمتع بحج التمتع فيقول اطوف طواف حج التمتع إلى آخره و هكذا و لا يجوز تقديم الطواف و السعي على الوقوفين إلا لضرورة كالمرأة تخاف الحيض أو النفاس في ذلك الوقت و العليل و العاجز الذين لا يتمكنان من الطواف و السعي بعد العود من منى من جهة الزحام بل و غيرهم من ذوي الأعذار فانه يجوز لهؤلاء الإتيان بالطواف و ركعتيه و السعي بعد الإحرام بالحج ثمّ الخروج للوقوفين و بقية أفعال الحج و الاحوط الإعادة مع التمكن و لو في أيام التشريق و إلا ففي تمام ذي الحجة و الاستنابة مع عدمها و قد مر ان طواف النساء و صلاته و هو المحلل الثالث الذي تحل النساء بعد الإتيان به و بركعتيه و لا إشكال في وجوبه هنا و عدم حلية النساء حتى العقد عليهن بدونه إلا انه ليس من أركان الحج فلا يكون تركه عمداً كترك طواف الحج مبطلًا نعم يجب عليه الإتيان به و لا يجوز تقديمه على الوقوفين اختياراً و لا تقديمه على السعي و لو قدمه عليه ساهياً لم يعد.

(الثاني) تستحب المبادرة بالمضي إلى مكة بعد الفراغ من مناسك منى

و الغسل لدخول مكة و دخول المسجد و الطواف و تقليم الأظفار و الأخذ من الشارب و لو اغتسل لذلك بمنى

ص: 156

جاز و الدعاء عند باب المسجد بالمأثور و استلام الحجر و تقبيله و الإتيان بما سلف في طواف العمرة.

الفصل السادس في أحكام منى بعد العود من مكة إليها

و هو الفعل الثاني عشر من أفعال الحج الواجبة فإذا قضى مناسكه بمكة وجب العود يوم النحر للمبيت بمنى ليلًا و الرمي بها نهاراً و يجب الكون فيها ليالي التشريق و هي الحادية عشر و الثانية عشر مطلقاً و ليلة الثالثة عشر لمن لم يتق الصيد و النساء في إحرامه و أما من اتقاهما فيه فله النفر من منى بعد الزوال من اليوم الثاني عشر إلا ان يبقى فيها إلى غروب الشمس فيجب المبيت عليه ليلة الثالثة عشر و الرمي في اليوم الثالث عشر و كذا من باتها طلباً للفضل بل الاحوط لكل من فعل شيئاً من محرمات إحرام الحج و العمرة المبيت في الليالي الثلاث و الأوجب منه البقاء فيها في تلك الليالي مع النوم و عدمه و له الخروج منها بعد انتصاف الليل و لكن الأفضل الكون بها إلى طلوع الفجر و يقول في نيته (ابيت أو ابات ليلتين في منى لحج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى) أو (ابيت ثلاث ليال) و الأولى ان يأتي لكل ليلة بنية مستقلة بعد نية الجمع فلو بات بلا نية كان كمن لم يبت بها على الاحوط ان لم يكن أقوى و لو بات بغير منى فعليه عن كل ليلة يبيتها في غيرها شاة إلا ان يبيت بمكة مشتغلًا بالعبادة و لو مندوبة و من أهمها الطواف و السعي مستوعباً لها بالعبادة إلا ما يضطر إليه من طعام أو شراب أو نوم يغلب عليه و إلحاق الجاهل و الناسي بالعالم العامد هو الاحوط و كذا المضطر بالمختار إلا انه لا يأثم لو خرج منها لعارض عام أو خاص كحفظ مال أو نفس أو تمريض مريض و نحوها و رخص في ترك المبيت فلا فدية للرعاة و أهل سقاية الحاج.

الفصل السابع في رمي الجمرات الثلاث بمنى
اشارة

و فيه مبحثان:

(الأول) يجب رمي الجمرات الثلاث

و هي الجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف ثمّ الوسطى ثمّ القصوى و هي جمرة العقبة في كل يوم بات ليلته بها وجوباً أو ندباً على الأظهر على الترتيب المذكور فلو خالفه عمداً أو نسياناً عاد على ما

ص: 157

يحصل به الترتيب إلا ان يرمي اللاحقة سهواً بعد رميه السابقة عليها بأربع حصيات فيجب العود إليها لرميها بما يكمل العدد و إن كان الاحوط العود و الإعادة و لو نسى جمرة و لم تتعين عاد على الجميع و كذا لو نسى حصاة و لم تتعين رماها على الجميع و واجبات الرمي هنا على النحو المتقدم في رمي جمرة العقبة في مناسك منى و لو رحل من منى قبل الرمي وجب الرجوع في أيام الرمي فإن تعذر استناب عنه من يأتي به في وقته و ان لم يتذكر إلا بعد الخروج من مكة استناب عنه في القابل وجوباً ان لم يحضر فإن حضر وجبت المباشرة بنفسه و لا يجوز الرمي ليلًا لا لليوم الماضي و لا لليوم الآتي مع التمكن منه نهاراً و مع عدم التمكن منه كذلك كالخائف و المريض و الراعي و نحوهم يجوز لهم رمي جمرات كل يوم في ليلته و لو نسى الرمي في اليوم الأول قضى السابق أو لا ثمّ اتي بما يجب عليه من اللاحق و يجوز ان يرمي عن المريض من يستنيبه عنه لذلك و إذا أمكن ان يحمل إلى الجمرة و يرمي النائب عنه فهو أولى كما ان الأولى مع المكنة ان يضع الحصيات في يده و يتناولها من يده من يرمي عنه.

المبحث الثاني في الأعمال المستحبة في أيام منى

تستحب الإقامة فيها أيام التشريق فلا يخرج منها حتى للطواف المستحب فإن الإقامة فيها افضل و يستحب الوقوف عند الجمرة الأولى و الوسطى بعد الفراغ من الرمي و رميها عن يسارهما من بطن المسيل في حال استقبال القبلة بخلاف جمرة العقبة فانه يستدبر القبلة و يرميها عن يمينها و لا يقف عندها كما مرّ و اخذ الحصى بيده و الدعاء و الدنو من الجمرة قليلًا و يقول (اللهم تقبل مني) و التكبير عند الرمي و من المستحبات في منى التكبير على المشهور و قيل بوجوبه و هو بمنى عقيب خمسة عشر صلاة أولها ظهر يوم النحر و كيفيته (الله اكبر الله اكبر لا اله إلا الله و الله اكبر و الله اكبر على ما هدانا و له الحمد على ما أبلانا و رزقنا من بهيمة الأنعام) و هذا المقدار منه مجزٍ إن شاء الله و إذا نفر الحاج في اليوم الثاني عشر و هو النفر الأول دفن ما زاد من الحصى في منى و تستحب الصلاة في مسجد الخيف و أفضله من المنارة إلى نحو ثلاثين ذراعاً من جهة القبلة و عن يمينها و يسارها كذلك ففي الخبر من صلى بمسجد منى مائة

ص: 158

ركعة عدلت عبادة سبعين عاماً و من سبح لله فيه مائة تسبيحة كتب الله له اجر عتق رقبة و من هلل الله فيه مائة عدلت إحياء نسمة و من حمد الله فيه مائة عدلت اجر خراج العراقين ينفق في سبيل الله و يستحب الرجوع إلى مكة بعد النفر من منى لطواف الوداع و غيره من المستحبات و له ان يذهب من منى بعد أداء واجباتها إلى حيث شاء إلا أن يكون قد بقي عليه نسك أو بعضه فيجب عليه العود إليها لذلك.

إكمال في حج الافراد

و هو فرض أهل مكة و من بحكمهم و كيفيته إجمالًا ان يحرم بالحج أولا من ميقاته الذي مرت الإشارة إليه في المواقيت أو من حيث يسوغ له الإحرام و لو لعذر من نسيان و غيره ثمّ يمضي إلى عرفة فيقف بها ثمّ إلى المشعر فيقف به ثمّ إلى منى يوم النحر فيقضي مناسكه بها ثمّ يأتي إلى مكة فيه أو بعده إلى آخر ذي الحجة فيطوف بالبيت و يصلي ركعتي الطواف و يسعى و يطوف طواف النساء و يصلي ركعتيه و عليه عمرة مفردة بعد الحج ان وجبت عليه و يجوز تقديمها عليه و قد سلف الكلام عليها و لا بد فيه من النية و وقوعه في اشهر الحج و عقد الإحرام من حيث يسوغ عقده و حج القران كالأفراد إلا انه يتميز عنه بسياق الهدي عند إحرامه فيتخير القارن في عقد إحرامه بين التلبية و بين اشعار ما يسوقه إن كان من الإبل بشق سنامه من الجانب الأيمن و لطخه بدمه و تقليده إن كان منها أو من البقر أو الغنم بأن يعلق في عنقه نعلا قد صلى فيه و لو نافلة و لا يجب الهدي عليه و لا على المفرد إلا مع العدول إلى عمرة التمتع فإنه يجوز للمفرد مع عدم التعيين ان يعدل بحجه إليها اختياراً و هذه هي إحدى المتعتين اللتين كانتا على عهد رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم فيطوف و يصلي و يسعى و يقصر ثمّ يحرم للحج من مكة كغيره من أهل الآفاق و لا يجوز العدول للقارن.

ص: 159

خاتمة المقصدين
اشارة

و فيها فصلان:

الفصل الأول في المندوبات بعد الفراغ من الحج و العودة إلى مكة

و هي أمور: (الأول) يستحب الغسل لدخول مكة و لدخول مسجدها و الدخول من باب بني شيبة و الدعاء لدخول المسجد بما تقدم. (الثاني) دخول الكعبة فإن الدخول فيها دخول في رحمة الله و الخروج منها خروج من الذنوب و هو ليس بواجب و ان تأكد استحبابه للصرورة و آداب دخولها أمور: (الأول) الغسل لدخولها. (الثاني) الأخذ بحلقتي الباب عند الدخول و ان يقول (اللهم البيت بيتك و العبد عبدك و قد قلت و من دخله كان آمناً فآمني من عذابك و أجرني من سخطك). (الثالث) الدخول خاضعاً خاشعاً حافياً بسكون و وقار. (الرابع) ان يقصد الرخامة الحمراء بين الاسطوانتين اللتين تليان الباب و يصلي عليها ركعتين بالفاتحة و حم السجدة في الأولى و يسجد في موضع السجود منها و في الثانية بالفاتحة و بعدد آي حم و هي ثلاث او أربع و خمسون آية من أي سورة كانت. (الخامس) ان يصلي في الزوايا الأربع ركعتين ركعتين و يدعو بالمأثور. (السادس) السجود فيها و يقول (اللهم لا يرد غضبك إلا حلمك). (السابع) التكبير ثلاثاً و هو خارج منها.

(الثالث) يستحب الإكثار من الطواف فانه افضل من الصلاة تطوعا و ليطف ثلاثمائة و ستين طوافاً فإن عجز جعلها أشواطاً فتزيد على أحد و خمسين طوافا ثلاثة أشواط فإن ألحقها بالأخير فلا بأس و ان زاد عليها أربعة أشواط لتصير طوافا كاملا فكذلك و يستحب ان يطوف عن النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام لكل واحد طوافا و ان يطوف عن أبويه و إخوانه المؤمنين أو يطوف عنهم طوافا واحدا و بعد الفرغ من صلاة الطواف يقول (اللهم ان هذا الطواف و هاتين الركعتين عن فلان أو عن إخواني أو أهل بلدي).

(الرابع) في جملة أمور مستحبة (منها) ختم القرآن بمكة. (و منها) الجلوس في المسجد قبالة الميزاب مستقبلًا للبيت ناظراً إلى الكعبة فإن النظر إليها عبادة. (و منها)

ص: 160

إتيان الحطيم و هو ما بين الباب و الحجر الأسود و هو الموضع الذي تاب الله فيه على آدم و في الدروس انه اشرف البقاع فيصلي عنده و يدعو. (و منها) اكثار الشرب من ماء زمزم فإن جماعة العلماء شربوا لأمور مهمة كتحصيل علم و شفاء علة و قضاء حاجة و أهمها طلب المغفرة فليسم و لينو بشربه طلب المغفرة.

(الخامس) زيارة المشاهد الشريفة في مكة للتبرك بها و الصلاة فيها و الدعاء و هي كثيرة (منها) موضع الولادة الشريف و هو الآن مسجد في زقاق يسمى زقاق المولد (و منها) منزل خديجة رضوان الله عليها و هو الآن مسجد (و منها) مسجد الأرقم المخزومي و فيه استتر النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم في أول الإسلام (و منها) قبور الصلحاء و ذوي السابقة في الدين كقبر خديجة و قبر أبي طالب عليه السلام فإذا أتيت قبر خديجة فسلم على رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم و عليها و صل عندها ركعتين و اهد ثوابهما لها و إن شئت ان تقرأ عندها شيئاً من القرآن و تهدي ثوابه لها و هكذا تصنع في غيره من المراقد المحترمة و كذلك تزور عبد المطلب و عبد مناف و غيرهما ممن له قبر معروف و هناك قبور لجملة من علماء الشيعة و افاضلها قريبة من القبور المذكورة (و منها) الغار الذي بجبل حراء بالكسر و التخفيف و المد (و منها) الغار الذي بجبل ثور الذي تستر به النبي عن المشركين و هو المذكور في القرآن الشريف.

(السادس) طواف الوداع و هو من المستحبات المؤكدة لمن أراد الخروج من مكة إلا الحائض و نحوها و من خرج بلا وداع استحب له العود له مع الإمكان و ليكن آخر عهده بالبيت فلو أقام بعد ذلك غير مشتغل بأمور الخروج و السفر فالاولى الإعادة و النية فيه ان يقول (اطوف طواف الوداع لندبه قربة إلى الله تعالى) ثمّ يطوف سبعاً و يصلي الركعتين حيث شاء من المسجد و يستلم الحجر الأسود و الركن اليماني في كل شوط ثمّ يدعو بما يختار لنفسه من الدعاء ثمّ يأتي زمزم و يشرب منها و يقول في أثناء خروجه (آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون إلى ربنا راغبون إلى الله راجعون إن شاء الله تعالى) فإذا أراد الخروج سجد عند باب المسجد ثمّ قام مستقبلًا قائلًا (اللهم

ص: 161

أني انقلب على لا اله إلا الله) و ليخرج من باب الحناطين عازماً على العود إلى الحج ما أبقاه الله و ليتصدق بتمر يشتريه بدرهم و يجعلها قبضة قبضة و يكره الخروج بعد ارتفاع النهار قبل صلاة الظهرين (و هاهنا) فوائد (أولا) يجوز استعمال ثياب الكعبة في المصاحف و الوسائد و في التحرز و التبرك و لا يجوز استعماله فيما يوجب هتكاً أو اهانة و لا يشتره من الخدام و لو اشتراه قومه و صرف ثمنه في المحتاجين من زوار البيت و لو كان منهم لم يحتج إلى دفع القيمة ثانياً. (ثانياً) الأولى ان تدفع أجرة بيوت مكة بعنوان حفظ الرحل و نحو ذلك. (ثالثاً) يستحب التمام في الفرائض اليومية و ليقتصر على خصوص المسجد الحرام على الاحوط.

الفصل الثاني في زيارة المدينة
اشارة

التي اظهر الله بها دينه فإنها من المستحبات المؤكدة و من تمام الحج و الوفاء بالعهد و موجبات الشفاعة و الجنة و الأخبار في فضلها و الحث عليها مستفيضة فعنه صلّى الله عليه و آله و سلّم من أتى مكة حاجّاً و لم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة و من أتاني زائراً وجبت له شفاعتي و من وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة و عن الصادق عليه السلام لما قيل له ما حكم من زار أحدكم قال يكون كمن زار رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم و عنه عليه السلام ابدءوا بمكة و اختموا بنا إلى غير ذلك و في هذا الفصل مقامات:

(الأول) إذا خرج من مكة إلى المدينة و انتهى إلى مسجد غدير خم

صلى فيه و اكثر من الدعاء و الظاهر ان آثاره باقية إلى اليوم و هو موضع اظهر الله فيه الحق و إذا انتهى إلى المعرس نزل به و صلى و استراح و هو موضع بذي الحليفة بإزاء مسجد الشجرة.

(الثاني) للمدينة حرم

كما ان لمكة حرماً فعن أمير المؤمنين عليه السلام مكة حرم الله و المدينة حرم رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم و الكوفة حرمي لا يريدها جبار بحادثة إلا قصمه الله و حرم المدينة بريد في بريد و الاحتياط يقضي بالاجتناب عن قتل صيده و أكله و عن قطع شجره إلا ما استثنى.

(الثالث) يستحب الغسل لدخول المدينة و لدخول المسجد و للزيارة

و يكفي غسل واحد بنية الجميع و لزيارته صلّى الله عليه و آله و سلّم آداب و كيفيات ذكرناها في المصباح و ذكرها الأصحاب في كتب المزارات و منها كتاب هدية الزائرين و بعد زيارته صلّى الله عليه و آله و سلّم يزور بضعته الزهراء عليها السلام

ص: 162

و المشهور ان قبرها في بيتها خلف قبر أبيها و لما زادوا في المسجد صار قبرها فيه و قيل في الروضة و قيل في البقيع و قيل في بيت الاحزان.

(الرابع) في أعمال المسجد

و هي أمور (الأول) الغسل و الدعاء لدخوله. (الثاني) اكثار الصلاة فيه فرضاً و نفلًا لا سيما في بيت فاطمة عليها السلام ثمّ في الروضة الشريفة التي بين قبره و منبره فينبغي الإكثار من الصلاة فيها و الدعاء بطلب العفو و الرحمة و بالمأثور. (الثالث) إتيان مقام رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم و هو بين القبر و المنبر و الصلاة فيه. (الرابع) إتيان موضع المنبر الشريف حيث المنبر الآن بعد الفراغ من الدعاء عند قبره للتبرك به و مسح عينيه و وجهه به. (الخامس) إتيان مقام جبريل و هو تحت الميزاب و كان مقامه عليه السلام إذا استأذن عليه صلّى الله عليه و آله و سلّم و الصلاة و الدعاء فيه. (السادس) صلاة ركعتين عند اسطوانة التوبة و هي اسطوانة أبي لبابة بشير بن عبد المنذر الانصاري الاوسي البدري ثمّ يدعو بعدهما بالمأثور هذا و الظاهر ان أعمال المسجد أعمال مستقلة غير ارتباطية و لا ترتيبية فللعامل ان يأتي منها بما شاء.

(الخامس) زيارة أئمة البقيع عليهم السلام

فإذا أراد زيارتهم اغتسل و تطهر و لبس الثياب النظيفة و استعمل الطيب و غير ذلك من الآداب ثمّ زارهم بالزيارات المأثورة.

(السادس) ان يزور المشاهد و المراقد

و هي كثيرة منها مرقد إبراهيم ابن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم فإن موته قد احزن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم و قال فيه انه صديق و ان له ظئراً تتم رضاعه في الجنة و أمه مارية القبطية فإذا فرغت من زيارة أئمة البقيع فزره بما قاله المفيد رحمه الله و غيره. (و منها) قبر فاطمة بنت اسد أم أمير المؤمنين عليه السلام التي ترحّم عليها رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم و قال رحمك الله يا أمي بعد أمي و قد حفر لحد قبرها و اخرج ترابه بيده و كفنها في قميصه و صلى عليها و قال ما اعفي أحد من ضغطة القبر إلا فاطمة فينبغي زيارتها بعد زيارة إبراهيم عليه السلام و اعلم ان بقيع الغرقد من البقاع المشرفة و الدفن فيه مستحب و فيه من عباد الله الصالحين و الصحابة المرضيين عدد كثير قد اندرست قبورهم فينبغي زيارة من فيه من أهل الإيمان و الولاء بما تزار به أمثالهم من أهل القبور و إهداء ثواب ركعتين أو اكثر و تلاوة بعض السور كسورة القدر يكررها سبعاً أو اكثر نعم هناك قبور معلومة ينبغي ان تزار بخصوصها و أما حش كوكب اسم

ص: 163

رجل من الأنصار فليس من البقيع كما نص عليه السمهودي و ابن الأثر في النهاية.

(السابع) يستحب زيارة شهداء أحد بعد زيارة سيدنا و مولانا حمزة بن عبد المطلب رضوان الله عليه.
(الثامن) روى في الكافي في الصحيح عنه عليه السلام انه قال لا تدع إتيان المشاهد كلها مسجد قباء

فانه المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم و مشربة أم إبراهيم و مسجد الفضيخ و قبور الشهداء و مسجد الأحزاب و هو مسجد الفتح الخ. و المشربة هي الغرفة و قيل البستان الذي اسكن صلّى الله عليه و آله و سلّم مارية فيه و فيه ولدت إبراهيم و قد حققنا هذه المواضع في منسكنا الكبير.

(التاسع) تستحب المجاورة بالمدينة

فقد روي ان من مات بها بعثه الله من الآمنين و عنه صلّى الله عليه و آله و سلّم لا يصبر على لأواء المدينة أحد من أمتي إلا كنت شفيعاً له و هاتان الروايتان غير صريحتين في المطلوب و إن كانت الثانية اظهر و على أي حال لا شبهة في استحباب المجاورة لأخبار صرحت باستحبابها و استحباب سكنى الكوفة و ليلحظ المجاور حقوق الجوار و ليكن كالقائل و ما حب الديار و ليحفظ نفسه من المأثم و المظالم و يكثر فيها من الصلاة و الصدقة خصوصاً على من متّ إليه صلّى الله عليه و آله و سلّم بنسب أو سبب و ليؤد وظائف تلك البقاع المقدسات و يأتي بما استطاع من الآداب و السنن و الطاعات و لنختم الخاتمة بما رواه ابن بابويه في الصحيح عن محمد بن عثمان العمري انه قال ان صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس و يعرفهم و يرونه و لا يعرفونه و انه رآه صلّى الله عليه و آله و سلّم متعلقاً باستار الكعبة في المستجار جعلنا الله من المستجيرين بعفوه و رحمته المتعلقين بولاء حججه على بريته آمين.

إلحاق
اشارة

في الجواب عن بعض المسائل التي وردت علينا و ما لم نجب عنه فقد تعرضنا له في محله

(المسألة الأولى) إذا استطاع فلم يحج ثمّ صار فقيراً لا يستطيع الحج أصلا

جاز له ان يحج نائباً و يبقى في مكة إلى الوقت الذي يصح ان يأتي فيه بالحج عن نفسه.

(المسألة الثانية) هل يجوز لمن دخل بعمرة التمتع ان يخرج إلى خارج مكة لزيارة قبور الهاشميين و للعمرة المفردة و هل العمارات المستحدثة خارجة عن حدود مكة أو داخله فيها؟

(ج) الظاهر ان الخروج في حال الإحرام لا مانع منه نعم لا يجوز ان يحرم

ص: 164

للعمرة المفردة و أما بعد الإحلال فيجوز الخروج لأدنى الحل لإحرام العمرة و غيرها و ان كان الاحوط احتياطاً لا يترك ان لا يسافر إلى ما يبلغ المسافة بل لا يجوز ان يسافر سفراً مفوتاً للحج و لو خرج محلا فتجاوز الحرم فلا يترك الاحتياط بالإحرام من ميقاته لعمرة يأتي بها برجاء ان تكون مطلوبة منه في الواقع ثمّ يأتي بأفعال العمرة و بطواف النساء و أما الحدود فالمدار فيها على زمن الخطاب.

(المسألة الثالثة) المستأجر للحج و الزيارة إذا أتى بالحج و لم يتمكن من الزيارة أو تمكن منها هل له ان يستأجر شخصاً ينوب عنه في الزيارة؟

(ج) مع علمه بعدم اعتبار المباشرة و إرادة إيقاع الفعل في الخارج من أي مباشر كان لا ينبغي الإشكال في الجواز كما في غير ذلك من العبادات مع التمكن و عدمه و ان لم يعلم ذلك توقفت الصحة على اجازة من له الإجازة فتبطل الاستنابة في الزيارة مع عدمها و يكون الرجوع بالنسبة إذا كان الحج و الزيارة باجرة واحدة كما هو المتعارف.

(المسألة الرابعة) إذا مات النائب أو المستطيع في أثناء الطريق فهل يجب على رفقائه

أو من بيده ماله ان يستأجر عنه شخصا من مكان موته للحج أم لا؟ (ج) أما النائب فلا تجب الاستنابة عنه بل لا تجوز و لو استناب من بيده ماله عمن كان نائباً عنه توقف الصحة على الإجازة و أما المستطيع فإن كان موته في عام الاستطاعة فلا حج عليه و لا نيابة عنه و ان كان مستطيعاً قبل ذلك كان من أفراد المسألة الآتية و مسألة الاستئجار من مكان الموت مبتنية على وجوب الحج من الميقات أو من البلد و قد ذكرنا في محله ما اخترناه.

(المسألة الخامسة) من استأجر من مال الميت فضولًا نائباً عنه و لم يمضه الوارث بعد ذلك

يجب على المستأجر الدفع من ماله أم لا؟ (ج) إن كان المستأجر بيده مال لشخص عليه حجة الإسلام و علم أو ظن ان الورثة لا يؤدون جاز صرف ما يكفي للحج عنه و الزائد عن أجرة الحج يرده إليهم و لا يتوقف ذلك على إذن من الحاكم و لا من الوارث و أما مع عدم العلم أو الظن بعدم تأدية الوارث فالجواز مشكل فتتوقف الصحة على الإجازة و يجب رد المال مع عدمها.

(المسألة السادسة) السفينة البحرية في حال سيرها هل يجوز للمحرم الجلوس تحت ظلها أم لا؟

(ج) لا يجوز الجلوس في حال سيرها تحت الظل على الاحوط ان لم

ص: 165

يكن أقوى و لا كفارة مع الجهل و النسيان. (المسألة السابعة) لو احرم بالمحاذاة بقول مقلده ثمّ بأن فساده بعد الفراغ من العمرة أو الحج فما تكليفه مع ضيق الوقت أو سعته؟ (ج) إذا كان الموضع الذي عينه المفتي للإحرام متقدماً على الميقات فاحرم منه المقلد بحيث مر على الميقات و هو محرم فالظاهر صحة إحرامه و ان كان الموضع متأخراً عن الميقات فإن اتسع الوقت لأفعال العمرة أتى بها بعد الإحرام من الميقات و إلا حج حج الأفراد و أتى بعده بعمرة مفردة و لا قضاء عليه في القابل و إن بأن الفساد بعد الحج أتى بعمرة مفردة على الاحوط و عليه القضاء.

(المسألة الثامنة) لو احرم بالنذر فهل له بعد تلبسه بالإحرام افساد النذر و الالتزام بالكفارة

و على تقدير عدم الفساد لو فعل ما يوجب الكفارة ظناً منه بالجواز أو بقول معلمه فهل تجب عليه أم لا؟ (ج) أما النذر فلا يجوز إفساده إلا انه في المسألة المفروضة قد حصل الوفاء بالنذر فلا يمكن إفساده بل يبقى على احرامه و لا كفارة عليه لجهله لأن الظاهر ان الناسي و الجاهل و لو كان مقصراً لا كفارة عليه إلا في الصيد.

(المسألة التاسعة) لو حاضت في الشوط الخامس

من الطواف فخرجت و أتت بباقي الأفعال و احلت ثمّ شكت انه في الخامس أو الثالث فما الحكم في ذلك و على تقدير كونه في الثالث فهل يجب الإتيان بالعمل من أوله أو لا؟ (ج) الاحوط الجمع بين الإتيان بباقي أشواط الطواف و بين استئنافه و على تقدير كونه في الثالث فليس عليها سوى قضاء الطواف و لا يجب عليها الإحرام كما لا كفارة عليها لو اوجدت سببها بعد التقصير.

(المسألة العاشرة) هل للحائض ان تستنيب في طوافها و تأتي بباقي الأفعال؟

(ج) في كون الحيض كالمرض مسوغاً للاستنابة إشكال.

(المسألة الحادية عشر) لو شك عند الغروب في عرفات في انه قصد الحج في التلبية أم رأى الناس يلبون فلبى بلا قصد و كان لابساً ثياب الإحرام؟

(ج) الظاهر صحة احرامه.

(المسألة الثانية عشر) لو قصر الصرورة و لبس المخيط و كانت فتوى مقلده بتعيين الحلق عليه فهل تجب عليه الكفارة و إعادة عمل مكة أم لا؟

(ج) يجب عليه ان يرجع إلى منى فيحلق و ان تعذر حلق شعره اينما كان و بعث به إلى منى ليدفن استحباباً و لا كفارة عليه.

ص: 166

فائدتان يحتاج إليها المسافر و الحاضر
الأولى في صلاة أول الشهر
اشارة

و هي مستحبة في أول يوم من كل شهر للمسافر و الحاضر في أي وقت كان من ذلك اليوم و كيفيتها ان يصلي ركعتين يقرأ بعد الفاتحة في الأولى التوحيد ثلاثين مرة و بعدها في الركعة الثانية أنا انزلناه ثلاثين مرة ثمّ يتصدق بما يتيسر فيشتري سلامة تمام شهره بها و يستحب أن يقرأ بعدها هذه الآيات:

" بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ" وَ مٰا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلّٰا عَلَى اللّٰهِ رِزْقُهٰا وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهٰا وَ مُسْتَوْدَعَهٰا كُلٌّ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ" بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ" وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللّٰهُ بِضُرٍّ فَلٰا كٰاشِفَ لَهُ إِلّٰا هُوَ وَ إِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلٰا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ" سَيَجْعَلُ اللّٰهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً مٰا شٰاءَ اللّٰهُ لٰا قُوَّةَ إِلّٰا بِاللّٰهِ حسبنا الله و نعم الوكيل و افوض أمري إلى الله ان الله بصير بالعباد لا اله إلا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين ربي أني لما انزلت إلي من خير فقير ربي لا ترني فرداً و أنت خير الوارثين.

في الحفظ تمام الأسبوع

ان يقرأ في يوم الجمعة في مجلس واحد الفاتحة سبعاً و التوحيد سبعاً و المعوذتين سبعاً سبعا ليحفظ من الاخطار إلى الوقت الذي قرأ فيه من ذلك اليوم.

الثانية في افضل كيفيات الاستخارة بالرقاع

إذا اردت أمرا فخذ ست رقاع فاكتب في ثلاث منها بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل و في ثلاث منها كذلك و بدل لا تفعل افعل ثمّ ضعها تحت مصلاك ثمّ صل ركعتين فإذا فرغت فاسجد سجدة و قل

ص: 167

فيها مائة مرة استخير الله برحمته خيرة في عافية ثمّ استو جالساً و قل اللهم خر لي و اختر لي في جميع أموري في يسر منك و عافية ثمّ اضرب بيدك إلى الرقاع فشوشها و اخرج واحدة واحدة فإن خرج في ثلاث متواليات افعل فافعل الأمر الذي تريد و ان خرج في ثلاث متواليات لا تفعل لا تفعله و ان خرجت واحدة افعل و الأخرى لا تفعل فاخرج من الرقاع إلى الخمس فانظر أكثرها فاعمل به ودع السادسة و اعلم ان هذا اشهر طرق هذه الاستخارة و اوثقها و عليه عمل أصحابنا و قد لا يحتاج إلى إخراج الخمس كما لو خرجت افعل و ثلاث بعدها لا تفعل أو بالعكس و احتمال التعبد باخراج الخمس بعيد و الله العالم.

كتاب الكفارات

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

وَ مَنْ يَتَّقِ اللّٰهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئٰاتِهِ وَ يُعْظِمْ لَهُ أَجْراً

الحمد لله الذي كفّر عنا السيئات بالتوبة و الأعمال الصالحات و افضل الصلوات و التحيات على من ولائهم منجاة من الهلكات و التمسك بهم وسيلة للنجاة محمد و آله و عترته القادة الهداة (امّا بعد) فهذا كتاب الكفارات و وجوبها ثابت بالكتاب المبين و سنة سيد المرسلين و اجماع المسلمين و هي عبادة مخصوصة مالية بدينه

و يقع الكلام على أقسامها و أحكامها في مقامين:

المقام الأول في أقسامها
و هي باعتبار الترتيب و التخيير بين حصالها و عدمها تنقسم إلى خمسة أقسام
" أولها" الكفارة المرتبة
اشارة

و هي نوعان

" اولهما" الكفارة المرتبة الكبرى

و هي العتق أولا ثمّ صيام شهرين متتابعين مع العجز عنه ثمّ اطعام ستين مسكينا مع العجز عن الصيام و العبرة في الترتيب بحال الأداء لا بحال الوجوب و اسباب وجوبها على المكلف أمران" الأول" الظهار فإذا ظاهر حرم عليه الوطء حتى يكفّر فلو وطأ قبل التكفير عامدا

ص: 168

فعليه كفارتان و التفصيل في محله" الثاني" قتل الخطأ و على العبد في قتل الخطأ و الظهار صيام شهر واحد متتابع و لو تحرر قبل الأداء فشهران و لا عتق عليه و لا صدقة

" ثانيهما" الكفارة المرتبة الصغرى

و هي اطعام عشرة مساكين ثمّ صيام ثلاثة أيام مع العجز عن الاطعام و لا يلزم فيها التوالي و موجبها مع القضاء الإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال و لا تتكرر الكفارة هنا بتكرر السبب و لا تجب في قضاء غير شهر رمضان

" ثانيها" الكفارة المخيرة

و هي عتق أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا و موجبها أمور" الأول" افطار يوم من شهر رمضان بغير محرم عامدا من غير عذر" الثاني" جماع المعتكف ليلًا أو نهاراً على ما تقدم" الثالث" جز المرأة شعرها في المصاب على النحو المتعارف بين النساء و لو كان لدفع مرض أو قمل أو نحوهما فلا كفارة و الحالق الحلق و الحرق بالجزّ لا يخلو عن قوة" الرابع" خلف النذر أو العهد سواء تعلقا بالصوم أو بغيره كما لو افطر يوما معينا نذر صومه فإن الاحوط فيه ذلك و ان كان الأقوى إنها كفارة يمين

" ثالثها" الكفارة التخييرية الترتيبية

و هي تحرير رقبة أو اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيرا بينهما فإن عجز صام ثلاثة أيام متوالية و موجبها أمور" الأول" خلف اليمين و منه الايلاء و هو ان يحلف بالله على ترك وطء الزوجة الدائمة المدخول بها اكثر من أربعة اشهر للاضرار بها فإذا وطأ المولى لزمته الكفارة على ما فصل في محله فهو قسم من اليمين انفرد عنه باحكام خاصة أوجبت ان يعقد له باب على حده" الثاني" الحلف بالبراءة من الله تعالى و رسوله و الائمة عليهم الصلاة و السلام و هو حرام صادقا كان أو كاذبا و فيه كفارة يمين و قيل كفارة ظهار و قيل غير ذلك و الاقرب انه مع الحنث يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدّ و يستغفر الله إليه و مع عدمه فالاستغفار و التوبة" الثالث" شق الرجل ثوبة في موت ولده أو زوجته خاصة عدا السرية و أم الولد و لا كفارة في شقه على غيرهما و لا في شق المرأة ثوبها مطلقا" الرابع" نتف المرأة شعرها في المصاب بما يصدق عليه كلا أو بعضا و خدش وجهها مع الإدماء

" رابعها" كفارة الجمع

و هي العتق و صيام الشهرين و اطعام الستين و الواجب هو الجمع بينهما و موجبها أمران" أحدهما" قتل المؤمن و من بحكمه عمدا

ص: 169

ظلما من غير فرق بين الذكر و الأنثى و الحر و العبد" ثانيها" الإفطار في شهر رمضان عمدا على محرم كالزنا و شرب الخمر و نحوهما و لو كان محرما بالعارض كوطئها حائضا في شهر رمضان فكذلك.

(خامسها) كفارات معينة مختلفة الخصال

و الموجبات و هي كثيرة منها كفارات الحج و هي تذكر في كتاب الحج" و منها" كفارة من تزوج امرأة في عدتها فانه يجب عليه ان يفارقها و يكفر على الاحوط بخمسة اصوع من دقيق الحنطة أو الشعير و لا فرق بين أقسام العدة و لا بين المدخول بها و غيرها و في حكمها ذات البعل" و منها" كفارة من نام عن صلاة العشاء اختيارا أو اضطرارا عمدا أو سهوا حتى خرج وقتها فإن عليه قضاءها و يصبح صائما و الاقرب الاستحباب و ذلك حيث لا مانع من الصوم و معه فالأقرب سقوط قضائه و لو قلنا بالوجوب بل لا يبعد التداخل لو صادف صوما معينا" و منها" كفارة من عجز بعد النذر عن صوم يوم معين نذره أو أيام كذلك فإن عليه ان يتصدق عن كل يوم بمدّ من الحنطة أو الشعير و الافضل بمدين و رواية ابن عمار فيمن لا يقوى على صيام نذره انه عليه السلام قال يعطى من يصوم عنه في كل يوم مدين حملها بعض مشايخنا على الاستحباب مدعيا إنها أجنبية عن المقام و ان معناها ان يعطي من ينوب عنه في الصيام و ما ذكره مبنى على ان فاعل يعطى عائد إلى ما قبله كما هو الظاهر و يمكن دلالتها على المطلوب ببعض الوجوه لكنها لا تخلو عن تكلف فتأمل هذا و لو تجددت القدرة على الصيام فالاحوط القضاء.

" و منها" كفارة ضرب العبد فوق الحد الذي وجب بفعله و هو عتقه و الاقوى الاستحباب" و منها" جملة من الكفارات ذكرنا جملة منها في مواضعها ككفارة الوطء في الحيض و كفارة اكراه الزوجة على الوطي في شهر رمضان و هما صائمان و كفارة ترك النوافل الراتبة إذا لم يقدر على قضائها و كفارة من ترك صلاة الكسوف عامدا و قد احترق القرص كله و هي ان يغتسل كفارة لذنبه ثمّ يقضي الصلاة بعده و كفارة من أخر قضاء شهر رمضان بلا عذر و من استمر به المرض إلى شهر رمضان آخر و قد ورد ان كفارة اللطم على الخد الاستغفار و التوبة و كفارة الغيبة للمغتاب و ذلك إذا تعذر الاستحلال منه لموت أو بعد و الا استغفر له و تحلل منه و استغفر الله تعالى و كفارة

ص: 170

الطيرة التوكل و كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان و كفارة الضحك اللهم لا تمقتني و ورد ان العمرة إلى العمرة كفارة لما بينها و ان كفارة المجالس عند القيام منها ان يقال سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين و ورد في جملة من العبادات إنها كفارة للذنوب إلى غير ذلك.

(المقام الثاني)

في اللواحق
اشارة

و فيها مسائل

(الأولى) يتعين العتق في المرتبة بوجدان الرقبة

و لا فرق بين وجدانها ملكا و بين وجدان ثمنها مع إمكان ابتياعها زائدا على المسكن و الثياب و الدابة و الخادم اللائقة بحاله و على وفاء دينه الحال و المؤجل و على النفقة لعياله الواجبة نفقتهم و العبرة بالقدرة عند العتق لا عند الوجوب و لو تكفلها العادم اجزأته إلا مع مطالبة الديان و يشترط في الرقبة الإيمان الخاص و هو الولاء على الأقوى في كفارة القتل و الاحوط في غيره و الملكية حين العتق و ان تشبث بالحرية كالمدبر و أم الولد المكاتب بقسميه إذا لم يود شيئا بخلاف المرهون إلا مع الإجازة و المنذور لعتق أو صدقة أو نحوهما و لا يشترط السلامة من العيوب التي لا تنافي الملكية فيجزي الاعور و الاعرج و الاصم و مقطوع أحد الأطراف و المريض و ان مات في مرضه و العاجز و الهرم و نحوهم كما يجزي الصغير و الكبير و الذكر و الانثى و الآبق و الضال ما لم يعلم موته نعم يعتبر فيها مع ما تقدم التمام فلا يجزى تحرير أبعاض من اشخاص يكون مجموعها رقبة تامة أيضاً خلوّ العتق عن العوض فلو اعتقه و شرط عليه عوضا لم يقع عن الكفارة

" الثانية" إذا عجز عن العتق في المرتبة وجب عليه صيام شهرين متتابعين هلالين

و ان نقصا إذا ابتدأ من أول الهلالي و لو ابتدأ من أثنائه اجزأه هلالي بين عددي يأتي بما بقي منه بعده و المراد بالتتابع أن لا يقطعهما بالافطار في الأثناء اختياراً و لو بالسفر فلا ينافيه القطع لحيض أو مرض أو سفر ضروري فلو انقطع لذلك بنى على ما مضى عند زوال العذر فوراً و يكفي في التتابع صيام شهر و يوم من الثاني و يكفيه هلالي و يوم بعده مع الابتداء من أوله و لو ابتدأ من أثناء الشهر تعين العددي و لا يجزي صيام شعبان إلا أن يصوم يوماً قبله و لو تمكن من العتق بعد شروعه في الصوم مضى فيه و إن استحب له اختيار العتق و رفع اليد عنه

ص: 171

و لو عجز عن صيام الشهرين المتتابعين و عن بدلهما صام ثمانية عشر يوماً فإن عجز تصدق عن كل يوم منها بمدّ من طعام فإن عجز استغفر الله بنية الكفارة.

(الثالثة) إذا عجز عن صيام الشهرين المتتابعين لهرم أو مرض أو مشقة شديدة

وجب عليه اطعام ستين مسكيناً أما اشباعاً في اكلة واحدة على المتعارف فإن قصر عن المد أو تسليم مدّ من الطعام إلى كل مسكين و المدان افضل و أحوط و كذلك في اطعام العشرة و لا يجزي تكرر الإشباع أو التسليم على اقل من العدد إلا مع تعذر وجوده فيجزي التكرار و لا يجب الانتظار و لو تعددت الكفارات جاز إعطاء الواحد ليومه من كل واحدة مدّاً و كذا فيما لا يعتبر فيه تعدد المسكين يجوز إعطاء أمداد متعددة لفقير واحد و يجزي الصغير في الاحتساب من العدد و لو انفردوا في التسليم و يكون إلى الولي أو بإذنه و أما في الإشباع فالاحوط احتساب كل صغيرين بكبير واحد و يكفي في الطعام و الاطعام أن يكون المدّ و الإشباع من الحنطة و الشعير و خبزهما و التمر و الزبيب من الغالب في قوت البلد و الأفضل أن يكون من غالب قوته و في أجزاء القيمة مع التمكن من العين تردد و يستحب الادام و أعلاه اللحم و أوسطه الخل و الزيت و أدناه الملح.

(الرابعة) يكفي في الكسوة مسماها

و لو ثوب واحد يواري العورة و الأفضل ثوبان و الظاهر كفاية مثل الجبة و القميص و الرداء و الإزار لا العمامة و المنطقة و نحوهما و كفاية الثوب و ان كان غسيلًا إذا لم ينخرق أو ينسحق جداً بحيث لا ينتفع به و كفاية المكسوّ و لو كان صغيراً.

(المقام الثاني) في احكامها

و لا بد من النية في جميع خصالها و القصد إلى فعلها بعنوان التكفير و لا يعتبر فيها غير ما يعتبر في النية المعتبرة في جميع العبادات من القربة و الإخلاص و التعيين مع توقف الامتثال عليه و الظاهر انه لا يتوقف على الإتيان بالعمل مشخصا بجميع وجوهه و مميزاته و الأقوى لزومه مع اختلاف السبب و تعدده سواء تماثلت المسببات أو اختلفت و لو اتحدا فلا يلزم و الاحوط اعتباره مطلقاً

ص: 172

سيما في بعض خصالها و هو الصوم و لو نسي المكفر ما عليه من الكفارات أتى بجميع الاحتمالات مع الانحصار و مع عدمه قيل بسقوط الحكم و فيه إشكال و لا يشترط في صحتها تقدم التوبة عليها و لا فورية في شي ء من الكفارات ما لم تتضيق لعارض فيجوز تأخيرها ما لم يوجب ذلك تهاوناً و القول بوجوبها على الفور كالتوبة سيما إذا كانت عن ذنب كالقتل و كان ما به التكفير من حقوق الفقراء و كان المكفر ميسراً لا يخلو عن قوة فلا يترك الاحتياط و لكن القول بالتوسعة مطلقاً أقوى و يجب اخراجها من تركة الميت كالدين إذا لم تكن واجباً بدنياً و تجوز الاستنابة في فعلها إخراجاً و دفعاً إلا في الصوم عن الحيي و لا مزية لفقراء بلد الكفارة على فقراء غيرها غالباً فاخراجها مع الضمان لا مانع منه و لو أخرجها ولي الفقراء لمصلحتهم فتلفت فلا ضمان عليه و لا على صاحبها و لا ترتيب بينها و بين القضاء لو كان معه فيجوز فعلها قبله و بعده و يشترط في صحتها إسلام المكفر على إشكال في اعتباره في جميع الخصال و يعتبر القبض في تملكها و لا بأس باحتسابها على المديون بجنسها و يتحمل صومها الولي على الشرائط التي ذكرت في الصوم و تتكرر الكفارة بتكرر السبب و لو تكرر الإفطار في يومين تكررت الكفارة و لو كان في يوم واحد لم تكرر إلا إذا كان بالجماع أو تخلل التكفير على الاحوط.

إكمال

مستحق الكفارة من لا يملك مئونة السنة من المؤمنين و إن لم يكن عدلا و يجوز دفعها للهاشمي من غيره و لو تمكن من الخمس و تجوز التفرقة بين المساكين في جنس الطعام و الكسوة و في التسليم و الإشباع فيشبع جماعة و يسلم أمداداً إلى آخرين يتم بهم العدد و الله تعالى هو العالم.

ص: 173

فائدة

المدّ رطلان و ربع بالعراقي و الصاع أربع أمداد فهو تسعة أرطال و المدّ مائة و أربع و خمسون مثقالًا صيرفياً إلا شيئاً يسيراً و الصاع ستمائة مثقال و أربعة عشر مثقالًا و ربع مثقال.

كتاب العتق

بسمه تعالى

قال صلّى الله عليه و آله و سلّم (من اعتق مسلماً اعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار) حديث نبوي

كتاب العتق و الانعتاق و التوابع

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لرب الأرباب و مالك الرقاب و الصلاة و السلام على محمد و آله الاطياب الذين بموالاتهم نرجو العتق من النار يوم يقوم الحساب (أما بعد) فهذا كتاب العتق الذي هو من اعظم العبادات و أجل الطاعات و من اظهر أفراد البر و الإحسان و المعروف و القربات و ينحصر البحث عنه و عن الانعتاق و التوابع في مقامات:

المقام الأول في العتق

و هو الخروج عن الرقية منجزاً بالمعنى الأسمى و بالمعنى المصدري هو الإخراج المذكور و يعتبر في المعتق بالكسر التكليف و الملكية فلا يصح عتق الفضولي مطلقاً و جواز التصرف و الاختيار و القصد و نية القربة و في المعتق بالفتح أن يكون مملوكاً مسلماً و لا بد من الصيغة بقصد الانشاء و الصريح منها أنت حرٌّ و في اعتقتك أو أنت عتيق إشكال اقربه الوقوع و لا يقع بالاشارة و الكتابة مع القدرة على النطق و لا يقع إلا على الجملة أو على جزء شائع و لا مشروطاً إلا في التدبير و لو نجزه و اشترط عليه في متن الصيغة شرطاً سائغاً كالخدمة مدة معينة متصلة أو منفصلة جاز و وجب عليه الوفاء

ص: 174

لأنه عتق و شرط لا عتق معلق و لو لم يفِ به لم يعد في الرق و كان للمولى أو لورثته بعد انقضاء المدة الزامه باجرة المثل إلا أن يكون شرط خدمة مدة معلومة غير مختصة بوقت خاص و لا يعتبر قبول العبد لأن الشرط بمنزلة الاستثناء نعم لا يبعد اعتباره لو اشترط عليه شيئاً معيناً من مال و نحوه و لو شرط عوده في الرق إن لم يف بشرطه فالأقرب بطلان العتق إلا ان الاحتياط لا ينبغي تركه و لو اعتقه و بيده مال كان للمولى و ان قلنا بملكية العبد لو ملكه مولاه كما لعله الأقرب إلا ان المولى يملكه و ما ملك و لا تجب إجابة المملوك لو طلب البيع و يكره التفريق بين الولد و أمه و لا يجب إلا بسبب من المكلف كفعل ما يوجب التكفير به عنه و كنذره و نحوه و يستحب مؤكداً عتق من أتى عليه و هو في ملكه سبع سنين فصاعداً إذا كان مؤمناً و يكره عتق غير العارف و من يعجز عن الاكتساب إلا إذا اعانه بالانفاق و لا بأس بعتق المستضعف و هو من لا يعرف الحق و لا يعاند فيه و لا يوالي أحداً بعينه و ولاء المعتق لمن اعتقه إلا أن يكون له وارث غيره على ما فصل في محله.

المقام الثاني في بقية أسباب إزالة الرق

اشارة

غير ما مضى و يأتي و هي أمور ثلاثة:

الأمر الأول الملك

و لا يملك إلا أهل الحرب و أهل الذمة إذا أخلوا بشرائطها و من أقرّ على نفسه بالرقية و هو كامل مختار حكم برقيته و لا تقبل دعوى الحرية ممن يباع في الأسواق إلا ببينة و لو ملك الرجل أو المرأة أحد الأبوين و إن علوا أو الأولاد و ان سفلوا انعتقوا بمجرد الملك و الرجل خاصة لا يملك محارمه من النساء كالخالة و العمة و الأخت و بنتها و بنت الأخ و ينعتقون عليه لو ملكهم و يملك غيرهم من الرجال و النساء على كراهة سيما فيمن يرثه و الظاهر ان حكم الرضاع حكم النسب فيكون الإرضاع من أسباب إزالة الرق في الجملة و لو ملك أحد الزوجين الآخر بطل العقد.

ص: 175

الأمر الثاني السراية

فمن اعتق جزءا من مملوكه انعتق كله و لو كان معه شريك فيه قوّم على المعتق بالكسر نصيب الشريك مع يساره بأن يملك زائداً على المستثنيات ما يسع قيمة نصيب الشريك و مع اعساره يسعى العبد بجميعه في باقي قيمته لا بنصيب الحرية فقط و لا يسري عتق الحامل إلى حملها فيبقى على الرقية.

الثالث العوارض

عوارض خاصة توجب انعتاقه قهراً و هي العمى و الجذام و الاقعاد و تنكيل المولى بمملوكه و هو ان يبالغ في نكاله و المرجع فيه هو العرف و ارضاعه و إسلام العبد و خروجه من دار الحرب إلى دار الإسلام قبل مولاه و دفع قيمة الوارث المملوك إلى سيده ليعتق و يعطى باقي التركة و كون أحد الأبوين حراً إلا مع الشرط على ما فصل في محله.

المقام الثالث أسباب إزالة الرق

اشارة

كلها اختيارية عدا ما تقدم و بقي من أسبابه الاختيارية التدبير و الاستيلاد و الكتابة و هي أسباب غير تامة لتوقفها على أمور أخر كما يأتي و الكلام عليها في مباحث:

المبحث الأول في التدبير

و هو تعليق عتق عبده أو أمته بوفاته أو وفاة مخدومهما و هو من أعارهما أباه لخدمته أو وفاة زوج مملوكته كأن يقول أنت حر أو عتيق أو معتق بعد وفاتي أو وفاة فلان و هي قد تكون مطلقة و قد تكون مقيدة بوقت كهذه السنة أو مكان كهذا البلد أو صفة كوفاته في هذا المرض و يعتبر في المدبر بالكسر الكمال بالبلوغ و العقل و الاختيار و جواز التصرف و القصد فلا عبرة بصيغة الغافل و نحوه و يشترط في التعليق أن يكون بعد الوفاة بلا فصل و أن لا يكون على شي ء آخر من صفة او شرط فلو قال أنت حر بعد وفاتي بسنة أو إن فعلت أو طلعت الشمس بطل و لا يشترط في الصحة نية التقرب

ص: 176

و ان توقف حصول الأجر عليها و المدبر بما بعد وفاة المالك له حكم الوصية في الخروج من الثلث و انه لو جامع وصايا كان كأحدها و ان له الرجوع فيه متى شاء و هو متأخر عن الدين و أما المتعلق على موت المخدوم و الزوج فليس له حكمها و يبطل بموت المالك و الحمل المتجدد من المملوك بعد التدبير مدبر و يجوز الرجوع فيه و لا يلزم من الرجوع بأحدهما الرجوع بالآخر كما لا يسري تدبير الحامل إلى حملها و يتحرر المدبر بخروجه من الثلث أو باجازة الوارث و مع عدمها و قصوره يستسعى في الباقي و يجوز للمالك مع التعليق على حياته عتق المدبر و بيعه وهبته و اصداقه و وطئ المدبرة بالملك و غير ذلك من التصرفات.

المبحث الثاني في الاستيلاد

و هو يحصل علوق أمته منه في ملكه بما يكون مبدأ نشوء آدمي و هي مملوكة يجوز استخدامها و وطأها بالملك و عتقها و تجب نفقتها نعم لا يجوز بيعها ما دام ولدها حيّاً إلا فيما استثنى و لا تتحرر بمجرد موت المولى بل من نصيب ولدها من ميراث أبيه فإن عجز نصيبه سعت في المتخلف.

المبحث الثالث في الكتابة

و تستحب مكاتبة من علم ان له ديناً و مالًا و من كان ذا امانة و تكسب و لو التمسها جامع الوصفين تأكد استحبابها و مع عدم الوصفين الصادق بعدم أحدهما فهي مباحة و ليست بيعاً للعبد من نفسه بل هي معاملة مستقلة بنفسها على الأصح و لا بد في المتعاقدين من البلوغ و العقل و جواز تصرف المولى و في الكتابة من العقد المشتمل على الإيجاب و القبول كأن يقول كاتبتك على أن تؤدي إليّ كذا في وقت كذا أو أوقات كذا فإذا أديت فأنت حر فيقول قبلت أو رضيت أو نحوها هذا إذا كانت مطلقة و لو كانت مشروطة أضاف إلى ذلك قوله فإن عجزت فأنت رد في الرق و ان أديت فأنت حر و هي بقسميها عقد لازم من الطرفين يجب الوفاء به عليهما فيجب على العبد السعي فيها و أدائه مال الكتابة و لا يجوز له تأخير نجم عن محله و لا التصرف في ماله بما زاد عن الواجب إلا بإذن مولاه و يجبر لو امتنع و لا تبطل إلا بالتقايل أو العتق

ص: 177

أو الإبراء من مال الكتابة فينعتق أو بالعجز في المشروطة و يلزم ما يشترطه المولى في العقد إذا لم يخالف المشروع و يحرم وطئ المكاتبة على مولاها فإن فعل وجب عليه مهر أمثالها و لو كانت مطلقة حدّ بمقدار ما تتحرر منها و لا ينعتق من المشروط شي ء حتى يؤدي تمام ما عليه و ينعتق من المطلق بالنسبة و الله العالم.

خاتمة

الدين الإسلامي بما شرعه و ندب إليه و رغّب فيه من أقسام التحرير و أسباب الخلوص من الرقية و بما اوجبه من العتق في الكفارات و الانعتاق القهري في جملة من المقامات و بما ضيقه من دائرة حصول الرقية و تقليل اسبابها و موجباتها و كراهة بعض أقسامها قد أوهن مسألة الاسترقاق و استعباد البشر بعضهم بعضا بل كادت بذلك أن تعفو آثارها مضافاً إلى ما اعلن به هذا الدين الشريف من انه ليس لأحد بعد الله تعالى سلطان على أحد و إن الناس في العبودية لله شرع سواء و إن حالهم واحد في صفة العبودية و الرقية إلا من منحه المالك الحقيقي جلت آلاؤه سلطنة خاصة أو عامة و قد ظهرت هذه الشريعة الإسلامية و الأمم و الملل و أهل الديانات كلها ترى ان الرقية و الاستعباد من الأمور المشروعة و العادات المألوفة فسعت في كسر صورتها و اضعاف أمرها إلى الغاية الممكنة و الحد الذي لا تسع الأحوال التجاوز عنه و من الجلي الواضح لدى الخبير ان أمر الرقية ليس مما ابتدعته هذه الشريعة المطهرة المحمدية بل كان امراً ثابتاً مقرراً في العالم قبل ان تشرق أنوارها بأزمان كثيرة و أعصار متمادية فليس بعد هذا مجال لمن خرج عن ملتنا ودان بغير ديننا ان يصم هذه الشريعة الغراء بما هي منزهة عنه من التوحش و الجفاء و الله حسبنا و نعم الوكيل.

ص: 178

كتاب الوفاء بالنذر و توابعه

اشارة

بسمه تعالى

قال تعالى (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخٰافُونَ يَوْماً كٰانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً).

و قال تعالى (وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّٰهِ إِذٰا عٰاهَدْتُمْ وَ لٰا تَنْقُضُوا الْأَيْمٰانَ) الآية.

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله حق حمده و صلواته على رسوله و عبده و آله أولياء الله و جنده الذين و في الله لهم بعهدهم و وفوا له بعهده (أما بعد) فهذا كتاب الوفاء بالنذر و العهود و الأيمان يجب الوفاء بها بعد انعقادها بنص الكتاب و صريح السنة النبوية و اجماع المسلمين و لا يتحقق الوفاء إلا باتيان ما التزم به المكلف بقصد الوفاء امتثالًا لأمر الله تعالى فلو أتى بالمنذور ساهياً أو غافلًا أو لا بقصد الوفاء أو لداعٍ آخر كالرياء و نحوه و لم يحل الامتثال و يظهر من آية يوفون بالنذر حيث أخرجت مخرج المدح لهم عليهم السلام مزيد فضل الوفاء بالنذر على الوفاء بغيره و ربما ظهر منها وجوبه على أي حال فلا إشكال في كونه من العبادات التي لا تصح بدون نية القربة و أما نفس الالتزام فظاهر جماعة من الفقهاء انه من العبادات الراجحة و قد صرح الشهيد بذلك في قواعده فيما اجتمع فيه خطاب التكليف و الوضع بعد ان عدّ منه أمور اذكر منها الاعتكاف و انه ندب و سبب في تحريم محرماته إلى ان قال و منها النذور و العهد فانه مستحب و سبب في الوجوب و التحريم بحسب الفعل و الترك و يكفي في الدلالة على رجحانه و استحبابه نذر أمير المؤمنين عليه السلام و سيدة النساء عليها السلام و جاريتهم فضة صوم ثلاثة أيام لشفاء الحسنين عليهما السلام لما مرضا و أما ما ورد من قوله عليه السلام لا تتعرضوا للحقوق فإذا لزمتكم فاصبروا لها و قوله عليه السلام أني لأكره الايجاب أن يوجب الرجل على نفسه فلا يمكن الالتزام بإطلاقها فلا بد من ان يراد بذلك أما التعرض لها و الالتزام بها دائماً و

ص: 179

أما إرادة التعرض ممن لا يثق من نفسه بالوفاء أو غير ذلك من المحامل و إلا فالظاهر ان الالتزام بالعبادة بالنذر و غيره صوماً كانت أو غيره اجتلاباً للخير و استدفاعاً للشر و قهراً للنفس على الطاعة و زجراً لها عن المعصية من الأمور الراجحة و اجماعهم على اعتبار القربة فيه و إن لم يشترطوا كونها غاية للفعل اكتفاء بتضمن الصيغة لها دليل الأمر به ثمّ ان استيفاء الكلام في النذر و تابعيه يقع في فصول:

الفصل الأول في النذر

اشارة

و فيه مباحث:

المبحث الأول في صيغة النذر

و هو التزام المكلف عن قصد و اختيار طاعة مقدورة بصيغة خاصة ملفوظة و إن لم تكن عربية فلو كانت منوية لم يجب الوفاء و استحب و الصيغة المنجزة ان يقول لله عليّ كذا و هو نذر التبرع و لو علق النذر على حصول نعمة كان نذر بر و شكر كأن يقول ان رزقت ولداً فلله عليّ كذا و إن شفي فلان فلله عليّ كذا و لو علقه على ترك طاعة أو فعل معصية كان نذر ردع و زجر كأن يقول إن فعلت محرماً فلله عليّ كذا و إن لم افعل الطاعة فلله عليّ كذا و لو قال عليّ كذا أو لفلان و ان كان ممن تجب إطاعته لم ينعقد.

المبحث الثاني في الناذر

و يعتبر فيه التكليف و الاختيار و القصد إلى مدلول الصيغة و الإسلام و الحرية إلا مع إذن المالك أو اجازته و لا ينعقد مع نهي الزوج إذا كان منافياً لحقوقه و كذا مع نهي الوالد و لو اوقع أحدهم النذر بغير إذن كان للمالك و الزوج و الوالد ابطاله و لو وقع النذر في حالة سكر يرفع القصد أو غضب كذلك لم ينعقد.

المبحث الثالث في متعلق النذر

و جملة من أحكامه و يعتبر فيه ان يكون طاعة لله و لو مكروهاً كراهة عباده و أن يكون مقدور الناذر و يسقط التكليف به لو تجدد العجز عنه و استمر أو خرج وقته لو

ص: 180

كان موقتاً و لو تجددت القدرة في المطلق وجب الوفاء به و لو قال لله عليّ نذر مقتصراً عليه لم ينعقد حتى يسمي شيئاً و لو بأن يقول لله عليّ قربة و يحصل الوفاء بفعل كل قربة و لو نذر الصدقة بجميع ما يملكه فإن خاف الضرر و شق عليه الوفاء قوّمه على نفسه و تصدق به شيئاً فشيئاً حتى يحصل الوفاء و لو نذر صوم يوم معين فمرض أو اتفق له السفر الشرعي فيه افطر ذلك اليوم و قضاه إلا ان يكون قد نذر صومه سفراً و حضراً و لو حاضت المرأة أو نفست افطرت و لا قضاء عليها و كذا لو صادف عيداً و الاحوط القضاء فيهما و لو عجز عن صومه لعذر لا يرجى زواله سقط عنه و تصدق بمدّ من بر أو تمر و النذر الذي لم يقيد بوقت خاص يلزم الذمة و يكون كأحد الواجبات الموسعة لا يتضيق إلا بظن الوفاة من غير فرق بين المعلق بشرط و غيره على الأصح و لو قيد النذر بمكان أو زمان لزم و لو كان معلقاً على حصول أمر فبان انه كان حاصلًا قبل النذر لم يلزم و من نذر انه ان رزق ولداً حج به أو حج عنه انعقد و لو مات الوالد قبل فعل أحد الأمرين حج به أو عنه من اصل تركته.

الفصل الثاني في العهد

و صيغته عاهدت الله أو عليّ عهد لله انه متى كان كذا فعليّ كذا أو يقول عليّ عهد الله أو عاهدت الله ان افعل كذا مجردة من الشرط و هو كاليمين في انعقاده لو كان متعلقه مباحاً متساوي الطرفين و لو تعلق بما مخالفته ارجح دنيا أو دين فلا كفارة عليه لو خالف و لا ينعقد بمجرد النية فلو نواه استحب الوفاء به.

الفصل الثالث في الأيمان

اشارة

و الكلام عليهما في مباحث:

المبحث الأول اليمين

هي الحلف بالله أو أحد اسمائه الخاصة و المقصود من أقسامها يمين الانعقاد و هي الحلف لتحقيق محتمل في المستقبل فعلًا أو تركاً مع القصد و يمين اللغو هي الحلف بلا قصد و لو لسبق اللسان إليها و لا تنعقد و يمين الغموس هي الحلف على فعل أو ترك

ص: 181

في الماضي مع تعمد الكذب و هي من المحرمات الأكيدة و لا كفارة لها سوى الاستغفار و التوبة و لو كان صادقاً فلا أثم و لا تنعقد اليمين إلا بالله تعالى كأن يقول و الذي فلق الحبة و برأ النسمة و نحوه أو بأحد أسمائه الخاصة كأن يقول و الله أو بالله أو تالله لأفعلن أو ما ينصرف إطلاقه إليه كالخالق و الباري و نحوهما و لو قال اقسم بالله أو برب الكعبة أو احلف كان يميناً و لو حلف بالبراءة لم يكن يميناً و أثم صادقاً أو كاذباً و لا ينعقد بغير اسمائه تعالى.

المبحث الثاني في الحالف

و يشترط فيه التكليف و القصد و الاختيار و الحرية فلو حلف بلا قصد كانت لغواً و لو بادر إليها المملوك بدون إذن مولاه كان للمولى حلها إلا في فعل واجب أو ترك محرّم و كذا الوالد مع ولده و الزوجة مع زوجها و تصح من الكافر فلو اسلم قبل الحنث بقيتْ اليمين و عليه الكفارة لو خالفها و لو اسلم بعده فلا كفارة عليه و لا يمين.

المبحث الثالث في متعلق اليمين

و جملة من أحكامها و لا بد من كونه مستقبلًا و مقدوراً عليه و غير مرجوح المخالفة و تنعقد إذا كانت على فعل واجب أو مندوب أو مباح مع الأولية أو ترك حرام أو مكروه أو مباح كذلك فلو كان الأولى مخالفته ديناً و دنيا فليأتِ ما هو خير له و لا أثم عليه و لا كفارة و مع تساوي فعل متعلقها و تركه يجب العمل بمقتضى اليمين و لا تتعلق بفعل الغير و لا بالمستحيل و لو تجدد العجز عن الممكن انحلت بالنسبة إلى زمن العجز و لا يبقى الانحلال لو تجددت القدرة على الأقرب و لو حلف على خلاف الواقع لمصلحة كتخليص مؤمن أو حفظ ماله أو دفع أذى عنه جاز و لم يأثم و ان احسن التورية و أمكنته ورّى و في وجوبها إشكال و قد تجب اليمين إذا توقف انقاذ المؤمن عليها و الاستثناء بالمشيئة متصلًا بها على النحو المتعارف مانع من انعقادها و في التعليق عليها بالنية دون اللفظ إشكال و لو علقها على مشية الغير توقف الانعقاد عليها فإن لم

ص: 182

يشأ انحلت و يتحقق الحنث بالمخالفة اختياراً عن علم و عمد فلو خالف مقتضاها جاهلًا أو ناسياً أو مكرهاً لم يحنث و لو حلف على شيئين أو اكثر يميناً واحدة فحنث في أحدهما أو فيهما أو في الجميع فكفارة واحدة و كذا في اليمين المكررة للتاكيد و ينبغي التوقف من الأقدام على اليمين و ان كان صادقا سيما في اليسير من المال و نحوه بل و الكثير منه فإن من أجل الله ان يحلف به اعطاه خير مما ذهب منه و يمين الزوج لزوجته ان لا يتزوج عليها و لا يتسرى لا تنعقد كيمينها ان لا تتزوج بعده.

خاتمة

أسماء الله تعالى ما ورد به السمع و لا يوهم نقصاً يجوز اطلاقه عليه تعالى كالاسماء الحسنى و أما ما عدا ذلك فينقسم إلى أقسام (الأول) ما لم يرد به السمع و يوهم نقصاً نحو العاقل و العارف و الذكي و يمتنع اطلاقه عليه. (الثاني) ما ورد به السمع و لكن اطلاقه في غير مورده يوجب النقص نحو و مكر الله و الله يستهزئ بهم. (و الثالث) ما خلا عن الايهام إلا انه لم يرد به السمع كالسخي مثلا و الأولى التوقف عما لم يرد السمع به بنحو التسمية و الله العالم.

كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

اشارة

بسمه تعالى

(وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين (أما بعد) فهذا كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و هو من اجل الفرائض و اهمها به تقام الفرائض و تأمن المذاهب و تحل المكاسب و ترد المظالم و تعمر الأرض و يستقيم الأمر

ص: 183

و هو سبيل الأنبياء و منهج الصالحين و لمّا كان المراد من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ما هو اعم من الحمل على الطاعة و المنع من المعصية للنفس و للغير قولًا و فعلًا مباشرة و تسبباً بكل وسيلة مشروعة اتسع المجال و عم سائر الأمور الحسبية التي منها الإصلاح و القضاء و الجهاد و الدفاع و غيرها و صح لنا ان نتعرّض لبعض ما يحمل على الطاعة و يمنع من المعصية و العدوان مما تشتد الحاجة إليه و يكثر الاهتمام بشأنه و اما الاصلاح و القضاء فيذكران في كتاب مستقل ان شاء الله تعالى و ذلك في مباحث.

المبحث الأول في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

اشارة

أي حمل الغير على الفعل و الترك إلى حد لا يصل إلى القتل و مراتبه ثلاث انكار القلب المنكشف بظهور الكراهة و اللسان و اليد و هما واجبان كفاية على كل مكلف يعلم المعروف و المنكر شرعا مع اصرار التارك و الفاعل و الامن من الضرر على المباشر نفسا و عرضا و مالا و على مؤمن غيره كذلك و تجويز التأثير و امكانه و ان لا يؤدي الإنكار إلى ارتكاب ما هو اعظم و يسقط الوجوب لو علم منه الاقلاع أو ظهرت عليه أمارات الندم و كذا مع خوف الضرر و العلم بعدم التأثير و لا يشترط كون المأمور أو المنهي عالما بالمعصية فينكر على المتلبس بها بصورة تعريفية إنها معصية و مع اجتماع الشرائط يتدرج المباشر في مراتب الإنكار بإظهار الأعراض و الكراهة ثمّ الاهانة بالاستحقار و الحط عن المرتبة ثمّ القول اللين ثمّ الغليظ متدرجا في جميع ذلك من الضعيف إلى الأقوى ثمّ الضرب كذلك بما تقتضيه المصلحة و يحصل به الغرض المطلوب و أما مجرد الإنكار بالقلب دون اللسان فليس من مراتب الإنكار بالمعنى المقصود بل من مقتضيات الإيمان إلا ان تظهر معه الكراهة كما عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال أدنى مراتب الإنكار ان تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة أي عابسة كدرة و المعروف قسمان واجب و ندب و الامر بالواجب واجب و بالمندوب مندوب كالنهي عن المكروه و لا تعنيف فيه و لا توبيخ كالامر بالمندوب.

ص: 184

و أما المنكر فكله قبيح و النهي عنه واجب و لو افتقر إلى الجرح لم يفعله إلا بإذن الإمام أو نائبه و لا يجوز لو ادّى الإنكار إلى القتل و لا انكار فيما اختلف به العلماء إلا ان يكون المتلبس يعتقد تحريم ما فعل أو وجوب ما ترك و المنكر موافقاً له في اعتقاده.

إكمال

التقية تبيح ما لا يستباح بدونها و يجب العمل بمقتضاها إلا في القتل حتى إظهار كلمة الكفر و لو ترك العمل بها أثم إلا في إظهار كلمة الكفر و مقام التبرّي من أهل البيت عليهم السلام فإن صبره أما مباح أو مستحب خصوصا إذا كان قدوة و الفرق بينها و بين المداهنة المحرمة ان المداهنة تعظيم غير المستحق لاجتلاب نفعه و التقية مجاملة الناس حذرا من غوائلهم و التقية واجبة بالكتاب و السنة و قد ورد عنهم عليهم السلام ان من لا تقية له لا دين له ان الله يحب أن يعبد سراً كما يحب أن يعبد جهرا إلى غير ذلك.

المبحث الثاني في الجهاد

اشارة

و المهم ذكر قسمين منه:

القسم الأول جهاد النفس

و قد تكرر ذكره في الكتاب و السنة و هو المراد على ما قيل من قوله تعالى:" وَ جٰاهِدُوا فِي اللّٰهِ حَقَّ جِهٰادِهِ" و قوله تعالى:" وَ الَّذِينَ جٰاهَدُوا فِينٰا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنٰا" و عنه انه قال لسرية رجعوا مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر و بقي عليهم الجهاد الأكبر قيل يا رسول الله و ما الجهاد الأكبر قال جهاد النفس. ثمّ قال صلّى الله عليه و آله و سلّم افضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه أي افضل أهله. و في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام ان أحد الفرضين مجاهدة الرجل نفسه عن معاصي الله و هو اعظم الجهاد و لعل ذلك و الله اعلم لأن النفس اعظم أعداء الإنسان و فتنتها اكبر و اشد من كل فتنة و اضرارها

ص: 185

أخروية و دنيوية و هي عدو كامن لا يمكن الاحتراز عنه و البلوى به عامة لجميع الأوقات و مجاهدة مثل هذا العدو أمر عسر مستصعب و جهاده بالمراقبة و المحاسبة و بحمله عن الإعراض عن زخارف الدنيا و الإقبال على التوجه إلى القيامة بفروض الجوارح و بالفكر فيما يوجب الاعتبار و غير ذلك.

القسم الثاني الجهاد في إحياء السنن و إماتة البدع

قال عليه السلام و أما الجهاد الذي هو سنة فكل سنة اقامها الرجل و جاهد في اقامتها و بلوغها و احيائها فالعمل و السعي فيها من افضل الأعمال لأنها إحياء سنة و قد قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم من سنّ سنة حسنة فله أجرها و اجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شي ء الخ قال في الوافي و هذا الجهاد يكون مع الناس في إحياء كل سنة بعد اندراسها واجبة كانت أو مستحبة فإن السعي في ذلك جهاد مع من أنكرها انتهى. و لا يخفى ان إحياء السنة اعمّ من ذلك فإذا أحياها بمبلغ جهده سواء كان منكراً و لم يكن فقد جاهد فيها.

المبحث الثالث في الدفاع

اشارة

و هو اعمّ أقسام الجهاد ابتلاءً و أكثرها عناءً و الدفاع قسمان دفاع عن الدين و المسلمين لأنهم مسلمون و هو قسم من الجهاد و داخل في حقيقته و دفاع عن النفس أو العرض أو المال و هو لا يندرج في اسم الجهاد حقيقة و إن ورد أن من قتل دون مظلمته فهو شهيد فلا تجري عليه أحكام الشهيد فهاهنا قسمان:

القسم الأول الدفاع عن الدين

و هو من افضل الأعمال بعد العقائد الإسلامية و الترغيب فيه و الحث عليه في الأخبار الصحيحة و الآيات الصريحة فوق حدّ الاحصاء و يكفي من الكتاب الشريف قوله تعالى:" وَ لٰا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ" الآية و من السنة المطهرة قوله صلّى الله عليه و آله و سلّم كل بر فوقه بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ و هذا القسم هو الجهاد لحفظ بيضة الإسلام إذا قام به من به الكفاية سقط وجوبه عن باقي

ص: 186

المكلفين و إلا وجب على كل مسلم قادر على الدفع بكل ماله دخل فيه من نفس و مال و قول و فعل و رأي و غير ذلك بإذن نائب الغيبة و بدونه مع عادل أو جائر و لكن لا يقصد اعانته من غير فرق بين الحر و العبد و الذكر و الأنثى و العاجز بدنا لا ما لا يستنيب العاجز مالا لا بدنا و ربما وجب عليه قبول النيابة و يجب على العاجز مالًا بمجرد البذل له و ما لا يتوقف على المال من الدفاع لا يسقط وجوبه بالعجز عن المال و لو دهم المسلمين من يخاف منه على نفوسهم و أعراضهم وجب على من يليهم الدفاع عنهم و وجب على غيرهم إمدادهم مع الحاجة.

القسم الثاني ما يختص باسم الدفاع أو الدفع

و هو دفع الشخص عن نفسه أو عرضه أو ماله و دفعه عن نفس مؤمن أو عرضه أو ماله (أما الأول) فيجب على الشخص مدافعة من أراد قتله متى احتمل حصول السلامة بها و عليه أن يتوصل إلى حفظ نفسه بكل وسيلة و لا ينتقل إلى الأصعب مع حصول الاندفاع بالاسهل و لو أمكنه الهرب أو الصياح و نحوهما مما فيه رجاء السلامة وجب و حرم عليه الاستسلام و لو غشيه حيوان فزجره مخافة أن يطأه فجنى على راكبه أو غيره لم يكن عليه أثم لأنه قصد الدفع عن نفسه و أما دفعه عن عرضه فيجب عليه مع ظن السلامة و في الجواز مع ظن العطب إشكال و إن كان ظاهر بعض الأخبار جواز الدفع عن العرض و إن خاف القتل و من غالب امرأة على نفسها أو غلاماً فلهما دفعه و لو قتلاه فدمه هدر و أما الدفع عن المال فهو جائز مع ظن السلامة و اللص محارب يدفع مع ظنها فإن قتل فدمه هدر و لو جنى ضمن الجناية بل لا يبعد استحباب الدفع عن المال ما لم يصل إلى حد القتال فإذا بلغه كان الترك افضل لما ورد عنه صلّى الله عليه و آله و سلّم إن من قتل دون ماله فهو بمنزلة الشهيد فقلت أ يقاتل افضل أو لا يقاتل فقال صلّى الله عليه و آله و سلّم أما أنا فلو كنت لم اقاتل و تركته و في خبر آخر اتركوا اللص ما ترككم.

(و أما الثاني) و هو الدفع عن نفس المؤمن و عرضه فالظاهر وجوبه مع ظن السلامة و انتفاء الضرر و منه انقاذ الغريق و الحريق و أما الدفع عن ماله فلا يجب بل

ص: 187

يجوز مستحباً مع غلبة السلامة و الأمن من الضرر و أما معاونة الضعيف و الخائف ورد عادية النار و الماء عن المسلمين فقد قيل بوجوبها استناداً إلى قوله صلّى الله عليه و آله و سلّم من سمع رجلًا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم و قوله عليه السلام من رد عن المسلمين عادية ماء أو نار فقد وجبت له الجنة و الله تعالى هو العالم.

كتاب الإصلاح و القضاء

اشارة

بسمه تعالى

قال تعالى:" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ".

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي أتم الحجة و أوضح سبيل الحق و نهجه و استخلف لعباده من يحكم بينهم بالعدل و يقضي فيهم القضاء الفصل و الصلاة و السلام على خلفائه في أرضه و مقيمي سننه و فرضه محمد و آله الاطياب الذين أتوا الحكمة و فصل الخطاب.

(أما بعد) فهذا كتاب إصلاح ذات البين و القضاء بين المتخاصمين و الأول ليس من الوظائف الخاصة بالمجتهد الجامع بل يندب و ربما وجب كفاية أو عيناً لمن له قابلية الإصلاح من المكلفين و هو من افضل الأعمال و اشرف الأفعال به تحصل اغاثة الملهوف و إعانة الضعيف و إخماد الفتنة و تنفيس الكربة و قضاء حاجة المؤمن و الإحسان إليه و التعاون على البر و التقوى و غير ذلك من الأمور المستحبة الراجحة و يكفي في فضله ما ورد من الآيات الشريفة و الأخبار المستفيضة فمن الآيات قوله

ص: 188

تعالى:" لٰا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوٰاهُمْ إِلّٰا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلٰاحٍ بَيْنَ النّٰاسِ" و من الأخبار ما ورد عنه صلّى الله عليه و آله و سلّم من ان إصلاح ذات البين افضل من عامة الصلاة و الصيام و إن من مشى في صلح بين اثنين صلى عليه ملائكة الله حتى يرجع و أعطى ثواب ليلة القدر و يجوز للمصلح ان يتوصل إليه بجميع الوسائل المشروعة من القول و الفعل و التهديد و التوعيد و الوعظ و الترغيب و غير ذلك و يجوز له بذل مال الزكاة في سبيله و لا بأس بالكذب للاصلاح فقد ورد ان المصلح ليس بكذاب نعم إذا انتهى الأمر إلى المصالحة و إجراء صيغة الصلح فلا بد من مراعاة ما يعتبر في ذلك من الشرائط المقررة في محلها و لا بد في الإصلاح كغيره من العبادات من نية القربة و الإخلاص كما قال تعالى بعد قوله" أَوْ إِصْلٰاحٍ بَيْنَ النّٰاسِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً".

(و أما الثاني) و هو القضاء و فصل الخصومات فهو من فروض الكفايات على ذوي الملكات القدسيات و فضله عظيم و ثوابه جسيم و لكن فيه خطر خطير و أثم كبير لمن لم يثق من نفسه بجامعيته لشرائطه و أهليته لمنصبه و هو و الافتاء توأمان و إن كان القضاء اشد منه خطراً و اعظم ضرراً فكما يحرم القضاء على من ليس أهلًا للقضاء يحرم الإفتاء على من ليس أهلًا للفتوى و إذا حكم فحكمه غير نافذ و الترافع إليه غير جائز و المال الذي يؤخذ بحكمه حرام بخلاف حكم الحاكم الجامع للشرائط فانه حكمه ماض نافذ لا يجوز نقضه و لا الرد عليه إلا إذا تبين خطاه و إذا علم من نفسه عدم العدالة أو الأهلية حرم عليه التصدي لذلك و إن اعتقد الناس عدالته و اجتهاده و لما كان الغرض من تدوين هذا الكتاب بيان ما ينتفع به من لم يبلغ رتبة الاجتهاد من الأحكام لم نتعرض فيه لأحكام القضاء و شرائطه و توابعه و ما يتوقف عليه و أما بيان الغرض المقصود فيقع في فصول ثلاثة:

ص: 189

الفصل الأول في بيان بعض ما يحرم و يجوز من الأحكام لغير المجتهد مما يدخل في الإصلاح

أو يتولاه الحاكم غالباً و قد ذكرنا انه لا يجوز له القضاء و لا الإفتاء و كذا لا يجوز له إقامة الحدود و لا التعزيرات بل و لا إقامة الحد حتى على ولده و زوجته نعم لا بأس باقامة بعض التعزيرات إذا توقف عليه الأمر بالمعروف من الواجب و النهي عن المنكر ما لم يصل إلى الجرح أو القتل كما لا بأس في إقامة الحد على المملوك و لو ضربه من غير ان يوجبه على نفسه ففي الصحيح ان كفارته عتقه و هو محمول عنده على الاستحباب إلا ان الاحتياط لا ينبغي تركه و يكره ان يزيد في تأديب الصبي و العبد على عشرة اسواط و ان كان الأقوى ان ذلك على قدر ما يراه الولي من الذنب و قوة البدن لكن الاحتياط أن لا يزيد في تأديب الصبي عن الثلاثة إلى الخمسة و يجوز قتل من سب النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم أو أحد الأئمة أو الزهراء عليهم السلام مع الأمن و عدم الخوف و لو على غيره من المؤمنين و لا يتوقف على إذن الإمام أو نائبه و إذا تحمل الشهادة بالمشاهدة أو السماع لما يتكفل به السماع و إن لم يستدعه المشهود وجب عليه للتحمل عليه اقامتها إذا ادّعى إلا مع خوف ضرر غير مستحق عليه أو على مؤمن أما المستحق كمطالبته بحق عليه لو شهد و لا يمنع فلا تجب عليه الإجابة لو دعيّ إلى الشهادة عند من ليس أهلًا للقضاء بل لا تجوز الشهادة عنده و لو دعيّ لتحمل الشهادة و كان أهلًا فالأقرب الوجوب كفاية و يتعين التحمل على من دعيّ إليه مع عدم من يقوم به.

الفصل الثاني فيما يحتاج إليه عند الابتلاء بالمخاصمات

لا يجوز له الترافع إلى قضاة الجور و لا إلى المنصوبين من قبلهم و ما يأخذه بحكمهم سحت من غير فرق بين كون ما يأخذه ثابتاً في الواقع أو بمقتضى حكمهم و بين كونه عيناً أو ديناً و لكنه مشكل خصوصاً في العين التي هي له في الواقع فلا بد من ان يراد بذلك ان ما يأخذه و يثبت له بسبب حكمهم لا ما كان له واقعاً و قد انتزع منه أو يحمل الخبر على وجه آخر و لو توقف استنقاذ الحق الثابت له واقعاً على الرجوع إلى غير من له أهلية القضاء من قضاة الجور أو غيرهم أما لامتناع الخصم من المرافعة أو

ص: 190

لعدم انقياده إلا إلى الجائر أو لعدم وجود الحاكم الشرعي فالظاهر الجواز و حلية ما يأخذه كما انه لو توقف استنقاذ حقه المعلوم على الحلف كاذبا جاز و إن احسن التورية و أمكنته ورّى و في وجوبها إشكال و لو اتحد المجتهد وجب الرجوع إليه و لو تعدد و اتفق المتنازعان على واحد فلا إشكال و لو اتفقا على اكثر من واحد للمحاكمة بينهما على وجه الانضمام لم ينفذا الحكم منهم إلا مع اتفاقهم فيه و لو لم يتفقا و اختار كل واحد منهما غير ما اختاره الآخر قدم مختار المدعي سيما مع سبقه إلى من اختاره إلا مع اعلمية أحد الحاكمين فيشكل تقديم من اختار غيره و إن كان مدعياً و أما المتداعيان فيرجعان إلى القرعة و لو تراضى المتنازعان على حاكم و أرادا ان يعدلا عنه قبل التمام جاز و لو أراد أحدهما العدول لم يكن له ذلك و يحرم بذل الرشوة على الباذل كما يحرم أخذها على الآخذ إلا مع توقف استنقاذ حقه على بذلها فتحرم حينئذ على الآخذ فقط و لا تختص بما يبذل للقاضي لأجل أن يحكم له بل تجري في غيره لغيره و لو دفع إلى الحاكم خمساً أو زكاة بقصد الرشوة لم تبرأ ذمته منهما و ليس للمحكوم عليه بعد تمام المرافعة و صدور الحكم طلب تجديد الدعوى عند حاكم آخر إلا مع رضى المتنازعين أو تبين خطأ الحاكم في حكمه و لو ادعى خطأ الحاكم في الحكم أو عدم أهليته أو تقصيره في بعض مقدماته أو فسق الشهود فالظاهر سماع دعواه فإن كانت الدعوى عدم الأهلية كان على المحكوم له إثباتها إلا أن يكون المحكوم عليه قد اختاره للترافع و في دعوى الخطأ أو الجور أو فسق الشهود يكون المدعي هو المحكوم عليه فيكون الإثبات عليه و لا يجوز لغير الجازم ان يبرز دعواه بصورة الجزم حتى تسمع و الظاهر أن للمحكوم له إذا كان المحكوم عليه واجداً للمال و مماطلًا ان يغلظ له بالقول و يقول له يا ظالم يا فاسق و نحوهما و أما حبسه فهو من وظائف الحاكم كالتعزير و لو كان المحكوم عليه معسراً وجب انظاره إلى زمن يساره و الظاهر ان يمين المنكر من الحقوق التي تقبل الإبراء و الإسقاط فإذا اسقطها المدعي حكم ببراءته من الحق ظاهراً و ليس له المطالبة بها بعد الإسقاط نعم له إقامة البينة فتسمع دعواه و للمنكر أن يرد اليمين على المدعي فإن حلف ثبت ما ادعاه و إن لم يحلف سقطت دعواه و لو كان

ص: 191

حالفاً أو ناذراً ان لا يحلف صادقاً و لا كاذبا فتوجهت عليه اليمين فحلف صحت يمينه و لو أوصى الميت بدفع ما يدعيه المدعي من غير طلب بينة و لا يمين فالظاهر إنها وصية تخرج من ثلثه إذ لا يثبت كونه ديناً بمجرد ذلك و لا يكون إقراراً منه بذلك و لو قال كل ما في دفتري فهو حق كان إقراراً منه بما رسمه فيه من الديون و الله العالم.

الفصل الثالث فيما لغير المجتهد من طرق فصل الخصومة

إذا لم يكن في البلد مجتهد أو كان و لم يمكن الترافع عنده جاز لمن لم يبلغ رتبة الاجتهاد من أهل العلم الفصل بين المتنازعين من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إذا حصل له العلم القطعي بكون الحق لأحدهما من القرائن أو من أخبار جماعة افاده ذلك و كذا إذا شهد عنده عدلان بناء على عموم حجية البينة لكل أحد كما لعله الأقرب فله حينئذ الزام المدعى عليه بالتسليم و الحكم عليه بذلك و إن لم تترتب عليه آثار الحكم الصادر من المجتهد و أما طلب يمين المنكر أو يمين الرد فليس ذلك إلا للمجتهد و الحلف في غير مجلسه لا اثر له إلا انه يمكن ذلك بايقاع الصلح بين المنكر و المدعي بإسقاط دعواه بيمين المنكر أو ثبوتها بيمين الرد فتخرج المسألة عن حكم المرافعات و تدخل في قسم المعاملات و دعوى ان ذلك قد يدخل في الصلح على الحرام مردودة و إلا لما جاز للمدعي الذي يعمل بثبوت حقه و بعلم المنكر به تحليفه و الزامه باليمين و لا للمنكر الرد مع علمه بعلم المدعي إلا انه لا يخلو من الإشكال فالاولى ان يصالحه المدعي عن حقه بشي ء يسير و يشترط ان له الفسخ ان لم يحلف الآن أو غداً مثلا على براءته من حقه فإذا حلف لزمت المصالحة و سقط حق المدعي و للمنكر على هذا أن يتفصى عن اليمين بالاقرار و لا يكون ملزماً بالحلف و الظاهر انه لا مانع من اشتراط الحلف بغير الله تعالى أو أحد اسمائه الخاصة كأحد الأئمة أو الاولياء أو الصلحاء و الحاصل انه يمكن الاستغناء عن الرجوع إلى المجتهد في اغلب الفتاوى و الأحكام بالاحتياط و الصلح فللعوام فضلا عن أهل العلم التصدي لقطع المخاصمات بايقاع الصلح بين المتخاصمين و تحكيم القاضي لا يوجب نفوذ حكمه على المتنازعين ما لم يكن مجتهداً و أما قضاء المقلد بالوكالة عن المجتهد أو بالاذن منه أو

ص: 192

باعطائه الولاية عليه فلا يجدي في نفوذ حكمه و لو ولّاه الجائر لم يجز له القبول إلا ان يعلم بتمكنه من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أو يكره عليه فيتولاه تقية و عليه ان يجتهد في إنفاذ الحكم بالحق جعلنا الله من الحاكمين بالحق آمين.

خاتمة العبادات

اشارة

قال تعالى:" وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلّٰا لِيَعْبُدُونِ"

اعلم ان ما يصدر من الإنسان قد يكون مما لا تكليف فيه و لا يلحقه منه اجر و لا وزر و ذلك كالاحوال الضرورية له كالتنفس و نبض العروق و ما يقع منه عن غير اختيار و لا قصد كالخطإ و السهو و نحوهما و قد يكون مما يقع في جنسه التكليف و يلحقه منه مدح أو قدح و هو أقوال و أفعال تصدر عن قصد و اختيار و العبادة منها ما تتوقف صحته على التقرب و الإتيان بداعي امتثال أمره تعالى مما يقبل ان يقع على نحوين و ليس المراد بها ما أمكن التقرب به من المباحات أو ما قصد الفاعل به وجهاً قريباً أو ما شرع للمصالح الأخروية أو ما كانت فيه رجحانية شرعية اصلية أو عارضية و ان أمكن كونها من العبادات بالمعنى الاعم و لا ينتقض ما ذكرناه بالنظر المعرّف فانه عبادة و لا يحتاج إلى نية و كذلك إرادة الطاعة لعدم كونهما مما يقبل ان يقع على نحوين و العبادة المصطلحة ان تعلقت بالبدن فالبدنية و هي تكون لسانية و قلبية و جوارحية و ان تعلقت بالمال فمالية عقدية أو ايقاعية أو غيرهما أو بهما فمالية بدنية و أما العبادة بالمعنى الاعم فيمكن ان تكون اكثر المباحات منها بالنية و العزم و تكون ذات اجر و ثواب فإذا نوى بالاكل ان يتقوى على العبادة صار أكله عبادة و إذا نوى بالجماع كسر الشهوة و تحصيل رضى الله و رسوله صلّى الله عليه و آله و سلّم بحصول النسل و الذرية و قضاء ما أوجبه الله من حق الزوجة صار عبادة مثاباً عليها و و هكذا اغلب المباحات يمكن للإنسان ان يقصد عند فعل شي ء منها وجهاً قريباً و كان لي عمٌّ رباني فقيه اتفق انه

ص: 193

امرني بأمر فبادرت بامتثاله فقال لي أوصيك متى اردت ان تقضي حاجة أو تفعل شيئاً فلا تفعله إلا لله فإذا فعلت ذلك كانت جميع افعالك عبادة ثمّ ان الكلام على العبادة يقع في مقامين:

المقام الأول في أقسام العبادة

و هي بمعناها الاعم واجبة كانت أو مندوبة عيناً أو كفاية لا تكاد تنحصر و قد افرد الفقهاء للعبادات الواجبة التي تتوقف صحتها على النية كتباً مستقلة و هي الصلاة و الصيام و الزكاة و الحج و الجهاد و توابعها و باقي العبادات ذكروها في مواضع متفرقة تليق بذكرها منها ردّ السلام فانه من الفرائض العينية على من خص به و الكفائي لو كان المخاطب به جماعة و كصلة الرحم و أداء حقوق الاخوان و قضاء حاجة المؤمن و قد تتصف العبادة بالوجوب تارة و بالندب أخرى كالصلاة و الصوم و الحج و نحوها و منها الابتداء بالسلام فإن فيه سبعين حسنة واحدة للراد و الباقي للمبتدئ و في الحديث ان البخيل من بخل بالسلام و انه من التواضع و منها تشميت العاطس و استعمال المروءة و مواساة الاخوان و إكرام ذي الشيبة المؤمن و التواضع للمؤمنين و في البال ان من المروي ان التكبر على المتكبر عبادة و من العبادات الفاضلة زيارة النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و الأئمة المعصومين من القرب و البعد فإن فيها أجراً عظيماً و ثواباً جسيماً و البكاء في مصابهم و إقامة مآتمهم سيما سيد الشهداء و الحزن لحزنهم و الفرح لفرحهم فإن جميع ذلك من العبادات الراجحة و المستحبات الاكيدة و من العبادات كتم المرض و كظم الغيض و العفو عمن اساء و غير ذلك من الآداب و السنن و الأخلاق و من العبادات الواجبة على الفور المأمور بها في عدة مواضع من القرآن الشريف و قد تواترت بوجوبها السنة و دل عليه صريح العقل التوبة و قد ورد ان التائب من الذنب كمن لا ذنب له و هي مقبولة إذا كانت خالصة لله لا ما كان منها لمال أو خوف سلطان أو عدم أسباب و آلات كتوبة الاطرش عن الغناء و المجبوب عن الزنا و بيان حقيقتها و شروط قبولها و أحكامها تطلب من مظانها و إنما الغرض التنبيه عليها ثمّ ان هناك عادات تعدّ من العبادات كالسحور في شهر رمضان و الجماع في أول ليلة منه و نحوها

ص: 194

و قد تفضل الشارع بترتيب ثواب العبادة على أمور غير اختيارية فجعل نوم الصائم عبادة و أنفاسه تسبيحاً و جعل النظر إلى الكعبة عبادة و في وجوه العلماء عبادة و غير ذلك ثمّ ان أهل العبادة ثلاثة قوم عبدوا الله خوفاً فتلك عبادة العبيد و قوم عبدوه طلباً للثواب فتلك عبادة الأجراء و قوم عبدوا الله عز و جل حباً له فتلك عبادة الاحرار و هي افضل العبادة و يروى عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال (الهي ما عبدتك خوفاً من نارك و لا طمعاً في جنتك و لكن وجدتك أهلًا للعبادة فعبدتك) و هذا أعلى مراتب العبادة و لو أتى بالعبادة كإتيان الأجير بالعمل تحصيلًا للاجرة من غير قصد إطاعة و امتثال بل بقصد المعاوضة فلا يبعد بطلانها كما انه لو أتى ببعض المستحبات بقصد محض ترتب ما لها من الآثار لم تصح و لم ترتب آثارها.

المقام الثاني في جملة من أحكام العبادات

و هي أمور كثيرة: (منها) وجوب الإخلاص في العبادة و النية و تحريم قصد الرياء و السمعة بها فعن الرضا عليه السلام انه قال لابن عرفة يا ابن عرفة اعملوا لغير رياء و لا سمعة فإن من عمل لغير الله وكله الله إلى ما عمل الخبر و متى قصد بها الرياء و لو في الأثناء أثم و بطلت عبادته و قد ورد ان الرياء شرك و انه يجاء بالعبد يوم القيامة فيقول يا رب قد صليت ابتغاء وجهك فيقال له بل صليت ليقال ما احسن صلاة فلان اذهبوا به إلى النار و علامات المرائي ثلاث ينشط إذا رأى الناس و يكسل إذا كان وحده و يحب أن يحمد في جميع أموره (و منها) التظاهر بالعبادات و هو مستحب إذا كان باعثاً على اقتداء الغير فإن الداعي إلى الخير كفاعله و العبادة المندوبة سراً افضل منها علانية إلا إذا أراد جب الغيبة عن نفسه فلا يرمى بالكسل و التهاون و يتأكد استحباب الإسرار لمن خاف على نفسه من الرياء و يكره ذكر عبادته للناس كأن يقول صليت البارحة و صمت امس و عن أبي جعفر عليه السلام انه قال الابقاء على العمل اشد من العمل قيل و ما الابقاء على العمل قال الرجل ينفق نفقة لله وحده لا شريك له فتكتب له سراً ثمّ يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ثمّ يذكرها فتكتب له رياء و أما سرور الإنسان باطلاع غيره على عمله من غير قصد ففي الخبر انه لا بأس إذا لم يكن صنع

ص: 195

ذلك لذلك و يجوز تحسين العبادة للترغيب في المذهب و للاقتداء بالفاعل و ذلك ليس من الرياء (و منها) استحباب حب العبادة و التفرغ لها و الجد و الاجتهاد فيها فقد ورد ان افضل الناس من عشق العبادة واجهاً بقلبه و تفرغ لها فهو لا يبالي على ما اصبح من الدنيا على عسر أم على يسر و أما الجد و الاجتهاد في العبادات فقد تكرر الحث عليه في الأخبار بل في بعضها ان ولايتنا لا تنال إلا بالعمل و الاجتهاد من ائتم منكم بعبد فليعمل عمله الخبر و تستحب المداومة على العمل فإن احب الأعمال ما داوم العبد عليه و إن قلَّ و في خبر آخر فإذا كان على عمل فليدم عليه سنة ثمّ يتحول عنه إن شاء إلى غيره و ينبغي للإنسان ان يكون مقصراً عند نفسه و ان بلغ ما بلغ من العبادة فإن الله تعالى لا يمكن ان يعبد حق عبادته و إذا خاف الملل استحب له الاقتصاد في العبادة (و منها) تحريم الاعجاب بالعبادة و الإدلال بها فإن سيئة تسوؤك خير عند الله من حسنة تعجبك و لا بأس بالسرور بها من غير عجب و في الخبر ان المدل لا يصعد من عمله شي ء (و منها) استحباب تعجيل العبادة و فعل الخير و كراهة التأخير فعنه عليه السلام إذا عرض لك شي ء من أمر الآخرة فابدأ به و إذا عرض لك شي ء من أمر الدنيا فتأن حتى تصيب رشدك (و منها) انه لا ينبغي ترجيح العبادات الراجحة بحسب الذات على المرجوحة دائماً فيقتصر على الراجح منها فإن من تمام العبودية و الانقياد إتيان العبد بجميع ما أمر به مولاه من واجب و ندب و الراجح و المرجوح و إلا لبطلت السنن بالاقتصار على افضل الجنسين و أنواع كل جنس بالاقتصار على أفضلها (و منها) تحريم العبادة مع عدم إباحة ما يتوقف عليه فعلها من آلات و مكان و زمان و منافع بدن و نحوها فلا تجوز للعبد عبادة مندوبة بدون استئذان سوى عبادة الفكر و لو منعه المولى من عبادة الذكر امتنع (و منها) بطلان العبادات بدون ولاية الأئمة الهداة و اعتقاد إمامتهم و وجوب طاعتهم و الروايات في هذا الباب كثيرة نكتفي منها برواية واحدة تكون خاتمة لهذا العمل و كفارة لما وقع فيه من الخطأ و الزلل و هي ما رواه في الوسائل عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال لميسر: أي البقاع اعظم حرمة؟ قال: الله و رسوله و ابن رسوله اعلم. قال يا ميسر: بين الركن و المقام روضة

ص: 196

من رياض الجنة و ما بين القبر و المنبر روضة من رياض الجنة و و الله لو إن عبداً عمره الله ما بين الركن و المقام و ما بين القبر و المنبر يعبده ألف عام ثمّ ذبح على فراشه مظلوماً كما يذبح الكبش ثمّ لقي الله بغير ولايتنا لكان حقاً على الله ان يكبه على منخريه في نار جهنم.

اللهم احينا و أمتنا على ولايتهم و ادخلنا في شفاعتهم و اجعل خير اعمالنا خواتيمها و خير أيامنا يوم نلقاك فيه برحمتك يا ارحم الراحمين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على

المرسلين و الحمد لله رب العالمين و صلى الله

على محمد و آله الطاهرين.

تم في 29 ج 2 سنة 1342 ه

هذه ابيات للشيخ المفضال الثقة المؤتمن الشيخ محمد حسن آل سميسم أنشأها سنة 1340 ه في الهداية التي لخص منها هذا الكتاب.

هداية الهادي منار الهدى و طالب الحق بها يهتدي موارد الإسلام فيها صفت فلم تدع للشرك من مورد فأصلها مذهبنا جعفر و فرعها (الهادي) ابنه المهتدي ذي بغية الطالب و المقتدى و منية الراغب و المجتدي جلت عن التقريض لا بل علت كالشمس إذ تعلو على الفرقد

ص: 197

دليل كتاب

هدى المتقين إلى شريعة سيد المرسلين

الموضوع ..... رقم الصفحة

مقدمة المؤلف ..... 3

المقصد الأول ..... 5

كتاب الصلاة ..... 5

الباب الأول في مقدمات الصلاة و شروطها ..... 6

الأولى الطهارة من الحدثين الأصغر و الأكبر و من النجاسات العشر إلا ما يعفى عنه ..... 6

المقام الأول في الطهارة من الحدثين ..... 6

المبحث الأول في الطهارة من الحدث الأصغر ..... 6

المبحث الثاني في الطهارة من الحدث الأكبر ..... 9

خاتمة ..... 13

المبحث الثالث في التيمم و موجباته و كيفيته و أحكامه ..... 15

المقام الثاني في طهارة بدن المصلي و ثيابه و موضع سجوده من النجاسات ..... 16

المبحث الأول في النجاسات ..... 16

المبحث الثاني في المطهرات ..... 17

خاتمة ..... 22

المقدمة الثانية ستر العورتين للرجل ..... 23

المقدمة الثالثة مكان الصلاة ..... 23

المقدمة الرابعة دخول الوقت ..... 24

المقدمة الخامسة القبلة ..... 24

المقدمة السادسة التأهب ..... 25

المقدمة السابعة في الآذان و الإقامة ..... 25

ص: 198

الباب الثاني في أفعال الصلاة ..... 25

الباب الثالث في أحكام الخلل ..... 29

المبحث الأول في نقص الأجزاء ..... 29

المبحث الثاني في نقص الشروط أو أجزائها أو شرائطها ..... 30

المبحث الثالث في زيادة الأجزاء و حدوث أمور أخر خارجة تسمى منافيات الصلاة ..... 30

المبحث الرابع في الشك و أحكامه ..... 31

الباب الرابع فيما يوجب قصر الصلاة ..... 35

الباب الخامس في جملة من الصلاة الواجبة غير اليومية ..... 37

القسم الأول صلاة الجمعة ..... 37

القسم الثاني في صلاة الآيات ..... 38

القسم الثالث الصلاة الواجبة لسبب من الأسباب ..... 39

الباب السادس في صلاة الجماعة ..... 41

الباب السابع في النوافل ..... 43

المقام الأول في النوافل اليومية ..... 43

القسم الأول ..... 43

القسم الثاني ..... 44

المقام الثاني في الصلاة المستحبة غير اليومية ..... 45

الأول ..... 45

الثاني ..... 45

الثالث ..... 45

الرابع ..... 46

المقام الثالث في جملة من أحكام النوافل مطلقاً ..... 46

ص: 199

الأول ..... 46

الثاني ..... 46

الثالث ..... 46

الرابع ..... 46

الخامس ..... 47

السادس ..... 47

السابع ..... 47

الثامن ..... 47

التاسع ..... 47

العاشر ..... 47

الحادي عشر ..... 47

الثاني عشر ..... 48

الثالث عشر ..... 48

الرابع عشر ..... 48

الخامس عشر ..... 48

السادس عشر ..... 48

السابع عشر ..... 48

الثامن عشر ..... 49

التاسع عشر ..... 49

العشرون ..... 49

الباب الثامن في شرائط القبول و شرائط الكمال ..... 49

كتاب الصيام من هدى المتقين ..... 53

الفصل الأول في شرائطه و هي قسمان ..... 54

ص: 200

الأول ..... 54

الثاني ..... 54

الفصل الثاني فيما يمسك عنه الصائم و هو قسمان ..... 56

المقام الأول فيما يجب الإمساك عنه و فيه مباحث: ..... 56

المبحث الأول فيما يفسد الصوم و ينافيه ..... 56

المبحث الثاني فيما ليس بمفسد للصوم و لا موجب للقضاء و الكفارة ..... 58

المبحث الثالث في المفسد الموجب للقضاء ..... 59

المبحث الرابع فيما يوجب القضاء و الكفارة معا ..... 59

المقام الثاني فيما يستحب الإمساك عنه ..... 60

الفصل الثالث في أقسامه و هي أربعة ..... 60

المقام الأول في الصوم الواجب ..... 60

المقام الثاني في الصوم المندوب ..... 64

المبحث الأول ..... 64

المبحث الثاني ..... 65

المقام الثالث في الصوم المكروه ..... 65

المقام الرابع في الصوم المحرم ..... 66

الخاتمة في أمور ..... 66

كتاب الاعتكاف ..... 67

كتاب العبادات ..... 69

الفصل الأول في المهم من الأمور المتعلقة بالقرآن الشريف ..... 69

المبحث الأول في جملة مما يتعلق به من الواجبات ..... 69

المبحث الثاني في جملة مما يتعلق به من المحرمات و المكروهات ..... 69

المبحث الثالث في جملة مما يتعلق به من المستحبات ..... 71

المبحث الرابع في جملة من الأمور المتعلقة بالقرآن المجيد ..... 78

ص: 201

الفصل الثاني في الذكر ..... 79

خاتمة ..... 81

الفصل الثالث في الدعاء ..... 82

خاتمة فيها فوائد ..... 85

كتاب الزكاة ..... 86

المقصد الأول في زكاة الأموال ..... 87

الفصل الأول فيمن تجب عليه ..... 87

الفصل الثاني فيما تجب و فيما تستحب فيه ..... 87

المبحث الأول في شرائط الوجوب في زكاة الأنعام ..... 88

الشرط الأول بلوغها النصاب ..... 88

الشرط الثاني السوم ..... 89

الشرط الثالث الحول ..... 89

الشرط الرابع ان لا تكون من العوامل في تمام الحول ..... 89

و أما اللواحق ففيها مسائل ..... 89

المبحث الثاني في زكاة النقدين الذهب و الفضة ..... 90

الأمر الأول بلوغ النصاب ..... 90

الأمر الثاني الحول ..... 91

الأمر الثالث ..... 91

المبحث الثالث في زكاة الغلات ..... 91

الشرط الأول بلوغ النصاب ..... 91

الشرط الثاني التملك ..... 92

الفصل الثالث في أحكام الزكاة ..... 92

الفصل الرابع في الأصناف ..... 93

ص: 202

المبحث الأول الأصناف ثمانية ..... 93

الأول و الثاني الفقراء و المساكين ..... 93

الثالث العاملون ..... 94

الرابع المؤلفة قلوبهم ..... 94

الخامس في الرقاب ..... 94

السادس الغارمون ..... 94

السابع سبيل الله ..... 94

الثامن ابن السبيل ..... 95

المبحث الثاني أوصاف الأصناف ..... 95

الأول الإيمان ..... 95

الثاني العدالة ..... 95

الثالث ..... 95

الرابع أن لا يكون هاشمياً ..... 96

الخاتمة ..... 96

المقصد الثاني في زكاة الفطرة ..... 97

الفصل الأول فيمن تجب عليه ..... 97

الفصل الثاني في جنسها ..... 97

الفصل الثالث في مقدارها ..... 98

الفصل الرابع في وقتها ..... 98

الفصل الخامس في مصرفها ..... 98

كتاب الخمس ..... 99

المقصد الأول فيما يجب فيه الخمس ..... 100

الأول غنائم دار الحرب مطلقاً ..... 100

الثاني المعادن ..... 100

ص: 203

الثالث الكنز ..... 100

الرابع في الكنز و الغوص ..... 101

الخامس ما يفضل عن مئونة السنة ..... 101

السادس الأرض التي يشتريها الذمي من مسلم ..... 102

السابع الحلال المختلط بالحرام ..... 102

المقصد الثاني في قسمته و مستحقه ..... 103

خاتمة في الأنفال ..... 103

الأول في عددها ..... 103

الثاني في أحكامها ..... 104

خاتمة فيها أمور ..... 104

كتاب الصدقات ..... 105

المقصد الأول في الصدقة ..... 105

الفصل الأول في فضلها و ثبوت الأجر عليها ..... 106

الفصل الثاني في أقسامها ..... 106

الفصل الثالث في مصرفها ..... 107

الفصل الرابع في مقدارها و جنسها ..... 107

الفصل الخامس في أحكامها ..... 107

المقصد الثاني في الهبة ..... 108

خاتمة ..... 109

الفصل الأول ..... 109

الفصل الثاني في صلة الأرحام ..... 110

إلحاق في الأضحية و العقيقة ..... 110

الأمر الأول في جنسها ..... 111

الأمر الثاني في وقتها ..... 112

ص: 204

الأمر الثالث ..... 112

الأمر الرابع في مصرفها ..... 112

الأول في جنسها ..... 112

الأمر الثاني النية ..... 112

الأمر الثالث في مصرفها ..... 113

كتاب الوقف ..... 114

المقصد الأول في الوقف ..... 114

المبحث الأول في الوقف ..... 114

الأمر الأول التقرب ..... 114

الأمر الثاني التنجيز ..... 114

الأمر الثالث الاقباض ..... 114

الأمر الرابع الدوام ..... 114

الأمر الخامس إخراج الواقف الوقف عن نفسه ..... 115

المبحث الثاني في الواقف ..... 115

المبحث الثالث في الموقوف ..... 115

المبحث الرابع في الموقوف عليه ..... 115

مسائل ..... 116

المقصد الثاني في توابع الوقف ..... 117

المبحث الأول في السكنى و الرقبى و العمرى ..... 117

المقصد الثاني في التحبيس ..... 118

كتاب الحج ..... 118

المقدمة و فيها أمور ..... 119

الأمر الأول في أقسام الحج ..... 119

ص: 205

الأمر الثاني في شرائط وجوب حج الإسلام و شرائط صحته ..... 119

الأول ..... 119

الثاني ..... 119

الثالث ..... 119

الرابع ..... 119

الخامس ..... 119

السادس ..... 120

السابع ..... 120

الثامن ..... 120

الثالث في بيان ما يجب من أقسام الحج و بيان أفعالها على الإجمال ..... 120

الرابع ..... 123

المقصد الأول في عمرة التمتع ..... 126

المقام الأول في أحكامها ..... 126

المقام الثاني في أفعالها ..... 126

الفصل الأول في إحرام العمرة ..... 126

المقام الثاني فيما يجب تركه بسبب الحرم ..... 135

إكمال ..... 135

خاتمة في كفارات الإحرام ..... 136

المبحث الأول في الصيد ..... 136

المبحث الثاني في باقي المحرمات ..... 137

مسائل ..... 138

الفصل الثاني في طواف العمرة ..... 139

الفصل الثالث في صلاة الطواف ..... 143

الفصل الرابع في السعي بين الصفا و المروة ..... 144

ص: 206

الفصل الخامس في التقصير ..... 146

خاتمة في العمرة المفردة ..... 147

المقصد الثاني في أفعال حج التمتع ..... 147

الفصل الأول في إحرام حج التمتع ..... 147

الفصل الثاني في الوقوف بعرفات ..... 148

الفصل الثالث في الوقوف بالمشعر الحرام ..... 150

الفصل الرابع في واجبات منى ..... 151

المبحث الأول في الرمي ..... 152

المبحث الثاني في الذبح أو النحر ..... 153

المبحث الثالث في الحلق أو التقصير ..... 154

الفصل الخامس فيما يجب و يستحب بعد الفراغ من مناسك منى ..... 155

الفصل السادس في أحكام منى بعد العود من مكة إليها ..... 156

الفصل السابع في رمي الجمرات الثلاث بمنى ..... 156

المبحث الثاني في الأعمال المستحبة في أيام منى ..... 157

إكمال في حج الافراد ..... 158

خاتمة المقصدين ..... 159

الفصل الأول في المندوبات بعد الفراغ من الحج و العودة إلى مكة ..... 159

الفصل الثاني في زيارة المدينة ..... 161

إلحاق ..... 163

فائدتان يحتاج إليها المسافر و الحاضر ..... 166

في الحفظ تمام الأسبوع ..... 166

الثانية في افضل كيفيات الاستخارة بالرقاع ..... 166

كتاب الكفارات ..... 167

ص: 207

المقام الأول في أقسامها ..... 167

إكمال ..... 172

فائدة ..... 173

كتاب العتق و الانعتاق و التوابع ..... 173

المقام الأول في العتق ..... 173

المقام الثاني في بقية أسباب إزالة الرق ..... 174

الأمر الأول الملك ..... 174

الأمر الثاني السراية ..... 175

الثالث العوارض ..... 175

المقام الثالث أسباب إزالة الرق ..... 175

المبحث الأول في التدبير ..... 175

المبحث الثاني في الاستيلاد ..... 176

المبحث الثالث في الكتابة ..... 176

خاتمة ..... 177

كتاب الوفاء بالنذر و توابعه ..... 178

الفصل الأول في النذر ..... 179

المبحث الأول في صيغة النذر ..... 179

المبحث الثاني في الناذر ..... 179

المبحث الثالث في متعلق النذر ..... 179

الفصل الثاني في العهد ..... 180

الفصل الثالث في الأيمان ..... 180

المبحث الأول اليمين ..... 180

المبحث الثاني في الحالف ..... 181

المبحث الثالث في متعلق اليمين ..... 181

ص: 208

خاتمة ..... 182

كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ..... 182

المبحث الأول في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ..... 183

إكمال ..... 184

المبحث الثاني في الجهاد ..... 184

القسم الأول جهاد النفس ..... 184

القسم الثاني الجهاد في إحياء السنن و إماتة البدع ..... 185

المبحث الثالث في الدفاع ..... 185

القسم الأول الدفاع عن الدين ..... 185

القسم الثاني ما يختص باسم الدفاع أو الدفع ..... 186

كتاب الإصلاح و القضاء ..... 187

الفصل الأول في بيان بعض ما يحرم و يجوز من الأحكام لغير المجتهد مما يدخل في الإصلاح ..... 189

الفصل الثاني فيما يحتاج إليه عند الابتلاء بالمخاصمات ..... 189

الفصل الثالث فيما لغير المجتهد من طرق فصل الخصومة ..... 191

خاتمة العبادات ..... 192

المقام الأول في أقسام العبادة ..... 193

المقام الثاني في جملة من أحكام العبادات ..... 194

دليل الكتاب ..... 197

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.